الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حواة فى الموالد.. وصناع مراجيح

راح فين أولاد الغجر؟!

على أطراف المحافظات
على أطراف المحافظات

غرباء.. هكذا عرفنا الغَجَر فى  مصر وكذلك عرفهم العالم فى أى مكان عاشوا فيه.



واختلفت المَراجع التاريخية حول أصل الغَجَر، لكن يقال إنهم  جاءوا من الهند، ثم انتشروا، بسبب  تعرُّض مناطقهم للغزوات وحروب عديدة وقعت تحديدًا فى جبال «هندكوش» وعلى سفح جبل « بامبر».

 

لمّا تفرّق الغَجَر وانقسموا إلى «الدومر» عاش معظمهم فى سوريا، والأردن، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، والعراق، وإيران، والهند، وتركيا، وأفغانستان.

وانقسم آخرون إلى «الرومن»، أو غَجَر أوروبا الشرقية كما يُطلق عليهم.

والغَجَر مجموعة من البَشر يعشقون العيش بعيدًا عن قيود المجتمع والقانون، وعليه فإنه من الصعب تصنيفهم كجماعاتٍ سياسيّةٍ  فهم لا يحلمون بوطن ولا موطن.

 

طقوس غريبة فى الأفراح
طقوس غريبة فى الأفراح

 

وعرفنا الغَجَر فى مصر، على أطراف المحافظات وفى بعض القرى بالأقاليم.

وترجع بداية وجود الغَجَر فى مصر إلى ما بين عامَى (1546 - 1549)، وقد اختاروا العزلة فاختارتهم، بعاداتهم الغريبة وطقوسهم المثيرة للجدل.

فى مصر عملت غالبية نسائهم فى الموالد وفى قراءة الكف والطالع، وفى البيوت كخادمات، أمّا الرجال فعملوا فى صناعة الخردة والمراجيح  وتدريب القرود والحواة.

بداية ظهورهم فى مصر كانت فى قرى الصعيد النائية وأطرافها الحدودية، وظلوا غرباء فى أرض المحروسة لما بدر منهم من عادات وتقاليد لا تتناسب والمجتمع المصرى آنذاك.

فى الروايات الشعبية والقصص وفى التراث عُرف الغَجَر بأسماء أبرزها الهنجرانية والتتر والمساليب، وعرفنا منهم فى مصر الغَجَر والحلب والنور.

 

هنجرانية ومساليب.. وأشهرهم «النور»
هنجرانية ومساليب.. وأشهرهم «النور»

 

كما عهدهم لا يستقرون فى مكان واحد لفترة طويلة، ولعل هذا يرجع إمّا إلى طبيعة ما احترفوه من حرَف، وإمّا لما يتعرضون له من شكوك اجتماعية ورفض وصفهم غرباء رغم مرور أكثر من نصف قرن على وجودهم فى مصر.

ليس هناك إحصاءات رسمية بشأن أعدادهم الحقيقية؛ خصوصًا أن الكثير منهم يتنصل من أصوله هربًا من المضايقات، الأمر الذى يجعل من تقديم رقم محدد دال على أعدادهم على أرض الواقع- خصوصًا الآن- غير موضوعى، لكن كل المؤشرات تذهب إلى أن الأعداد تتجاوز عشرات الآلاف.

يميل الغَجَر لسكن المناطق المتطرفة والنائية والقرى والصحارى، كونها بعيدة عن المدن والأماكن المكتظة بالسكان، ما يقلل من احتكاكهم ببقية أطياف الشعب، لكن أبرز أماكن تمركزهم كانت كفر الغَجَر بالشرقية وقرى طهواى بالدقهلية، وحوش الغَجَر بجوار سور مَجرَى العيون بمصر القديمة وجبل المقطم ومنشية ناصر بمحافظة القاهرة.

محافظة الدقهلية حسب أرقام قديمة عاش بها نحو 4 آلاف سكنوا القرى الحدودية مع الشرقية ودمياط، وأغلبهم كانوا من المتنقلين الذين يسكنون الخيام لا منازل ثابتة.

وفى المقابل، ليس كل الغَجَر مشردين هكذا، لكن منهم من نجح فى الانخراط بالمجتمع ممتهنًا العديد من المهن التى يصنفها المجتمع «محترمة»، وكثير منهم خلع عباءة الانتماء، وبدأ حياته العادية بين المصريين.

ويرجَّح أن الغَجَر جاءوا إلى مصر من القسطنطينية أيام الدولة العثمانية فى أكبر موجة لهم، وشكلت قبائلهم الثلاث «التباتية، السرونية، الهويدات» أكثر من سكن فى صعيد مصر، بينما عاش «النور» فى الوجه البحرى ومعروف عنهم أنهم أغنى الغَجَر إضافة إلى شهرتهم بالاحتيال والسرقة.

حسب الروايات عن أدبيات الغَجَر أنهم لا يعتبرون السرقة جريمة ولكنها مهنة لها قواعد وأصول، مبررين ذلك أن الكون وما فيه ملك لله وحده وليس للبشر، وعلاقة الجماعات الغَجَرية ببعضها فى مصر علاقة يشوبها بعض الخلافات وليس الود كما هو متعارَف عليه.

 

 

 

مارس الغَجَر عبر السنوات عددًا من الحرَف، منها تجارة الخردة، وصناعة المراجيح، وتصليح الأقفال، إضافة إلى احترافهم ألعاب السيرك، وترويض الخيول، وتشتهر نساؤهم بأعمال السحر وقراءة الطالع ومنهن الراقصات والوشامات (صانعات الوشم على الجسد).

