الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جاء فجرًا

كان صوت قدومه أقوى من كل شىء، وها هى هائمة على وجهها  لا تعرف إلى أين الطريق؟ ظلام الليل بَدّدَ كل الأمان الموجود بالقلب، ورغم ذلك كان هو أيضًا ستر هذه الصبية. فرَدَ جناحَيْه منذ ساعات قليلة وكانت عيناها اللاجئتان تكتمان سرًا عظيمًا والدموع المتساقطة  تحكى عن  ألم يمزق أقوى القلوب  الناظرة. وتأمَل فى هذا الكائن الصلب القادم من الخلف كى يخطفها ويرحل بعيدًا بعيدًا عن عيون الناظرين، جاءها حاملاً معه كل الأمانى الحزينة  فألقت على هذا الجامد الصلب ألمَها وأوجاعها  ليأخذها ويرحل.



رمت نفسَها على المقعد الخشبى  تخطط  لاغتيال البراءة  وإلى جوارها سيدة عجوز تحمل حكمة الزمان الغابر. وضعت يديها على الصبية وضمتهما إلى صدرها وغابت الصبية عن الوعى تمامًا، جاء الصوت الرقيق اللين  والتى لا تعرف مصدره، لكنها شعرت بلكزات بأجنابها، والصوت يقول: أرجوك سيدتى لا تطردينى حتى أكمل أيامى، دعينى، وثقت أنى غير مرغوب فى، و لكن ما هو ذنبى؟ 

لم أكن هنا بإرادتى  فلولاكِ ما كنت أنا، تحت أستار الظلام صنعت هكذا أراد الرب أن أكون،  فليس لى سوى السكون. أعدك أيتها الفتاة الجميلة  ذات الوجه  الملائكى، لن أجلس معك كثيرًا ولا لحظة واحدة ، فلو أردتِ ألقينى  فى هذا النهر الجارى أو تحت سفح جبل عالٍ  أو حتفًا للهلاك لا أبالى  فهناك من يرعانى. أنا لا أخاف عندما يكون لى الأمر، وسوف أحتويك كما  أنت الآن تحتوينى. فلماذا تريدين الآن قتلى؟ 

أعدك يا عزيزتى ومهجة فؤادى لن أحزن إن وُجدتُ فى الدنيا وحيدًا، لماذا أنتِ حائرة تطرقين أبوابًا موصدة؟، أتريدين نزع العار عنك وأى عار؟  أهو أنا؟  ما هو جرمى؟  وما هو ذنبى؟ 

أبدًا ما كنت أكرهك. عدينى يوم أن تلدينى  على ذراعيك أن تحملينى  وتضمينى و بأدفاء الأنفاس تحتوينى.

صفر قطار المحطة بعنف فذهب الصوت الهين وصرخ الطفل فى حضن أمّه يبكى يتحسَّس ثدى أمّه بأنامله الرقيقة. نظرت إليه بمشاعر ملتهبة ودموع جارية مسحتها يداه الصغيرتان وإلى جوارها أمّها تمتدح جمال الصبى وزوجها يدخل ليطمئن عليه قائلاً لا يزال هناك أمل.