الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الدور المفقود لعلم الاجتماع

الدور المفقود لعلم الاجتماع

تأخرنا فى تكليف علماء الاجتماع والنفس بدراسة سلوكيات سائدة فى المجتمع ومدى تأثيراتها على الانتماء والتنمية. الناس منزعجون من بعض ممارسات البلطجة وعدم احترام القانون التى تمارس فى ساحات المجتمع المصرى. مثلاً، تنشئ الحكومة حديقة فى ميدان المساحة بالدقى، لكنها لا تراقبها أمنياً وهى تجاور منطقة شعبية، فيتجمع الشباب فيها مساءً، ولا يمكن أن تخطئ العين والأذن بعضاً منهم ممن تظهر عليهم سلوكيات تعاطى المخدرات، وتصبح الحديقة مصدر إزعاج وخطورة للمنطقة كلها. أما سياس السيارات فى الميدان، فالعيون زائغة، والألسن ثقيلة، والعلامات ظاهرة، باختصار كل علامات تعاطى المخدرات!



بعض بناتنا يحسسن بالغربة المؤلمة فى الشوارع - إنهن يتعرضن لغزو العيون وتحرش النفوس، وانظر أيضاً لِكَمَ العدوانية التى تقابلها الفتاة والسيدة عند  قيادة سيارتها. واستمع إلى آلات التنبيه التى تصم الآذان فى كل شوارع مصر. وهذا الذى يستمر فى إطلاق آلة تنبيه سيارته فجراً ومساءً وصباحاً كما لو كان قد اشترى آذان الناس وراحتهم. ولماذا نتكلم جميعا بصوت عالٍ، ونتكلم معاً فى نفس الوقت، فلا أنت فهمت ما يقوله غيرك ولا هو سمعك! وهذا الذى يرفع صوت مذياع منزله فيزلزل أركان منزلك ولا يُجديك إلا أن تخبط رأسك فى الجدران!

والجيران الذين يلقون قمامة منازلهم على سلالم العمارة أو رصيفها. وهؤلاء الذين يصرون على إجراء الصيانات المزعجة بمنازلهم فى أى وقت، ضاربين عرض الحائط بحق الجيرة فى سُكنى هادئة مستقرة. وكيف نرمى بقايا ما لا نريده من شبابيك السيارات، وفى نفس الوقت نتغنى بحماس «مصر هى أمى»؟! 

ولماذا يَشغَل كل محل مساحة من الرصيف ليست من حقه، وتفرش كل كافيتريا كراسيها على الأرصفة مُصَدِرة إزعاجاً للسكان؟!

لماذا تهرب الميكروباصات من الشوارع الرئيسية مع قدوم الحملة المرورية إلى الشوارع السكنية الجانبية، ويتسارعون بعرباتهم فى هذه الشوارع الضيقة فى خطورة وإقلاق، ويصيبون المارة والسيارات؟! ولماذا هذا البهرج والسفه فى بعض أفراح السوبر أغنياء، لماذا لا يحترمون نفوس الناس وأحوال البلاد؟!

إنها مجموعة من السلوكيات الأنانية، لا تحترم القانون ولا المشاعر ولا حقوق الغير ولا مبادئ السلام الاجتماعى، لذلك أتمنى أن تكلف الحكومة علماء الاجتماع والنفس بدراستها، وأسبابها، وكيفية معالجتها. فإن أخطر ما يحيق بوطن، هو أن يتملك إحساس الغربة بعض شبابه وهم يعيشون فيه، جرّاء كل هذه الانتهاكات. فالآباء غير المرتاحين، والخائفون على أولادهم، ستقل عندهم الرغبة فى العطاء، وبعض الأبناء الذين تلقوا التعليم الراقى، سيفكرون فى ترك البلد للخارج. هؤلاء هم عقول مصر المستقبل، ولا يجب أن نفرط فيهم.

اعملوا على تطبيق القانون، واجعلوا الناس يعيشون فى هدوء وراحة وسكينة، بلا خوف من بلطجية شوارع، وبدون مضايقة من منتهكى القانون والنظام العام، اجعلوا الوطن يعيش فى أولادنا بحب، كما يعيشون فيه بحب هم أيضاً.