الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
القوة المهدورة فى الصيف

القوة المهدورة فى الصيف

ماذا تفعل هذه القوة الهادرة طيلة أشهر الصيف؟ تمارس الرياضة؟ أشك! قلة قليلة فقط هى من تتاح لها هذه الرفاهية، بما فيها لعب كرة القدم فى الشارع. تقرأ؟ أشك! قلة أقل من القليلة هى من تقرأ، وإن قرأت فهى تقرأ ما يكتبه الأقران والمؤثرون والمؤثرات على منصات السوشيال ميديا. تمارس الهوايات وتنمى الملكات وتصقل القدرات؟ أشك! فمعلوماتى أن الهوايات صارت فى أضيق الحدود والملكات باتت محدودة بحدود السوشيال ميديا. وعلى الرغم من أن السوشيال ميديا تبدو كأنها الرحابة بلا حدود والسماء دون حد أقصى والحرية دون قيود، إلا أنها بالغة الضيق ومحدودة الأفق, السوشيال ميديا مفيدة بالطبع، ولها من الفوائد بدل المائة ألف. لكنها تظل افتراضية وتحمل من سمات الخيال والتهيؤات أكثر من نعوت الواقع وحقائق الأرض. وتظل القوة المصرية الهادرة المكونة مما لا يقل عن نصف تعدادنا من الشباب والشابات والأطفال فى حالة جاهزية، إما لإهدار الوقت والجهد وما توافر من مال فيما يبدو أنه يفيد لكنه على الأرجح لا يفيد وغالبًا يضر لفرط الاستخدام أو الاستخدام غير الواعى أو كليهما، أو ليكونوا قوة مصر الحقيقية فى عملية البناء البشرية.



البشر والحجر لا غنى لأحدهما عن الآخر. ومصر قطعت شوطًا رائعًا فى سنوات حكم الرئيس السيسى فى كليهما. البنية التحتية من طرق وكبارى وقضاء على عشوائيات سكنية وتوفير أساسيات «حياة كريمة» وغيرها أصبحت أسطورية، والبنية البشرية تشهد هى الأخرى محاولات لإعادة بناء وإصلاح ما لحق بها من علل وأمراض على مدار عقود. لكن هذه البنية تحتاج إلى جهد مضن وطول بال وصبر ورؤى مصحوبة بخطط قابلة للتنفيذ. 

ماذا تفعل قوة مصر الهادرة من شباب ومراهقين وأطفال طيلة أشهر الصيف. النسبة التى تبقى فى «الساحل» صغيرة جدًا، فى مقابل النسبة الأكبر والأغلب التى تتلطع على النواصى أو تتمطع فى المقاهى أو تأنتخ على كنبات البيت. وهذه النسبة الأخيرة هى أشبه بمنجم الذهب الذى يتم طمس معالمه وتشويه محتوياته الثمينة عبر الإهمال أو التواكل أو الترك على النواصى والمقاهى والكنبات, هذه القوة الهادرة قادرة ليس فقط على تحسين قدراتها وصقل ملكاتها واكتساب المزيد من المعارف حال استثمارها استثمارًا كفؤا وصائبًا فى أشهر الصيف، ولكنها قادرة على إحداث فارق كبير ومحسوس بسرعة بين جموع المصريين. هذه الملايين من الشباب والمراهقين حين يتم تقسيمهم إلى مجموعات لمحو أمية الكبار، والمساعدة فى تنظيم المرور العشوائى، وتقوية الأصغر سنًا فى مراحل التعليم المختلفة جنبًا إلى جنب مع أنشطة ترفيهية فى المدارس التى تتحول إلى مبان مهجورة فى الصيف، وتساهم فى مجالات الزراعة والصناعة والأعمال اليدوية والسياحة وغيرها، شرط الخضوع لدورات تدريبية مكثفة على أيدى خبراء ومتخصصين، أليست قادرة على إحداث فرق؟

أليس جموع المصريين الذين يعانون الأمرين من أمية رقمية وثقافية وفنية، ومرور فيه من العشوائية ما يكتب فيه الكتب والمراجع، وهجرة أدمغة وأيدى من العديد من مجالات العمل أولى بالعائد من الاستثمار الصيفى فى جموع الشباب والمراهقين؟ 

وأتذكر جيدًا تجارب مماثلة خاضتها مصر قبل عقود فى التشغيل والتدريب الصيفيين لطلاب المدارس والجامعات. منافعها كثيرة من زرع انتماء وولاء وترسيخ قيم التراحم والتعاطف وزيادة الثقة فى النفس والآخرين وغيرها مما لا تزرعه السوشيال ميديا بل تحصده وأحيانًا تقصفه.