الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الدراما الوطنية لم تعد «موضة مؤقتة»

بانتهاء ثلاثية مسلسل «الاختيار» اكتملت الصورة للأحداث الحقيقية التى شهدتها مصر فى أكثر الفترات حسمًا لتاريخها الحديث، ألا وهى ثورة 30 يونيو وما سبقها من كواليس وأسرار، لتستعيد الدراما المصرية واحدة من أهم وظائفها التى فقدتها عن قصد أو بإهمال لمدة ثلاثين عاما وأكثر، وظيفة نشر الوعى بما جرى من أحداث معاصرة وإيصال الرسائل الصحيحة للجمهور المستهدف، والتأكيد على أن الأعمال «الوطنية» يمكن أن تلقى جماهيرية كبيرة لو أن صناعها امتلكوا مقومات النجاح، وتلقوا الدعم اللازم لإخراج مسلسلات وأفلام كبيرة التكلفة.



 

 

 

 

لكنها فى الوقت نفسه ممتدة التأثير خصوصا فيما يتعلق بأجيال جديدة لم تعد تأخذ معلوماتها من الإعلام التقليدى أو الأفلام والمسلسلات القديمة وإنما تحتاج إلى دراما تخاطب عقولهم، التى لم يعد هناك شر أكبر من تركها فارغة يملؤها آخرون بأفكار معادية للوطن وللهوية.

لا يمكن بأى حال من الأحوال الحديث عن التطور الذى شهدته الدراما المصرية، وهنا نقصد الأفلام والمسلسلات على حد سواء، دون أن نربط ذلك بنتائج ثورة 30 يونيو التى سطعت شمسها لتضىء جميع المجالات فى مصر، فأى ثورة حقيقية تقوم على أفكار ومبادئ واضحة ومحددة، لكن الأفكار نفسها لا تكفى، ما تحتاجه أى ثورة إرادة صلبة لتنفيذ أهدافها، وأن لا يكون هذا التنفيذ مقصورا على مجالات بعينها، فكل المجالات تتكامل وفى قلبها ما نسميه «القوة الناعمة» التى ترتبط بصناعتى الإعلام والفن، الميديا والترفيه، الصحافة والدراما، فهما الوسيلتان الأساسيتان حاليا للوصول إلى عقل وضمير الجمهور، وفى السطور المقبلة سنرصد كيف تحرك الدراما المصرية فى طريق ظل مهجورا لعقود طويلة. تحرك بدأ كمحاولات فردية فى البداية قبل أن تقف الدولة كلها خلفه وتوفر له كل الدعم اللازم لنصل إلى عام 2022 ولدينا قائمة كبيرة بالأعمال الفنية التى صنفها الكثيرون تحت عنوان «دراما الوعى»، تغيير حدث ليؤكد الفارق بين توجه الدولة وأهداف المنتجين الأفراد الذين ظلت الدراما والسينما بسببهم «تائهة» بدون بوصلة وبدون رغبة حقيقية فى إشباع متطلبات الجمهور.

 

 

قبل السنوات الخمس، يتذكر معظم محررى الفن الذين بدأوا المشوار منذ منتصف الثمانينيات تقريبا، عنوان تحقيق كان يتكرر كل عام فى ذكرى حرب أكتوبر وظل كذلك لعقود طويلة حول أسباب إحجام التليفزيون المصرى ومنتجى السينما عن إنتاج أفلام ومسلسلات تتناول ما جرى فى حرب أكتوبر باعتبارها الأحداث الأبرز فى تاريخ المصريين، وباعتبار الأفلام التى خرجت بعد الحرب مباشرة تناولت زاويا محدودة وما جرى أكبر من أن تلخصه عشرة أفلام وربما أقل، كانت إجابات المختصين فى تلك التحقيقات تتكرر أيضا، ما بين إبداء الدهشة من خلال النقاد، وبين تفسير المسئولين والمنتجين موقفهم هذا بأن تلك الأعمال تحتاج لتكلفة عالية وتفرغ للنجوم والأبطال، كما أنها قد لا تكون مربحة لأنها غير تجارية، وهى نظرة قاصرة بالتأكيد لأن استخدام الدراما فى حماية وعى الناس والحفاظ على هويتهم والتصدى للأكاذيب والشائعات هو أيضا أمر لا يقدر بمال ولا يصح أبدًا ربط الأعمال التاريخية والوطنية بشباك التذاكر. 

