الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنيس منصور عريس رغم أنفه!

أنيس منصور عريس رغم أنفه!

«فوجئت أكثر من مرة بأن لى زوجة، وأن لى خطيبة، وأن لى عددا من الأولاد، وأننى اختلفت مع زوجتى وأنها تعيش مرة فى الإسكندرية ومرة فى باريس، وأن زواجى لا يدوم إلا شهورًا معدودة! ولا أعرف منطق الشائعات هذه، فمرة أتزوج وبعد ذلك أقدم الشبكة، ومرة أقدم الشبكة وأختلف مع العروس على نفقات الأولاد»!



السطور السابقة هى مقدمة مقال قديم لكاتبنا الكبير الأستاذ «أنيس منصور» وعنوانه «جعلونى عريسًا»، وهو أحد فصول كتابه الممتع «ألوان من الحب»، ويحكى الأستاذ «أنيس منصور» عشرات الموقف الطويلة بسبب شائعات زواجه فيقول:

حدث عندما كنت أعمل بجريدة الأهرام أن عدت إلى البيت فى ساعة مبكرة، ووجدت أمى ضاحكة زيادة عن اللزوم ولاحظت أن دعواتها قد تضاعفت، فهى تطلب من الله أن يعطينى كل السعادة التى عنده ونصف المال والجمال والشباب الذى يعيش به العالم كله!

وطلبت من أمى أن تعد لى حقيبة بها بعض الملابس لأننى سأسافر إلى الإسكندرية لمدة يومين وأعود بعدها إلى القاهرة، ولكنى أمى على غير عادتها سألتنى:

- ولكن يا ابنى هذه الملابس لا تليق!

فلم أفهم شيئًا وعادت تقول: الشر بعيد عنك يا ابنى هى العروسة مش بنت بنوت ولا إيه؟!

وبعد مناقشات طويلة، انتهت بأن اعتذرت لأمى عن ارتفاع صوتى وغضبى، وتبينت أن زملائى فى جريدة الأهرام قد تحدثوا إليها تليفونيا وأخبروها أننی تزوجت سرا وغضبت أمى لأننى حققت أعز أمانيها دون أن تعلم، وغضبت أنا لأن هذا الزواج قد تم سرًا، ولم أفهم لماذا أتزوج سرا، فأنا لا أخاف أحدًا من أهلى أو من الناس!

 

وحكاية أخرى جرت وقائعها كالتالى كما يرويها الأستاذ «أنيس منصور»:

«اشتغلت بالتدريس فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، وكانت هناك شائعات خطبة وشبكة زواج وغرام تبلغ ضعف عدد الطالبات فى الكلية، وأنا أعتقد أن أحسن مجموعة من الطالبات رأيتها فى حياتى كانت فى هذه الكلية، وكنت أجلس مع الطالبات وأتحدث إليهن فى مشاكل كثيرة، وأعتقد أن هذا واجب.

وكنت أسمع الشائعات ولا أشجعها ولا أهتم بها، ولكننی لا أتوقف عن الجلوس إلى الطلبة والطالبات، وأضحك وأمرح بلا تكليف وبلا عقد نفسية!

وفى يوم جاءنى أحد الطلبة وروى لى أن هناك شائعة قوية جدًا، ولم أفهم معنى قوية جدًا هذه، تقول إننى خطبت فعلاً الآنسة «فلانة الفلانية»، وأن زملائى من المدرسين يروون هذه الشائعة على أنها حقيقة، واسم هذه الطالبة جديد تماما، وهى تلميذة فى قسم آخر من الكلية، وغير القسم الذی أتولى التدريس فيه!

ودهشت لهذه الشائعة التى لا أساس لها، وقررت أن أبحث عن هذه الطالبة المسكينة المظلومة، وأخيرًا وجدت الطالبة المسكينة المظلومة، وجدت المرشحة للزواج أو للعذاب، إنها فتاة مؤدبة مهذبة، ولكن هذه الشائعة خبيثة الغرض، فهى فتاة متواضعة الشكل جدًا، متواضعة التفكير جدًا، بل متواضعة الأنوثة أيضًا!