بقايا أولاد قبائل الغَجَر فى مصر الآن يتمركزون فى مناطق حوش الغَجَر بالقاهرة، وأبو النمرس  ومنشية ناصر، وفى الدقهلية بقرية طهواى، وفى الإسكندرية وكفر الشيخ يتمركزون فى الحامول وسيدى سالم  وقرية سد خميس وفى بنها تعرف مساكن الغَجَر بـ «بيوت الموالح».

عادات متوارثة 

يعتقد الغَجَر فى مجموعة من العادات والتقاليد الغريبة، بعضها يتعارَض مع القانون والعُرف، فى كل ما يستوطنوه من بلدان، أبرزها الامتناع عن الزواج من غير الغَجَر، فالفتاة أو الشاب ممنوع من الزواج من خارج القبيلة وإلا يلقى عقابًا شديدًا.

البعض يفسر هذا بإحساس الغَجَر التاريخى أنهم مرفوضون دائمًا من المجتمعات، ومهمّشون بصورة كبيرة، ما دفعهم للرد بمشاعر كراهية مضادة، رافضين الانخراط فى المجتمعات مَهما عاشوا فيها سواء صهرًا أو نَسَبًا.

ومن غرائبهم أن الزوج لا يدخل على زوجته إلا بعد 40 يومًا من إعلان الزفاف، تكون العلاقة فيها تحت الاختبار، حتى يتعود كل طرف على الآخر، فإن سارت الأمور بشكل طبيعى وبدأ التآلف كان بها.. وإلا فالانفصال هو الحل.

ويحدد المَهر حسب مهارات الفتاة فى الرقص والسرقة والعمل وخلافه، وكلما زادت مهارات العروس زاد مهرها الذى يكون غالبًا قطعًا ذهبية، وكلما زادت عدد تلك القطع تبارت الفتاة بما لديها من إمكانات ومهارات ربما لا تتمتع بها غيرها.

وينحصر التقاضى عندهم فى المجالس العُرفية، فلكل قبيلة كبارُها، وأى مسألة أو خلاف يتم حله وفق قرارات المجلس العُرفى (يسمى مجلس المغارم) الذى يلتزم بقراراته وأحكامه الجميع.

وفى حال عدم وصول المجلس العُرفى بنتيجة مُرضية للجميع يكون اللجوء إلى ما يُعرف بـ«البشعة» وهى السكينة المعدنية التى يتم تسخينها ثم توضع على لسان المشكوك المتهم، فإن كان بريئًا نزلت السكين على لسانه بردًا وسلامًا، أمّا إن كان مذنبًا فتشوى لسانه وتثبت التهمة عليه.

 

خريطة تتضاءل مع الزمن
خريطة تتضاءل مع الزمن

 

غرائب الغَجَر فى طقوس الجنازات أيضًا؛ حيث يمر جثمان المتوفى على حيوان مذبوح لإطعام الأهالى وبعدها يدفن فى رمال الصحراء ويقوم كبيرهم  بحرق عربته أو بناء خيمة وتدميرها وعادة ما يكون الكفن واسعًا وكبيرًا لوضع متعلقات المتوفى معه.

أمّا المرأة فيدفن معها ذهبُها إلا فى حالة أن يكون لها بنات من عرقها الغَجَرى الصافى ليورثها.

معتقداتهم الدينية 

دين الغَجَر يظل موضع اهتمام والتساؤلات بشكل دائم وعدد كبير يشيع أنهم «لا دينيين»، حاربتهم الكنائس فى أوروبا فى العصور الوسطى.

لكن بصرف النظر عن ما يشاع فإن الغَجَريين الأقدم يؤمنون بالله ويؤمنون بالأرواح والعفاريت ويكنون للشمس والقمر والنجوم مَحبة وقدسية خاصة ولها عدد من الطقوس ولكن بعد اندماج الغَجَر فى الدول المختلفة أصبحوا يدينون بنفس دين مجتمعهم مع التحفظ الكبير تجاه شكل تديّنهم، فهم يقبلون أديان مجتمعاتهم عن طيب خاطر ولكن لا يعتنقونه بشكل كامل، فلا يزال الغَجَرى يحتفظ بالعديد من الطقوس والشعائر التى ورثها عبر السنين والتى تعود إلى ديانات غير سماوية أو أساطير.

فهم يرون أن الإنسان على الأرض جاء من الجد الأكبر وهو «كين» أول غجرى قتل أخاه لذلك كان عقابه التشرد والهيام فى الأرض، وهو تأويل يتفق مع قصة قابيل وهابيل، بينما يعتقد آخرون أن «كين» كان فى قدرته الدفاع عن المسيح وقت الصلب لكنه ثمل بسبب الخمر ولم يدافع فتعرّض للتشرد وعدم الاستقرار.

وزير مالية البيت

المرأة عند الغَجَر هى العمود الفقرى للعائلة والمسئول الأول عن استمرارها وبقائها، فهى رب البيت ووزير ماليته، وعليها تقع مسئولية العمل وجلب المال والإنفاق، هذا فى الوقت الذى ربما يكون فيه الرجال فى البيوت بلا عمل، لذا تحب العائلات هناك إنجاب البنات أكثر من الذكور.

وتحترف الغالبية العظمى من نساء الغَجَر، صناعة الخزف والحرَف اليدوية، أمّا من تحترف السرقة فتسمى «قصاصة»، أمّا الغناء والرقص فى الموالد فتقوم به «الربابة» كما يسمونها.

ووفق أعراف الغَجَر، هناك قواعد تحكم السرقة بين الغَجَريات أولها عدم جواز سرقة غجرية لغجرية أخرى، وعدم سرقة الفقراء والمحتاجين، وتجنب إيذاء كبار السّن والعجزة، خلال السرقة، وفى حال المخالفة فتعرض الغَجَرية للعقوبات من مجلس المغارم الخاص.