الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماذا تضيف نيللى كريم لـ {الأحوال الشخصية}؟

مشهد من فيلم أريد حلا
مشهد من فيلم أريد حلا

لا يزال الحديث عن تأثير الفن فى المجتمعات يُثير نقاشات الكتَّاب والمفكرين والجماهير على حد سواء، فالفنون بكل أشكالها وألوانها هى المحرك الرئيسى لوجدان الشعوب ومشاعرهم، كما تشكِّل ميولهم وأذواقهم، واتجاهاتهم النفسية بالأدوات المتنوعة والمؤثرة، وليست فقط نوعًا من الترفيه كما يعتقد البعض، فالصورة النمطية المتداولة عن السينما والدراما تتلخص فى الترفيه وما تحققه الأعمال من إيرادات ومشاهدات، رغم أن هناك أهدافًا أخرى أسمى وأهم فى كثير من الأعمال، تكمن فى خلق الوعى وبعث الفكر فى حياة الإنسان، لذلك تمكنت السينما والدراما الحقيقية المهتمة بمعاناة المجتمع من تغيير بعض القوانين، وساهمت فى توجيه الأنظار بقوة تجاه إجراءات شائكة، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الأسرة.



خلال موسم رمضان 2022، أعاد مسلسل «فاتن أمل حربى» الذى كتبه إبراهيم عيسى وأخرجه محمد جمال العدل، وقامت ببطولته نيللى كريم وشريف سلامة ومحمد الشرنوبى، فتح قضية تعثّر سُبل التقاضى أمام النساء فى أزمات الطلاق وحضانة الأطفال بسبب قانون الأحوال الشخصية، فقد تناول العمل العديد من القضايا مثل العنف الزوجى والطلاق والنفقة وسكن الزوجية والولاية التعليمية على الأبناء وحق الرؤية، الأمر الذى جعله يحصد تفاعلاً كبيرًا من المؤسسات المعنية بحقوق المرأة، خاصة المجلس القومى للمرأة، ولم يختلف الأمر بالنسبة للشيوخ والمؤسسات الدينية، سواء دار الإفتاء المصرية أو الأزهر الشريف، لكن تباينت الآراء فيما بينهم بين داعم للمرأة وبين رافض لطريقة تناول بعض القضايا الدينية فى المسلسل.

لكن بعد أيام من انتهاء الموسم الرمضانى، فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسى الجميع بمداخلة هاتفية عبر إحدى القنوات، قال فيها نصًا: «المرأة مظلومة ولا بد من وجود قانون أحوال شخصية عادل، لذلك أدعو كل من هو معنى بشكل أو بآخر بقانون الأحوال الشخصية مثل الأزهر والبرلمان والحكومة لصياغة قانون متزن». تعليق الرئيس الذى تزامن مع جدل المسلسل فتح باب الأمل على مصراعيه تجاه الإنصاف بحق المرأة، وأثار الحديث كذلك عن قوة تأثير الفن فى المجتمعات.

 

 

 

أعمال فنية.. بأُثر لا يزول!

هذا الأمر ليس بجديد، فتاريخ السينما والدراما المصرية يزخر بأعمال مهمة تناولت قضايا شائكة، خاصة فيما يتعلق بالأسرة، وبسببها تم استصدار قوانين وقرارات جديدة لسد ثغرات قانونية سابقة، على رأسها فيلم «أريد حلاً» الذى عرض فى عام 1975، من بطولة فاتن حمامة ورشدى أباظة، حيث ساعد فى إعادة النظر فى قوانين الأحوال الشخصية، والسماح للمرأة المصرية بحق الخلع، والتخلى عن زوجها، بشرط التخلى عن جميع مستحقاتها وحقوقها المادية.