 

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

 

 

وتركت هذه الشائعة تمشى على رجلين ويدين وبألف لسان!

ويمضى «أنيس منصور» فيقول: «ولسبب لم أكن أعرفه امتلأت دار أخبار اليوم بشائعة صارخة هی أننى تزوجت سرًا أيضًا، ولكن لا يخفى سر من الأسرار على الصحفيين!

وأنا مهما حاولت أن أكون صحفيًا، فهناك من هو أبرع منى! وتقول الشائعة إن هذه السيدة قوية الشخصية، وأننى تضاءلت إلى جوارها، وأن هذه السيدة زوجتى قد جمعت كل «الشناكل» التى فى السوق لكى تجعلنى ألعب عليها فى البيت!

وظللت أعلل هذه الظاهرة، فلم أصل إلى نتيجة، ما هى هذه الأعراض التى تظهر على وجهى أو على تفكيرى وتدل على أننى متزوج ولى أولاد؟!

رحت أتطلع إلى وجوه المتزوجين، لم أجد شيئا يميزهم عنى أو يميزنى عنهم سوى الخواتم الذهبية شمالاً وسوى حرصهم على عدم السهر خارج البيت! وسوى خوفهم من تناول الطعام خارج البيت، وشىء آخر يمكن أن أسميه «جبنًا» أمام المخاطرات والمغامرات»!

وينتقل «أنيس منصور» إلى قصة أغرب وأعجب فيقول:

«وفى يوم عدت إلى البيت وفوجئت بأن إحدى جاراتنا تخرج من غرفة نومى ضاحكة وتتحدث إلى والدتى، فلم تكد ترانى حتى مضت تقول:

 

الكاتب أنيس منصور
الكاتب أنيس منصور

 

 

- يا أختى أنا مش عارفة بنات اليومين دول! واحدة طلبتك عشرين مرة وفى كل مرة تسأل مين أنا، ولما غلبت خالص قلت لها: إننى الست بتاعته!

إذن هذه هى الست بتاعتى»!

ومن حكايات أنيس أيضًا حول شائعات زواجه هذه الحكاية:

«جاءنى صديقى ودعانى لزيارته فى البيت وقال إن والدته تريد أن ترانى وأن أخته التلميذة فى كلية الآداب تريد أن ترانى أيضًا وسألنى: متى تزورنا؟!

فقلت: قريبًا، فقال: لابد أن تزورنا فعندنا لك مفاجأة كبرى.. لن أرويها بنفسى إنما ستحدثك عنها أمى وأختى معًا!

وذهبت مع بعض زملائى إلى بيت الصديق وهناك قالت السيدة والدته:

- اسكت يا أستاذ، عندنا عروسة رائعة الجمال والمال، أجمل فتاة فى مصر الجديدة ثقافة إيه وجمال إيه وقوام إيه.. وسيارة كاديلاك.. وفيللا وأبوها إيه وأمها إيه.. إنها تستحق مَنْ هو مثلك!

ولم أفهم طبعًا ماذا تقصد هذه السيدة الطيبة بعبارة: «مَنْ هو مثلك».

وحاولت أن أعرف رأى هؤلاء الناس الطيبين فى شخصى، ما رأيهم فى رجل مثلى يعيش على فوهة بركان.. بركان فی عمله وفى قلبه! وفى بيته وفى حياته، «إنه يسير كما تنطلق الطائرات النفاثة، ينطلق بالاحتراق المتواصل، إن كريات دمه البيضاء تحترق وتتحول إلى كريات حمراء، والحمراء تحترق وتتحول إلى حبر أسود»!

وفهمت أن رأيهم فى شخصى هو أننى أكسب مئات الجنيهات، وأننى لا أنفق منها إلا أربعين أو خمسين جنيهًا، فأين تذهب بقية هذه المئات؟! لابد أنها تذهب إلى البنوك!

