الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

متى يٌحاكم مبروك عطية؟

تبذل الدولة المصرية جهودًا حثيثة لمواجهة جميع أشكال العنف ضد المرأة والتصدى له بكل حزم وقوة، إلا أننا مازلنا نشهد جرائم عنف تُرتكب فى حق المرأة وصلت إلى حد القتل، ومازال هناك من يرجع ذلك كذبًا بأن المرأة هى من تسببت فيها ملقيًا اللوم على ملابسها وأوصافها وشكلها الخارجى.. حتى شاهدنا أحد الدعاة المدعو مبروك عطية يخرج بتصريحات تُهين المرأة.



 

وفى هذا الصدد قال د.حسن الخولى أستاذ علم الاجتماع: إن الربط بين أى جريمة تقع فى حق المرأة وبين شكلها الخارجى، يُعد شيئًا غير مقبول ويدل على منطق معكوس وخلل فى التفكير لدى من يحمل هذا الاعتقاد، لأنه لا يليق أبدًا أن يبرر أى فرد الجريمة ويلقى باللوم على الضحية «الطرف الضعيف الذى وقع فى حقه الضرر».

وأضاف الخولى: إن الإنسان يجب أن يكون منصفًا ويعلم قواعد العدل وقيمه ويحملها بداخله ويتصرف بتلك القواعد فى أى آراء أو أفعال تصدر عنه.

وأوضح أنه إذا تمت المقارنة بين الماضى والحاضر، فبالطبع ستكون فى صالح الماضى، لأن المفاهيم  السليمة كانت واضحة فى العقول، والناس يتصرفون بناء على تلك المفاهيم الراسخة فى أذهانهم، لذلك  كان هناك طمأنينة وسلام وأمان أكبر مقارنة بالآن، لذلك عندما ظهرت قضية الطالبة نيرة أشرف وقام البعض بالربط بين عدم ارتدائها الحجاب وبين تعرضها للقتل، شعرنا بالأسف، لأنه لا يوجد رابط بين شكلها وبين ما وقع فى حقها من جرم، وهذا تزيد ليس له أى معنى، لأنه من غير المقبول الدفاع عن الجريمة، خصوصًا أن هناك سيدات محجبات يتعرضن لجرائم عنف أيضًا.

من جانبها قالت د. ثريا عبد الجواد أستاذ علم النفس: إن من يربط بين الشكل الخارجى للمرأة وبين ما تتعرض إليه من عنف لديه خلل فى التفكير، لأننى كيف ألوم الضحية وهى الأضعف، وأترك من يجب إلقاء اللوم عليه وهو الجانى الذى لا يستطيع التحكم فى انفعالاته وأفكاره المريضة تجاه المرأة.

وأشارت عبد الجواد إلى أن هناك دراسات علمية أكدت تعرض المنتقبات لأنواع مختلفة من العنف منها التحرش والاعتداء.

ونوهت إلى أنه فى الستينيات والسبعينيات كانت المرأة المصرية ترتدى ملابس أكثر تحررًا من الآن، وتركب الدراجات فى الشوارع أمام الجميع، ومع ذلك لم نسمع عن حالات تحرش كما نسمع عنها الآن، وهو ما يؤكد أن شكل المرأة الخارجى ليس مبررًا للعنف ضدها.

وتابعت: أما الآن فنحن نسمع أنه على المرأة يجب أن تفعل كذا وكذا من أجل تجنب التعرض لأذى من جانب الرجل، وأن الحديث يتجه دومًا نحو ضرورة التزام المرأة دون أن يتم توجيه الحديث بضرورة التزام الرجل، فمن يوجه هذه الأحاديث الأحادية لديه نظرة تمييزية للمرأة، وأصبح يلوم الضحية لصالح الجانى، وهو ما يؤكد الخلل الفكرى لديه.

وعلق د.محمد سمير عبدالفتاح أستاذ علم الاجتماع أن هناك من يحاول أن يرسخ لمجتمع ذكورى يلقى فيه اللوم على المرأة فى الجرائم التى تقع عليها من جانب الرجل، لذلك يجب ترسيخ المفاهيم الصحيحة تجاه المرأة ومكانتها بداية من التربية داخل منزل الأسرة «النواة الصغيرة للمجتمع»، والتأكيد على مكانة المرأة داخل المجتمع، والتأكيد على أهمية مساندة الرجل للمرأة وليس العنف ضدها، كما يجب تشديد العقوبات فى جرائم العنف ضد المرأة بما يكفل الردع.