الفنان فريد شوقى كانت له مشاركة واسعة فى هذه الأعمال المؤثرة التى أدت لحراك مجتمعى رسمى، أبرزها فيلم «جعلونى مجرمًا» فى عام 1954، والمأخوذ عن قصة حقيقية قدمها فريد شوقى عن أحد الأطفال بالإصلاحية، والذى كان شقيقه الضابط أحمد شوقى مأمورًا عليها، وصدر عقب عرض هذا الفيلم قانون ينص على الإعفاء من السبقة الأولى فى الصحيفة الجنائية، حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة. كذلك فيلم «كلمة شرف» عام 1973، الذى تسبب فى إعادة النظر للحالات الإنسانية للسجناء المصريين، ومن ثمَ تم إعادة صياغة القوانين، واشتقاق قانون جديد يسمح للمسجون بزيارة أهله بضوابط محددة، خاصة أفراد عائلته الذين لا يستطيعون الحركة وزيارته فى السجن.

أما فيلم «عفوًا أيها القانون» الذى عُرض عام 1985، وقام ببطولته محمود عبد العزيز، ونجلاء فتحى، وهياتم، ومن إخراج إيناس الدغيدى، فدارت أحداثه حول أستاذة الجامعة «هدى» التى تتزوج من الدكتور على المصاب بعقدة نفسية نتيجة عجزه جنسيًا، ومع مساعدتها له فى تخطى تلك الأزمة وعلاجه نفسيًا، يتمكن من الشفاء منخرطًا فى علاقات نسائية متعددة أخرى، وفى إحدى المرات تكتشف هدى خيانته فتقتله بالرصاص، ويتم الحكم عليها بالسجن لمدة 15 عامًا، ليقوم الفيلم بتسليط الضوء على قانون العقوبات، والخاص بقضية الزنى، حيث يصدر الحكم على المرأة بالسجن 15 عامًا مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جناية فى حالة قتلها لزوجها الخائن، بينما يكون الحكم فى نفس القضية على الرجل بالسجن شهرًا واحدًا مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة!

فى نفس العام أيضًا، قام محمود عبد العزيز ببطولة فيلم «الشقة من حق الزوجة» مع معالى زايد ونعيمة الصغير، حيث تضمن الفيلم إشكالية مهمة حول الوضع القانونى للشقة عقب انفصال الزوجين، خاصة أن القانون ينص على بقاء الزوجة فى الشقة حتى انتهاء فترة الحضانة التى تصل إلى 15 سنة. وبعد عرض الفيلم قام اتحاد نساء مصر بطلب توصيات اللجنة القانونية التى تم عقدها لإعداد تعديلات خاصة بقانون الأحوال الشخصية، لتحقيق مزيد من العدالة بين أفراد الأسرة، لينجح الفيلم بالفعل فى جعل أحد أهم البنود الممكن إضافتها لعقد الزواج تحديد من سيكون له حق الانتفاع وحده بمنزل الزوجية فى حالة الطلاق.

أما فيلم «آسفة أرفض الطلاق» الذى عرض عام 1980، ومن بطولة ميرفت أمين وحسين فهمى، فقد تحركت بسببه كثير من منظمات المجتمع المدنى للمطالبة بإلغاء طلب الطاعة، وأيضًا أن يتساوى الزوج والزوجة فيما يتعلق بطلب الطلاق أمام القانون.

 

نيللى كريم
نيللى كريم

 

باب الحديد.. أمل العمال

ولم يقتصر الأمر على القضايا الأسرية فقط، بل أيضًا حقوق العمال، ولعل أبرز مثال على ذلك فيلم «باب الحديد» للمخرج يوسف شاهين، الذى عُرِض فى عام 1958، وقام ببطولته فريد شوقى وهند رستم، حيث ناقش من بين خطوطه الدرامية فكرة النقابات العمالية لمهنة مثل «الشيالين»، الذين كانوا يخضعون لبلطجة من يفرضون سطوتهم على محطة مصر.