إذن فأنا من أصحاب ألوف الجنيهات، وأنا شاب تجاوز الثلاثين قليلاً وأعمل فی الصحافة منذ عشر سنوات، فهذه الفتاة التى ترفض شابًا مثلى إنما ترفض المال والشباب والشهرة ومكتبة بها ثلاثة آلاف كتاب!

والله يعلم أن هذا الرأى ليس صحيحًا، وأننى أتمنى أن أكون ذلك الإنسان ولا أدرى كيف أحقق هذه الصورة الجميلة!

وأفهمت صديقى ووالدته وأخته أن الحياة الزوجية علاقة محترمة مقدسة وأنه يصعب جدًا على مثلى أن يكون ذلك المخلص، ذلك المؤمن بقدسيتها، وأن فى حياتى مشاكل كثيرة، وأن أحدًا من أصدقائى لا يعرفها! فأنا كالقطة أحمل متاعبى بين أسنانى، وكثيرًا ما ابتلعت هذه المتاعب كما تفعل القطة أيضًا! وأننى أجعل من قلبى مقبرة لمشاكلى لكى أوفر على أصدقائى مشقة تعزيتى فى متاعبى والسير فى جنازتها إلى مستقرها الأخير!

وفى يوم زارنى هذا الصديق وقال لى: أنا سأقول لك من هى هذه العروس إنها الآنسة «... ».

فقلت: أنا أعرفها، لم أرها، ولكن سمعت عنها، إنها جميلة وأنها مخطوبة لرجل كان زميلى فى المدرسة ومن بلدتنا المنصورة، وأنا أعتقد أنكم تحبوننى وتكرهون هذه الفتاة.. إن فتاة كما تقولون تلقى بها الظروف فى حياة قلقة معقدة حزينة كحياتى هى مسكينة ولو كان أبوها هو الخواجة كاديلاك شخصيًا!

وعاد الصديق يقول: والله عندنا فتاة سمراء.. وأنت تحب السمراوات وبجوارنا أسرة الطالبة فيها خمس بنات، إشارة واحدة من إصبعك فإذا الفتيات الخمس يقبلن نحوك وقد ترتبن حسب الحروف الأبجدية!

ودارت رأسى مرة أخرى وقلت له: يا صديقى العزيز.. أنا أريد أن أعرف هل شكلى يضايقك؟ هل ارتكبت جريمة أستحق عليها هذا العقاب؟! هل قمت بعمل جليل أستحق عليه هذه المكافأة؟! هل أنا إنسان قبيح الصورة وفى حاجة إلى النصف الحلو لتكتمل صورتی؟! هل فرغت جميع مشاكلى فلم تبق إلا مشكلة الزواج هذه؟! إنك لا تعرف شيئًا!

ثم سكت صديقى قليلا وقال: يا أخى هل صحيح أنك تزوجت فتاة من أصل مصرى لبنانية واسمها «...»؟

ولم أعرف ماذا أقول، لم أعد أفاجأ بأخبار الزواج هذه!

وعدت إلى القاهرة وسبقتنى الشائعات، تقول إننى متزوج ولى طفل صغير وأننى اختلفت مع زوجتى وسبب الخلاف أنها علمت بحياتى فى القاهرة وقررت الزوجة ألا تعاشر صحفيا لا يرعى قدسية الحياة الزوجية! وأنها تنصح كل فتاة ألا تتزوج رجلا مثلى جعل شعاره أن هناك ثلاثة أشياء تمنعنى من الزواج:

- فتيات مكابدات، وزوجات خائنات، وأرامل مرحات!

وماتت الشائعة، كأنها طفل، ولد قبل الأوان، ومنها خرجت شائعات أخرى! 

انتهت حكايات أنيس منصور الطريفة عن شائعات زواجه، لكن تبقى متعة القراءة، وبساطة الأسلوب، وقدرته الهائلة على تحويل أى موقف شخصى فى حياته إلى موضوع أو مقال يسارع بكتابته ونشره!

بجد أفتقد كتاباته ومقالاته فى الأهرام والشرق الأوسط وغيرهما من المطبوعات، رحمه الله.