وقالت د.عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: إنه قد تتعرض المرأة للعنف بسبب ملابسها ومظهرها الخارجى فى حالة واحدة فقط، وهى أن تكون ملابسها خارجة وشبه عارية وغير مألوفة على المجتمع، أما دون ذلك فلا مبرر بين المظهر الخارجى للمرأة وبين وقوع جرائم فى حقها سواء هذه المرأة كانت محجبة أو غير محجبة وأيًا كان مظهرها.

 

د. ثريا عبدالجواد- د. حسن الخولى- د. عزة كريم- د. هاشم بحرى
د. ثريا عبدالجواد- د. حسن الخولى- د. عزة كريم- د. هاشم بحرى

 

وأكدت كريم، أنه لا يجب تسليط الضوء على الطرق التى وقعت بها الجرائم عمومًا وفى حق المرأة خصوصًا، وكيفية حدوثها، لكن يجب التركيز فقط على العقاب الذى وقع على المجرم وإبراز هذا العقاب على نطاق واسع من أجل مكافحة الجريمة.

وشرحت كريم، أن الإنسان عادة ما يتأثر بما يثار أو يتردد حوله، كما أن التكرار يؤثر فى الإنسان فى منطقة اللاشعور لديه، وبالتالى كثرة الحديث عن الجرائم وكيفية حدوثها وأسباب حدوثها وانفعالات الجانى فيها، قد يُسهل الجريمة لدى البعض، خصوصًا عند تناول تفاصيل وقوع الجريمة وغموضها وانفعالات ودوافع الجانى وخصوصًا الانتقامية، فهناك جرائم عنف فيها سهولة مفرطة أثناء ارتكابها.

وأضافت: هناك ملاحظة بأن المساحة التى تعطى للحديث عن أسباب وغموض الجريمة ودوافع الجانى، غير متساوية تمامًا مع المساحة التى تعطى للحديث عن عقاب الجانى، وهذا شىء غير سليم، والصحيح هو أن أعطى نفس المساحة للحديث عن العقاب الذى ناله الجانى وأثره على مستقبله ومستقبل من حوله للحد من انتشار الجرائم، كما أنه يجب مراعاة أن يكون الحديث عن تفاصيل الجرائم بعد أن ينال المجرم عقابه، فأوضح للمجتمع أن «هذه الجريمة.. وهذا القاتل.. وهذا عقابه الرادع»، وليس العكس بأن أبدأ فى الحديث عن الجريمة ودوافع القاتل، لأن الاهتمام الزائد بالحديث عن الجرائم قد يُسهل ارتكابها وانتشارها فى المجتمع، فتوجيه الزخم الإعلامى أو الفنى «سواء فى المسلسلات والأفلام»  تجاه الحديث عن العقاب أهم بكثير من الحديث عن الجريمة نفسها، وخصوصًا فى قضايا العنف ضد المرأة، حيث إن هذا يؤكد أن هناك قانونًا يحمى المرأة من العنف ضدها وبالتالى ستكون الرسالة واضحة.

ونصحت بضرورة توجيه الإعلام والدراما إلى التركيز على العلاقات الاجتماعية السليمة داخل المجتمع وترسيخ هذه العلاقات بشكل أكبر، والتركيز على الإيجابيات الموجودة فى المجتمع المصرى لأنه بالفعل يحمل بداخله الكثير من الإيجابيات.

ورأى  د.هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى، أن المرأة قد تتعرض للعنف بسبب شكلها الخارجى، وهذا الشكل الخارجى قد يكون لكونها محجبة أو غير محجبة أو لأنها بدينة أو نحيفة وغيرها من الصفات الشكلية الخارجية، فمثلاً قد تتعرض المرأة للعنف وارتكاب جريمة التنمر فى حقها بسبب زيادة وزنها. أضاف هاشم: لكن الشخص الذى يضع «مبررات» لجريمة عنف تعرضت لها المرأة ويربط ذلك بشكلها الخارجى، فهو يتبع حججًا ليس لها قيمة فى الواقع، ويعد نوعًا من أنواع السيطرة على المرأة بتعليق ما يقع عليها من عنف أو اعتداءات على أشكالها الظاهرية.

 

 

وأضاف هاشم: كلما كان الرجل أكثر ضعفًا زاد عنفه ضد المرأة وزاد تبريراته للجريمة ضدها، فمثلاً هناك من يقول إنه عنّف المرأة لأنه يريد تقويم أخلاقها وتنبيهها لعيوبها وأنه يريد لها الأفضل والسلوك الأنسب، لذلك أؤكد على أن الرجل الذى يلجأ للعنف ضد المرأة أو يبرره هو رجل ضعيف، وخصوصًا عندما يتم إلقاء اللوم على المرأة الضحية.