الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
استهـداف الهويـة.. بحـجـة الحــرية

استهـداف الهويـة.. بحـجـة الحــرية

فى الإعادة إفادة.. والتكرار يعلم.. ومهم، وخصوصًا أن المعركة شرسة بتريليونات الدولارات فى الخلفية. 



أشرس المعارك هى معارك الهوية باسم الحرية. أشرس معارك هى معارك استهداف الفضائل، باسم الحداثة، وحرية التعبير، وحرية الميول. 

صحيح الحريات مكفولة، لكن كيف يمكن تقبل أن دعاة الحريات تحولوا لمحتكرين، وجبّارين.. ومُتصلبين فى الرأى.. ورافضين للآخر؟

كيف يمكن تقبل معادلة تبدأ بعدم الحجر على حرية الآخر، فإذا بالآخر يتمادى، ويستفحل، ويتوغل وينتشر، ويرفض هو نفسه تقبل المغاير فى الرأى.. والمختلف فى العقيدة الأخلاقية.. ومعيار القيمة؟ 

علامات استفهام كثيرة مطروحة فى خطايا وكوارث وبلاوى وراء قرار شركة كارتون ديزنى باشراك أبطال أسمتهم «مثليون الجنس» فى أفلام الأطفال!. 

اعتدت ديزنى بالحرية الشخصية، واعتبارات احترام الآخر. بينما فى المقابل، استخدمت نفس الشركة حق الاعتراض على عدم تقبل الآخر لسياساتها الجديدة، فهددت بمنع أفلامها «العادية» عمن يرفض عرض «أفلامها الجديدة» بأبطالها الجديدة، وبسلوكياتهم الشاذة.. على مستوى العالم!. 

المضحك أن المعادلة أصبحت هكذا: ليس مقبولا منك أن ترفض الآخر بحجة الحرية.. فى الوقت نفسه، فإن للآخر جميع الحقوق فى الاعتراض على أفكارك.. وهويتك.. وتعاليم دينك.. ونظرتك للحياة.. ونظرتك للطبيعة.. وحتى نظرتك للجمال.. واعتباراتك للسلوك الإنسانى القويم!.

فالآخر حر فى نظرته حتى ولو كانت نظرة شاذة خالية من القيم ومنزوعة الفطرة السليمة، بينما أنت لست حرًا فى إعلان رأيك بأنك ضد نظرة الآخر.. واعتبارها شاذة.. مغايرة للطبيعة ولسلوك البنى آدم السليم!. 

طيب ده كلام ؟ 

(1)

بالأرقام، تغول لوبى ما يسمى بـ«المثلية الجنسية» حول العالم، فى الصناعة وفى الرياضة وفى الفن، ووصلت حسب تقديرات وتقارير أوروبية إلى ثروة متداولة بالأسواق تعدت 3.7 تريليون دولار عام 2021!. 

بالمناسبة.. مهم هنا استعادة الألفاظ وإعادة تعريف المصطلحات ووضع الكلام فى مساره الصحيح. المفردات انعكاس للتفكير.

الإنسان يفكر بلغته. اللغة تصنع الفكرة.. والأفكار تترجم عن طريق مصطلحات يترتب عليها -بمرور الزمن- شكل المفاهيم، ومضامينها.

مهم هنا التأكيد على أنه اسمه «الجنس الشاذ».. لا المثلية. المثلية بداية طريق، بدأه لوبى «اللهم احفظنا» حول العالم من العام 2000 لتغيير مفهوم العلاقات الشاذة فى ذهنية المجتمعات، بالإشارة إلى أنها «مجرد نوع من العلاقات». 

الفكرة جهنمية، اعتبرت أن البدء بتغيير «اللفظ» خطوة أساسية ومبدئية، وصولًا إلى تغيير الانطباع الاجتماعى عن «المضمون». 

هذا أول فخ. فى مجتمعاتنا، وقع بعضنا فى الفخ، واستخدم لفظ «المثلية» فى حملات الهجوم على «الشذوذ». 