 

 

 

الدراما الوطنية

احتاجت ثورة 30 يونيو لأربع سنوات حتى يخرج العمل الأول للنور، جاء كتجربة «جس نبض» لكنه نال إعجاب الناس، وصنع أمير كرارة شعبيته الحقيقية من خلال شخصية «سليم الأنصارى» فى ثلاثية كلبش التى ظهر الجزء الأول منها عام 2017، وكان أهم ما يميز تلك التجربة هو تأكيد أن صناع أى عمل درامى يتكلم عن جهود رجال الجيش والشرطة لا يحتاجون فقط لمراجعة السيناريو والتأكيد من دقة التفاصيل الأمنية، وإنما الأهم توفير الدعم اللوجيستى الذى بدونه تتأثر مصداقية العمل.

بالتزامن مع انطلاق الموسم الأول من «كلبش» استقبلت دور السينما فيلم «الخلية» لأحمد عز، والشريط وإن غلب عليه الطابع التجارى الذى امتاز به مخرجه طارق العريان، لكنه جاء ليؤكد تعطش الجمهور لرؤية كواليس المداهمات الأمنية وكيف يتم الوصول للعناصر الإرهابية والتعاون بين قطاعات الشرطة وبعضها البعض، ولعل أهم ما يميز هذا الفيلم ويوجع القلب فى نفس الوقت، ظهور الشهيد النقيب عمرو صلاح كضابط حقيقى بين زملاء بطل الفيلم أحمد عز، قبل استشهاده فعلا فى عملية الواحات أكتوبر 2017.

 

 

 

نقطة التحول 

بعد فترة من الهدوء، جاءت نقطة تحول ثانية، من السينما أيضا وعبر بطل «الخلية» نفسه، حيث قدم أحمد عز مع المخرج شريف عرفة فيلم «الممر» وفيما اعتمد الخلية على أحداث معاصرة، عاد «الممر» لما بعد هزيمة يونيو 1967، ليتأكد من جديد أن تاريخ المصريين وإن بدا كحلقات متتالية لكنها بالتأكيد متصلة ببعضها البعض، وأن العدو فى أغلب الأحيان واحد، وإن اختلفت وسائل الهجوم الذى تردعه القوات المصرية، حقق فيلم «الممر» نجاحا هائلا على شاشة السينما، وتضاعف عند عرضه تلفزيونيا فى ذكرى نصر أكتوبر لعام 2019 ووصلت الرسالة مجددا، الناس فى مصر يريدون المزيد فبدأت مرحلة جديدة فى رمضان من العام التالى مباشرة.

 

 

 

ثلاثية «الاختيار»

بعد ثلاثة أعوام من المحاولات المنفردة، دخل إنتاج دراما الوعى فى مسار بدا مخططا للمرة الأولى، وخرجت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بأول بشائر هذه الخطة، الجزء الأول من مسلسل «الاختيار»، العمل الذى أكد التأثير الإيجابى لثورة 30 يونيو على مسار الدراما المصرية، ويعد نقطة تحول جديدة استمرت آثارها 3 أعوام متتالية، تناول قصة استشهاد البطل أحمد منسى، والذى قدم أيضا لأول مرة شخصية الضابط المنشق الذى انضم للتكفيرين ضد أبناء بلده وجيشه، ثم «الاختيار 2» فى 2021، الذى تناول بطولات الشرطة المصرية وتضحياتهم التى حدثت بين عامى 2013 و2020، كما رصد بعض الوقائع التى قامت بها الشرطة فى مواجهة الإرهاب، وصولا إلى «الاختيار 3» فى 2022 الذى تناول ما شهدته مصر خلال السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير، والأسباب التى أدت إلى وصول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى رأس السلطة، والأزمات التى لحقت بمصر فى تلك الفترة التى تسببت فى غضب شعبى على الجماعة لتنتهى باندلاع ثورة 30 يونيو، ليعيش المصريون «دراميا» أحداثا شاهدوها فى نشرات الأخبار لكن دون تفاصيل لم يعرفوها إلا من خلال المسلسل، وفى نفس الوقت دون أن يقع العمل فى فخ المباشرة والخطابية فتضاعفت جماهيرية «الاختيار» وتحول لـ«براند» درامى مستقل. 

