الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ذكرى رحيل أمل دنقل

شاعر الرفض الذى أعاد قراءة التراث

ولد دنقل عام 1945 بقنا
ولد دنقل عام 1945 بقنا

فى 21 مايو عام 1983 فقد الوسط الثقافى شاعر صاحب تجربة متفردة وهو أمل دنقل الشاعر الذى تسلح بالكلمات فى مواجهة الحياة وقضاياها المُعقدة، غادر أمل الدنيا بعدما ترك لنا موروثا من الشعر غيّر ملامح الفكر والقصيدة والإبداع بوجه عام.



 

حكى أمل مرات إنه كان يتمنى أن يصبح قاصا أو روائيا  لكن حين واجه للمرة الأولى مشاعر تجربة عاطفية غير مكتملة كان الشعر أقرب له فى التعبير، وحين قرر كتابة الشعر لأول مرة قرأه معلمه ثم قال له من الخير لك أن تترك الشعر لإنك لن تصبح شاعرًا أبداً، فقرر أمل أن يصبح شاعرًا وينسخ دواوين الشعراء ويحفظ ألف بيت من الشعر ويكتب مرات حتى أدهش المعلم ذاته الذى رفضه أولاً.

 

 

 

ما جعل من تجربة أمل دنقل فى الشعر تجربة مختلفة كانت طريقته المتفردة فى النظر مرة أخرى للتراث العربى والإسلامى والمسيحى، فلدينا عدد كبير من الشعراء استلهموا التراث على حاله فى أشعارهم لكن أمل حاول تطويع هذا التراث فى خدمة ما يؤمن به من أفكار وقضايا.

يقول أمل دنقل «إن استلهام التراث ليس فقط ضرورة فنية ولكنه تربية للوجدان القومى أيضًا».

بدأ أمل استلهام الرمز التراثى عند حضوره من قريته فى أقصى الجنوب إلى القاهرة واكتشافه أن عددا من الكتاب والشعراء قد تم اعتقالهم، وعلى حد قوله لم يكن ممكناً التعبير عن هذه الصدمة بشكل مباشر كباقى الظواهر الاجتماعية لذلك اهتدى لضرورة وجود رمز.

كان أمل دنقل مولعاً بالتراث العربى والسير الشعبية والأساطير؛ ساعده فى ذلك تربيته الثقافية ومنزل والده العالم الأزهرى الذى أمتلك مكتبة كبيرة ضمت كتب الشعر والأدب. ولم يكن فقط يحب التراث العربى لكنه أيضًا كان منظراً وباحثاً فى بعض موضوعاته وهو ما أضفى على تجربته الشعرية فيما بعد الانتقاء الواعى والتوظيف المُبتكر.

 

بين الأصدقاء
بين الأصدقاء

 

كان يعلم أن الإنسان - كل إنسان - يرتبط بتاريخه فكانت البادرة حول استخدام هذا التاريخ بشكل فنى للحديث فى قضايا العصر، وكان لأمل وجهة نظر فى التركيز على القصص العربية بشكل محدد بسبب الاغتراب الذى رصده حيال توظيف الميثولوجيا اليونانية مثلاً بالنسبة للمواطن العربى،كذلك رأى أن المصريين بشكل خاص لم ينغمسوا فى تاريخهم وتراثهم المصرى القديم بقدر تعلقهم بالتراث العربى لأسباب دينية؛ من هنا أراد أمل أن يعبر عن قضاياه وأن يصل إلى الجماهير العربية من خلال أبطال يعرفونهم بالفعل.

كتب أمل دنقل معظم قصائد ديوان «زرقاء اليمامة» قبل وأثناء نكسة 1967 ونشره بعدها بعامين وكان معبراً عن رفضه وحزنه وتمرده على الأوضاع السياسية وقتها، وضم ديوانه 20 قصيدة كانت أبرزها «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة – كلمات سبارتكوس الأخيرة – الأرض والجرح الذى لا ينفتح»

«قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ..

فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !

قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار..

فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار!»

استلهم أمل القصة العربية الشهيرة التى تحدثت عن امرأة ذات عيون زرقاء بصرها حاد والتى أخبرت قبيلتها بأنها ترى على بعد أشجار تمشى،فضحكوا عليها واستهزأوا بها حتى فاجأهم العدو فى مقتل واتضح أنهم تخفوا فى شكل الأشجار بالفعل وصدقت نبوءة زرقاء اليمامة.

كانت زرقاء اليمامة استلهاما تراثيا قديما وإسقاطا معاصرا على ماحدث من كارثة بسبب النكسة وحال المقاتل العربى والدفع به دون إرداة أو أمل وكما ذكر كانت صرخة وجدانية أكثر منها تحليلاً فكرياً بينما تأتى قصائده «الأرض والجرح الذى لا ينفتح وحديث خاص مع أبى موسى الأشعري» بداية سيادة التاريخ العربى فى قصائد أمل دنقل.

 

استلهم دنقل من السير الشعبية أعمالاً شهيرة
استلهم دنقل من السير الشعبية أعمالاً شهيرة

 

كذلك فى قصيدة « من مذكرات المتنبي» ارتدى أمل قناع المتنبى نفسه وأعطى لهذه الشخصية التراثية فكره ووعيه وشخصيته وتكلم هو معبراً عن روح الأحداث واختار المتنبى بسبب تشابه تجربتهما فالمتنبى كان من الشعراء القلائل الذين امتلكوا رؤية فذة كانت فى الوقت نفسه قضية، والقصيدة كانت تمثل خط الوصل بين ماضى العرب وحاضرهم.

وفى أقوال جديدة عن حرب البسوس الذى ضم أشهر قصيدتين له وهما «مقتل كليب» و«لا تصالح» وهى التى منحت دنقل لقب شاعر الرفض، ففيها يقول:

لا تصالح ولو منحوك الذهب

لا تصالح ولو قيل رأس برأس

لا تصالح على الدم حتى بدم

لا تصالح ولو حرمتك الرقاد صرخات الندامة.

وفى ديوانه «أقوال جديدة» وظف أمل القصة التراثية لمقتل «كليب» إزاء حرب البسوس التى نشبت لمدة 40 عاما  بين تغلب وبكر بن وائل وهما أبناء عمومة، وكذلك الانتقام الذى سعى إليه «الزير سالم» وهو الدم، فى إسقاطه حول رفضه للسلام بعد 1973 حيث مثلت القصة الصراع على الأرض العربية وحال العرب.

 

مع زوجته عبلة الروينى فى الفيوم 1979
مع زوجته عبلة الروينى فى الفيوم 1979

 

 

أعاد أمل دنقل قراءة التراث العربى بشكل جديد وبرؤية معاصرة لأحداث الواقع، واستلهم عددا لا نهائيا من الشخصيات التى لها صدى وشعبية فى نفوس العرب مثل صلاح الدين الأيوبى وكذلك أعاد استلهام النصوص الدينية بشكل جديد ويتضح ذلك بشكل كبير فى «العهد الاتي»، وهى أنضج تجاربه الشعرية بشكل جديد وبأسقاط واقعى،كذلك نرى باقى قصائد الديوان بأسماء الأسفار الإنجيلية فى العهد القديم مثل (التكوين والمزامير).