غياب وصف «الشذوذ» عن الجنس غير السوى، واستبداله بلفظ المثلية أول الهوان.. وأول الوهن. 

(2)

الشذوذ فى اللغة هو الخارج عن المألوف.. أو الخارج عن المعتاد.. أو الخارج عن الطبيعى. 

فى الفلسفة القديمة، بدأت نظريات الجمال تتبنى توصيفات أولها أن معيار جمال الأنثى فى قدرتها على جذب التفات الذكور. فى نفس النظريات القديمة، استقر اليونان القدماء على أن «ذكورة الرجل» فى قدرته على ممارسة وظيفته، بدءًا من الدفاع عن القبيلة بالقوى البدنية، وانتهاء بقدراته فى إنجاب أطفال أصحاء. 

الفكرة قديمة.. والنظرية أيضًا قديمة، لكن استهدفت علوم الفلسفة، نظرياتها فى الجمال، والبحث عن الحقيقة فى الكون.. لعدة أهداف أولها بقاء النوع الإنسانى على الأرض، بنظام اجتماعى وأخلاقى.. وصولا إلى ما أسموه اليونان القدماء الحق والخير والجمال.  

الحقوق ليست نسبية، ولا الخير، ولا الحق. الفضائل الثلاث «مطلقات». والمطلقات لا ثمن لها، ولا اختلاف فيها أو عليها. 

لا خلاف على عدم جواز الاعتداء على الملكية، ولا اختلاف على عدم جواز الاعتداء البدنى على آخر. 

لا خلاف على عدم مشروعية الاعتداء على ملكية آخر، كما أنه لا خلاف على عدم جواز خيانة الوطن، وإفشاء أسرار القبيلة للأعداء. 

إبقاء الإنسان على قيد الحياة حق، لا خلاف فيه ولا نسبية، لأن بقاء الإنسانية مصانة محفوظة سليمة سالمة فضيلة. 

فى فترات الاضطرابات الاجتماعية، تختلط المطلقات بالنسبيات.. فتخرج البلوى، وتظهر الكوارث. 

بعد الحرب العالمية الثانية، اضطربت المجتمعات الأوروبية، وكانت أولى المراحل التاريخية الحديثة فى تماهى واضح بين المطلقات والنسبيات. 

وبعد الهزيمة فى حرب فيتنام، ارتج المجتمع الأمريكى رجة شديدة أثرت على المجتمع وعلى التفكير وعلى الوعى الجمعى للشباب، فكانت مرحلة أخرى من رفض المطلقات.. اعتدادا بـ «نسبية الأخلاق». 

صحيح المعايير الأخلاقية فى المجتمعات تختلف حسب الظروف، لكن تظل المطلقات نقاطًا ثابتة على مر التاريخ الإنسانى. 

هل تستطيع أن تقول إن «الاعتداء على آخر نسبى؟». هل ممكن لسبب من الأسباب، وبحجة الحرية، وبدعوى الممارسة الشخصية، تبرير الاعتداء على ممتلكات المجتمع.. بدعوى الحرية الشخصية؟

هل للحق ثمن نسبى معروف يقدر حسب الوقت وحسب الظروف؟. هل يمكن شراء الجمال وفق سعر السوق؟ هل يخضع الخير للوزن النسبى لزمن ما.. أو فى مجتمع له ثقافة مختلفة؟

تغيير لفظ «الشذوذ» لـ «المثلية» محاولات مدروسة، لتغيير فكر إنسانى فطرى فى الذهنية الجمعية العالمية.. لمصالح أقلية! 

(3)

أعلنت ديزنى قبل أيام باسم الحريات، أن بطولة فيلمها الأخير «أون وورد» لشخصية شاذة. اعترضت دول كثيرة حول العالم على عرض الفيلم ومنعته، ردت ديزنى بمنع تصدير باقى الأفلام «ذات الشخصيات الطبيعية» عن تلك الدول.

يعنى حرية فى التوجيه.. دون منح أحد حق نفس الحرية فى الرفض!. 