ويضاف لأعمال موسم رمضان 2022 أيضا إلى جوار «الاختيار 3»، مسلسل «العائدون» الذى تناول محاولات المخابرات المصرية لحماية الوطن والقضاء على الإرهاب. ولا ننسى أنه قد مهَّد لهذا الموسم أعمال أخرى متميزة عرضت فى رمضان 2021 وتناولت جوانب جديدة ومختلفة، مثل «القاهرة كابول» الذى تناول تنظيم القاعدة وكيف انتحل بعض أفراده صفة رجال الأحزاب والسياسية بسبب الفوضى التى أعقبت ثورة يناير 2011، ومسلسل «هجمة مرتدة» الذى تناول قصة حقيقية من ملف المخابرات وأصبح أول مسلسل مخابراتى يقدم قضية معاصرة مرتبطة بتدريب الشباب على فعل الفوضى المجتمعية من جهة، ونقل المرتزقة من العراق وسوريا إلى باقى أنحاء الوطن العربى من جهة أخرى.

 

 

 

توعية الأطفال 

واستكمالا لخطة الوعى الشاملة للجميع، كان لا بد من الالتفات للأجيال الصغيرة، الأطفال أمل مصر الدائم فى كل الأزمنة، تم تقديم المسلسل الكارتونى الرمضانى «يحيى وكنوز» الذى سعى كل صناع العمل لتقديمه فى أفضل صورة لكى يكون تاريخيًا ويظل محفورا فى أذهان الأطفال، حيث يرصد على مدار حلقاته الثلاثين نحو 12 ملكا من الحضارة المصرية الثرية بالأحداث المهمة، والتى كان آخرها الحدث العظيم الخاص بنقل موكب المومياوات الملكية الذى أبهر الجميع، فتم اتخاذه كمنطلق لأحداث المسلسل، على أمل أن يستمر تقديمه خلال الأعوام المقبلة، بعد الإقبال الذى سجله الجزء الأول. وشارك فى المسلسل الذى تصل مدة حلقته الواحدة إلى ربع ساعة، عدد من كبار الفنانين المصرين من بينهم إسعاد يونس وأحمد السقا وياسر جلال، ومن تأليف محمد عدلى وإخراج محمد عيد.

استمرار الوعى

المتابع للمشهد الفنى يدرك جيدا أن هذا النوع من الدراما نجح فى أن يضم لاحقا العديد من الأنماط الدرامية الأخرى، فلم نعد نشاهد فقط عمليات عسكرية وأمنية، بل الشق الاجتماعى موجود، ودور المرأة واضح، والكوميديا التى لا تغطى على الحدث الأساسى حاضرة، أما التشويق فهل هناك أكثر تشويقا من أن يتابع الجمهور خصوصا الشباب منهم كيف كيف كان رجال الجيش والشرطة يسقطون أعداء الوطن الحقيقيين فى سيناء تارة وفى باقى أنحاء مصر تارة أخرى؟!

ومع نهاية موسم رمضان 2022 وإعلان الاستمرار فى الدراما الوطنية بعد إقبال الجمهور عليها، بدا أن الخطة مستمرة والقصة لن تنتهى، لا سيما مع زيادة الحرب الإعلامية على مصر والمصريين. لذلك يترقب الكثيرون عرض المزيد من الأعمال الوطنية لإدراك كواليس وحقيقة ما جرى فى فترة من أهم فترات تاريخنا الحديث، لتدخل الدراما المصرية عاما سابعا وجديدا من مهمة استعادة الوعى التى بدأتها ثورة يونيو على مستوى السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات الأخرى، وجاءت الدراما لتكمل الصورة وتؤكد أن امتلاك القدرة والقوة هو خط الدفاع الأول عن مصر وشعبها.