السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

البلوفر

كنت أتلهف على شراء بلوفر جديد.. رأيته فى أحد المحلات، وتمنيت من لحظتها أن أرتديه.. تخيلت نفسى به مرارا..



وكان أبى يقول دائما:

ـ انتظر حتى أول الشهر..

فأتذمر وانقطع عن تناول العشاء معه، فيأتى إلى ويكرر وعده:

ـ أقسم لك بأنه أول الشهر سيكون فى دولابك..

ثم ينحنى على رأسى، ويطبع قبلة، أحس بخشونة شاربه وسخونة أنفاسه..

وأتى أول الشهر..

ظللت واقفا أمام الباب منتظرا عودته..

وطالت وقفتى حتى أصابنى ملل، وأحسست بأنه يتعمد التأخير..

فأغلقت عليّ بابى، وأقسمت ألا أفتح له مطلقا..

ومر الوقت بطيئا، والغيظ يأكلنى..

حتى سمعت صوته فى الخارج.. ضاحكا كعادته، كلما قبض المرتب..

فتحت الباب فى لهفة..

رآنى وابتسم..

ـ طبعا ستسألنى عن البلوفر؟ اطمئن يا سيدى فى الغد سأعطى أمك ثمنه، وتنزلان سويا لتشترياه..

ثم فتح ساعديه وقال:

ـ هيا.. أعطنى حضنا!

فعانقته مجاملة، وسرعان ما أفلت..

فى غرفتى راودنى شك جديد..

لم لا يعطينى أنا ثمنه الآن؟!

هل هو قبض المرتب وصرفه كما كان يفعل؟! 

لماذا لم يحضره هو مباشرة، وقد رآه أكثر من مرة برفقتى؟!

ظلت الأفكار تلتهم رأسى، حتى خرجت فى عصبية وذهبت إليه..

كان واقفا فى منتصف الغرفة، يبدل ثيابه.…

ولأول مرة أراه بهذا النحول.. لقد بات كعود القصب.. وأيضا ازدادت بشرته سمارة.. وعيناه.. عيناه جاحظتان جدا..

وكلهما طيبة وانكسار..

ابتسم لى لما رآنى، وقال:

ـ لن تنام من الفرحة..

وسكت، ولم أدر بماذا أقول!

قال:

ـ والله أردت أن أشتريه لك، ولكن خفت أن أخطائ فى المقاس..

ثم ارتدى جلبابا، ستر به جسده الضعيف..

كان الجلباب أبيض نظيفا.. وممزقا من عند الذيل.. تمدد على الفراش، وهو يتأوه فى ألم..

قلت له:

ـ مالك ؟!

رد:

ـ خير..خير.. أنه ألم الظهر إياه..

بدا فى هذه اللحظة عجوزا جدا..

سألنى:

ـ أهناك شيء تريد قوله لى ؟!

فقلت:

ـ لا شيء..

ـ يبدو أنك لا تصدقنى!

ثم أخرج محفظته، وقربها منى:

ـ خذ حتى تطمئن هذه المرة؟

ولا أدرى لماذا هتفت بصوت عال:

ـ لا أريد شيئا..

ثم خرجت من أمامه، وأغلقت على بابى..

ولا أدرى أيضا لماذا، بعدما تركته انتابتني الرغبة في البكاء؟!