الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الملك توت فى واشنطن

الملك توت فى واشنطن

هناك أكثر من طريقة لقراءة التاريخ.. وبالطبع توجد أكثر من وسيلة للتعرف على الشخصيات التاريخية. التاريخ (بما له وما عليه) مهما كان بعيدًا فى حاجة دائمة إلى قراءة جديدة وزيارة من جديد لكى نكتشف معها حقائق وأحداث وتفاصيل لا نعرفها أو نجهلها لأسباب عدة..



Beyond King Tut  ما وراء الملك توت.. هو عنوان العرض الحدث الذى بدأ مؤخرا فى متحف «ناشيونال جيوجرافيك» بواشنطن بمناسبة مرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.. ومستمر إلى 6 فبراير من العام المقبل.

العرض يعد زيارة للملك المصرى الصبى (من جاء إلى الحكم فى التاسعة من عمره عام 1332 قبل الميلاد) وما صاحب حياته ومماته من حواديت شيقة تجسد كل مواصفات الأسطورة الساحرة والأثر الملهم والوله بمصر الممتد عبر العقود حتى يومنا هذا ونحن فى 2022. ويرى المهتمون بتاريخ مصر والبشرية أن أسئلة كثيرة تم التوصل إلى إجاباتها مع اكتشاف المقبرة منذ مائة عام إلا أن أسئلة أخرى عديدة طرحت نفسها ومن ثم حيرت الأثريين وعلماء المصريات ودفعتهم للمزيد من عمليات التنقيب والبحث فى أعماق أراضى مصر وحضارتها العريقة. 

هذا العرض الجديد ليس عرضًا لآثار تاريخية أصلية، بل لأثر وتأثير هذا الاكتشاف من خلال نماذج مستنسخة ومجسمات للقديم كما كان، بالإضافة إلى صور ونصوص وعروض تفاعلية تواصلية تحيطك بالصوت والضوء من كل جانب تعيش فيها وبها ما هو مصرى قديم مرتبط بالملك توت الأسطورة والتاريخ. هكذا يلتقى الزائر لهذا العرض أو المشارك فيه (بتعبير أدق) بالتاريخ الثرى والحضارة المصرية ونهر النيل وعقيدة البعث وسر التحنيط.. وكتاب الموتى وعالم ما بعد الموت وبالطبع ماعت آلهة الحق والعدل.. ولا شك أن ما يوصف بالتجربة التفاعلية والتواصلية أو الافتراضية فى هذا العرض المميز.. يعنى ببساطة أن تسحبك الصور الخلابة المتتالية لمصر القديمة فى صحبة أصوات وموسيقى موحية إلى الغطس فى تجربة ممتعة ومفيدة معا فى أعماق معانى ومفاهيم وحكم ومعتقدات مصر القديمة.

 

 

 

لعل الخاطر الذى صاحبنى وأنا أعيش هذه التجربة لنحو ساعتين أننى لا أزور التاريخ وما هو قديم.. بل إن التاريخ والقديم وما يحمله من جمال وعراقة ومعرفة وحضارة وحكمة يزورنى ويلتقى بى فى هذا الزمان وفى هذا المكان.. ليذكرنى وينبهنى بما كان توت وأخناتون والبعث والخلود.. وريشة ماعت فى كفة وقلب المتوفى فى الكفة المقابلة.. وأن كل هذا كان فى مصر.. حيث الحضارة والآثار العريقة والمعابد الفرعونية التى ظلت وما زالت تبهر شعوب العالم.

مع الخطوات الأولى للدخول إلى هذا العرض المبهر تذكرك الصور والكتابات المتواجدة على حيطان المكان الذى يشبه معبدًا مصريًا قديمًا بأعمدته وممراته باكتشاف مقبرة توت عنخ أمون بواسطة هوارد كارتر البريطانى يوم 4 نوفمبر 1922.. وهذه المقبرة لم يتم فتحها إلا يوم 26 نوفمبر.. بحضور اللورد كارنارفون راعى الاكتشاف. ويذكر أن كارتر أمضى مع فريقه نحو عشر سنوات فى وصف وعمل كاتالوج لنحو 4 آلاف و500 قطعة أثرية وجدت فى المقبرة. ومن خلالها تم كشف أو رصد حقائق أو معلومات تخص الملك الذى أمضى فى الحكم عشر سنوات فقط.. إلا أنه بسبب هذا الاكتشاف وتبعاته صار اسمًا شهيرًا يأتى ذكره كلما تطرق الحديث إلى مصر.. ويضم المعرض جزءًا خاصًا باسم شجرة عائلة الملك توت ابن الملك أخناتون.. ومعروف أن السنوات الأخيرة قد شهدت أبحاثًا دقيقة بأدوات تكنولوجية حديثة تتعلق بالتركيبة الجينية للمومياوات الشهيرة، ومن ثم صار فى إمكان علماء الآثار والمصريات التعرف بشكل تفصيلى أكثر على صلات القرابة ما بين الفراعنة الأجداد والأحفاد!

والعرض الجديد يقوم بتذكير الزائر أيضًا بأن واشنطن العاصمة الأمريكية شهدت أول زيارة للملك توت فى عام 1961 بعرض 31 قطعة من محتويات المقبرة.. وذلك بحضور جاكلين كنيدى زوجة الرئيس الأمريكى رقم 35.. وكان حاضرًا من مصر د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك. ومع زيارات أخرى لجميع دول العالم صار هذا الملك شهيرًا وأصبحت عروض كنوزه تجذب أعدادًا ضخمة من الزوار أكثر من مليون بمئات الآلاف. وهذا ما حدث فى طوكيو (عام 1965) وباريس (1967) ولندن (1972) وشيكاجو (1977) ونيويورك (1978 1979).

الملك توت.. كان وظل وسيظل ولعًا أمريكيًا!