قبل عرض فيلم «فروزين 2» الشهير العام قبل الماضى، أعلنت ديزنى أن فروزين الفتاة التي أحبها أطفال العالم كله اختارت فى الفيلم أن تكون «شاذة»!. 

لما قامت الدنيا، وانقلبت دول كثيرة فى العالم، وتقلبت مجتمعات كثيرة على ظهر الكوكب على جمر خوفًا على الأطفال ورفضت الفيلم. ردت ديزنى بعقوبات، ومنعت تجديد عقود الكارتون الشهير « توم وجيرى» بشخصياته السوية.. عن كل من رفض «فروزين» الشاذة!

قوبلت الحرية كما تراها ديزنى.. بابتزاز تعمدته نفس الشركة، لكل من اعتبر أن له مطلق الحرية فى رفض معتقدات ديزنى.  بالمناسبة مرة أخرى.. الفارق كبير بين قبول اعتقاد الآخر.. وبين حق الآخر فى إجبارك على اعتناق أفكاره.

تواجه مجتمعاتنا الآن محاولات آخر يرى أنه حر فيما يرى، ويرى أيضًا أنه حر فى أن يجبرنا على أن نرى ما يرى.. وأن نعتبر ما يعتبر.. وأن نعتقد ما يعتقد. 

 كارثة!

المجتمعات الشرقية مجتمعات حضارة. نشأت القيمة والفضيلة فى مجتمعات الحضارة، وفق نظرة فلسفية إنسانية على مر آلاف السنين. بحث اليونان والمصريون القدماء والصينيون فى مدى حرية الإنسان، وحدود تلك الحرية.. فى مواجهة الآخر واستقروا على مفهوم الفضائل منذ آلاف السنين. 

نشأت نظريات «العيب» فى مجتمعات الحضارة. والعيب فى مجتمعات الحضارة ليس مفروضًا على أفرادها، إنما تستطيع أن تقول إنه «تكوين نفسى اجتماعى» ينطلق من اعتقاد ويقين عام بالسعى إلى تحقيق الفضائل والقيم، ورفض ما يُخالف الفضائل والقيم. 

منذ العام 2000 دخل لوبى «الشواذ جنسيًا» العالمى وبدأ فى التسرسب إلى مجتمعات الفضائل والقيم، بأحكام إدانة لأفكار ومجتمعات الفضائل والقيم!. 

جروجيو أرمانى صاحب دار الأزياء الشهير أعلن فى 2000 أنه «شاذ جنسيًا»، وأعلنت دار أزيائه أنه ضخ أكثر من 300 مليار دولار فى نفس العام، لدعم مؤتمرات الشواذ حول العالم، خصوصا يوم «الشذوذ» فى المانيا!.

فى واحد من تصريحاته النارية، وصف أرمانى المعترضين على رجولة «الشواذ» بالغوغائيين الرجعيين. قال: إن الحرية تُتيح لكل من يريد.. أن يريد!.

فى العام 2002 بدأت دار أزياء أرمانى تُعانى من تراجع مبيعاتها، بعد عداء أرمانى غير المبرر لمجتمعات الفضائل رافضى الشذوذ. فردت شركات أرمانى، وتحالفاتها من تحت لتحت، بشراء منتجات ماركات عالمية مشهورة، واحتكرت منتجاتها فى بعض بلدان العالم، على أن تُعيد ضخها فى الأسواق بشرط أن كل حصة من تلك المنتجات، لابد أن يقابلها شراء حصة من منتجات أرمانى!. 

دعا أرمانى للحريات، ثم عاد من تحت لتحت ولف ودار، ومارس الابتزاز، وإرغام الآخر على قبول ما يراه أرمانى حرية، حتى ولو رفضها الآخر!.

يمارس لوبى «اللهم احفظنا» حول العالم الابتزاز بامتياز. يطرح لوبى «اللهم احفظنا» أخلاق المخنثين باعتبارها معيارًا وحيدًا للحرية.. ومعيارًا أوحد للفضيلة!. 

كارثة!.