الفيلم بالأصل كان مهددًا بعدم الترخيص للسيناريو، إذ وصل إلى إدارة الرقابة خطاب من إدارة الأمن العام فى وزارة الداخلية، يطلب من الرقابة رفض السيناريو ومنع إجازته نهائيًا، بحجة أن الفيلم يحرض العمال على إنشاء نقابات للحصول على حقوقهم فى مواجهة السلطة، إلا أن الرقابة كانت قد وافقت على السيناريو بالفعل قبل وصول خطاب الأمن العام، ومر تصوير الفيلم بسلام، لكن يوم عرضه سينمائيًا على الرقابة لإجازته؛ نشبت معركة كلامية عنيفة بين يوسف شاهين ومندوب وزارة الداخلية، بعدما طلب حذف المشهد الذى يتحدث عن ضرورة تكوين نقابة للشيالين لحمايتهم من استغلال البلطجية، إلا أن «شاهين» أصر على وجوده استنادًا إلى أن القانون يجيز شرعية تكوين النقابات العمالية. وبالفعل تأسست نقابة للشيالين عقب عرض الفيلم بسنوات قليلة.

الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يقودنا للأسئلة التالية: هل تقاس جودة الأعمال بالأثر الملموس الذى تتركه فى حياة الجماهير فقط والتغييرات الواقعية التى تترتب عليها فى المجتمعات؟ أم الفن غير مُلزَم بذلك ولا يعيب البعض الاكتفاء بالترفيه؟ وهل أهمية القضية التى يتناولها العمل تجيز التغاضى عن ضعفه فنيًا حال حدوث ذلك؟

يجيب الناقد الفنى ماهر منصور على أسئلة «صباح الخير»: إن ما حققته هذه الأعمال السينمائية والتليفزيونية من تغيير فى القوانين ومجتمعاتها، هو نتيجة ردود الأفعال الجماهيرية حول مضامين هذه الأعمال لا الأعمال نفسها، إضافة إلى ما توافر لهذه الأعمال من عوامل خارجية غير فنية منحت المضامين قوة التغيير، لا قوة التأثير التى عادة ما تخلفها الرسائل الأخلاقية للأعمال الفنية. ويضيف: إن الكلام على هذا النحو لا يعنى التقليل من الدور التنويرى الذى قدمته هذه الأعمال وسواها، ولكن افتراض امتلاكها القدرة على التغيير وحدها، سيكون ظالمًا لكثير من الأعمال الفنية التى ربما قدمت مضامين أعمق وأقوى ولكنها لم تحظ بردود الفعل المأمولة تلك، لأسباب خارجية وداخلية متعددة ومتشابكة.

يواصل: إنه من حيث المبدأ يُفترض أن تتجاوز الدراما السينمائية التليفزيونية دورها فى الترفيه والتسلية نحو أدوار أخرى كالتأثير والتبشير بوصفها نموذجًا للعبرة وحالة التطهير الأرسطى، فالشىء بالشىء يُعرف، وبمقدار ما تتوغل الدراما فى المجتمع بمقدار ما تمتلك مفاتيح التأثير فيه، إلا أن عوامل خارجية تتعلق بشرط الإنتاج والتسويق وسيكولوجية المشاهدة وآليات التلقى، وأخرى داخلية تتعلق بضعف النص التليفزيونى وغياب مفهوم الصناعة عن الإنتاج التليفزيونى، كان من شأنها أن تعصف بكل الأدوار المحتملة للدراما التليفزيونية والسينمائية العربية لينحصر دورها فى حيز الترفيه.

ويختم ماهر منصور حديثه مع «صباح الخير» بأنه لا قيمة لاضطلاع العمل الدرامى بمسؤوليته المجتمعية، إن كان ذلك على حساب الإيفاء بشروطه الفنية، فمن دون قالب فنى محكم لا أهمية برأينا لأى مقولة سامية، فالمقولات السامية بعيدًا عن الشكل الدرامى الفنى مكانها ربما فى الكتب أو على منابر المحاضرات وفى صفحات القضايا الاجتماعية فى الصحف والمجلات، لا فى مسلسل درامى أو فيلم سينمائى.