السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
جريمة «منطقية»!

جريمة «منطقية»!

ما جرى فى المنصورة أكبر من أن يكون جريمة مروعة. ما جرى هو مواجهة كاشفة بيننا وبين ما أصبح عليه حالنا بأيدينا. إنها الحقيقة المجردة التى عملنا على صناعتها بكل إخلاص وجهد منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى. 



استوردنا ثقافة غريبة عنا مع موجات هجرة اقتصادية. سلمنا عقولنا وقلوبنا لمن طرق أبوابنا صارخًا بأن الغناء حرام والتمثيل حرام والبنوك حرام ودخول الحمام بالرجل اليمين حرام وركوب المواصلات دون ترديد دعاء الركوب حرام والكلاب حرام وتبادل السلام مع الجار المسيحى حرام وأن المسيحى نفسه حرام لكن الزواج من المسيحية التى هى حرام حلال حلال وعمل المرأة حرام وتعليم المرأة حرام وملابس المرأة حرام وصوت المرأة حرام ومشاركة المرأة فى الحياة العامة حرام وتنظيم الأسرة حرام واعتراض المرأة على زواج زوجها من أخريات حرام واعتراض المرأة على العلاقة الحميمة مع زوجها لسبب «واه» ألا وهو إنها منهكة أو ليست مستعدة نفسيًا حرام والقائمة طويلة وجميعنا يعلمها ويعيشها ويمارسها.

ما تمت صناعته فى السبعينيات، وتُرك لينتشر كالسرطان المموه فى جلباب وعباءة دينية بأجنحة روحانية، نجنى ثماره منذ سنوات، لكننا عنه ساهون ومتجاهلون ومطنشون. 

تُرك التعليم يضرب يقلب، وتُرِك التعليم الدينى بتفسيراته البشرية ينتشر فى دولة يفترض إنها مدنية، وتُرِك كل من يدعو إلى إعمال العقل يتم تكفيره وإهانته وازدرائه، وتُرِك الشارع لجماعات وأفراد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تروع القلة القليلة المتبقية المحافظة على قدرتها على استخدام مخها. 

وهل هناك من أو ما هو أسرع وأضمن وأوثق من المرأة لتكون الأداة والوسيلة لأفغنة مصر ودعشنتها فعلًا لا قولًا؟! وهل هناك طريقة أكثر خبثًا من الاستثمار بالمليارات فى طلاء البلاد والعباد بدهان التديُّن الظاهرى المفرط والمتطرف فى مقابل ترك الأخلاق والقيم «مخوخة» تمامًا كالشجرة الفاسدة؟! 

وإذا كنا نتساءل كيف تحول الجدال الشعبى فجأة فى رد فعله على جريمة المنصورة المروعة من البحث فى الأسباب والعوامل النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية إلى اختزال المصيبة فى شعر المغدورة نيرة أشرف، فعلينا أن نتساءل كيف لشعب تدين بهذا الشكل المذهل أن يتبوأ ما يلى على سبيل المثال لا الحصر: فى عام 2017 تم تصنيف القاهرة كأكثر مدينة غير آمنة للنساء. فى 2013 أشارت دراسة للأمم المتحدة إلى أن 99،3 فى المئة من إناث مصر تعرضن للتحرش الجنسى مرة على الأقل. لا يخلو دليل سياحى من تحذيرات للنساء المسافرات إلى مصر من تحذير خاص بالتحرشات الجنسية. 

وما سبق نقطة فى بحر هائج بتنا نتعامل معه وكأنه أمر عادى لا يستحق الالتفات. أدعى أن أعداد من سلموا بأن المرأة كائن ناقص و«طبيعى أن يفرتكها الرجل» (كما قال الشيخ الجليل عبدالله رشدى الذى يحظى بمتابعة الملايين  وأن ضرب المرأة مباح فى الإسلام كما أفتى عدد لا حصر له من المشايخ، وأن قرار الرجل الزواج بأخرى غير تلك الموجودة فى البيت لا يعطيها حق الشعور بالمهانة وإلا نقص إيمانها تقدر بالملايين، وربما كانوا الأغلبية).

جريمة المنصورة وردود فعل المصريين عليها نتيجة طبيعية ومنطقية جدًا لما أصبحنا عليه.