الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«ذباب الإخوان».. باطل يراد به باطل

فى فترة مبكرة من عام 2014، أيقنَتْ جماعة «الإخوان» الإرهابية، أن عودتها المباشرة إلى الحُكم، أو حتى إلى الساحة السياسية المصرية، يبدو ضربًا من المستحيلات؛ خصوصًا فى ظل انكشاف الشعارات الزائفة للجماعة، وتخلى داعميهم الدوليين عنهم مع كل خطوة تقطعها القيادة المصرية الجديدة نحو إحكام الأمور واستعادة الاستقرار فى البلاد، وهو ما حاول «الإخوان» بشتى الصور زعزعته للتدليل على أن دولة 30 يونيو غير قادرة على إدارة البلاد بعد استبعاد «الإخوان».



وبدلاً من أن يؤدى ذلك اليقين، بعد سيل حافل من العَمى السياسى والاستراتيچى، إلى مراجعات داخلية شاملة وحقيقية لجأت الجماعة؛ خصوصًا ما يسمى جناح الصقور، إلى ما تجيده دائمًا، ألا وهو الحرب الخفية، والهروب تحت الأرض، انتظارًا للحظات الضعف، التى تستطيع الجماعة التسلل من خلالها للعودة إلى المشهد.

ووضعت الجماعة بمساعدة داعميها الدوليين استراتيچية بعيدة المدى لشن «حرب استنزاف طويلة» ضد الدولة المصرية، واتخذت تلك الخطة العديد من الأدوات، بعضها يتمثل فى سلاح الإرهاب بتنظيم عمليات إرهابية متفرقة تؤثر على حالة الاستقرار فى البلاد، وتستغلها آلتهم الدعائية الخارجية للترويج إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية.

 

الحرب الإعلامية.. إحدى أسلحة الجماعة الإرهابية
الحرب الإعلامية.. إحدى أسلحة الجماعة الإرهابية

 

أمّا الأداة الأخطر التى قررت الجماعة توظيفها؛ فكانت الحرب الإعلامية، واستخدام الفضاء الإلكترونى؛ حيث إنه يناسب أسلوب الجماعة فى العمل السّرّى، وعمليات التخفى وراء هويات زائفة.

وهكذا نشطت اللجان الإلكترونية، وهى جزء من الذراع الإعلامية للجماعة، وتدار من عدة عواصم عربية ودولية، واستخدمت تلك اللجان مجموعة واسعة من الاستراتيچيات التى لا تستهدف الدعاية المباشرة للجماعة الإرهابية، بقدر ما تسعى إلى إهالة التراب على كل إنجاز وطنى، والتشكيك فى كل ما يتحقق على أرض الكنانة، علاوة على استخدام الذباب الإلكترونى الإخوانى بكثافة لأدوات السخرية والتهوين من التصريحات والبيانات الرسمية.

تشويه الإنجازات

وكان الاقتصاد، ولا يزال وسيظل، واحدًا من أكثر الملفات التى تركز عليها اللجان الإلكترونية الإخوانية، فهى تدرك أن كل إنجاز اقتصادى يتحقق يدفع بالبلاد خطوات واسعة إلى الأمام، وهو ما يعنى ابتعاد الحلم الإخوانى بعرقلة مسار دولة 30 يونيو، وبالتالى إيجاد ثغرة للعودة إلى المشهد.

ومَن يحلل خطاب تلك اللجان، ومحاولات التهوين المستمرة من الإنجازات الاقتصادية الكبرى التى حققتها مصر على مدى السنوات الماضية؛ وبخاصة فى ملف المشروعات القومية الكبرى، وإعادة تأهيل الاقتصاد الوطنى عبر العديد من الإصلاحات الهيكلية الضرورية؛ يدرك أن الملف الاقتصادى يستحوذ على الأولوية الأولى لدى تلك اللجان، ليس فقط لضخامة ما يتحقق فيه من إنجازات على الأرض تثير غلّ وغضب الجماعة؛ بل لأنه يتعلق بقطاعات واسعة من المواطنين، وهذه القطاعات تسعى الجماعة إلى إفساد إحساسهم بضخامة ما يجرى من جهود لتحسين واقعهم، وبالتالى إذا لم تكن الجماعة الإرهابية تستطيع إيقاف مسيرة الإنجازات الاقتصادية، فعلى الأقل يمكنها أن تفسد إحساس الناس بها، وتشوّش على وعيهم كى لا يدركوا قيمة ما يتحقق.

ولا نحتاج إلى كثير من الأمثلة، يكفى فقط أن نستعيد ذلك الهجوم المحموم من قبَل «الذباب الإلكترونى الإخوانى» على مشروع مثل قناة السويس الجديدة، أو الهجوم على قرار تحرير سعر الصرف فى 2016، فضلاً عن اقتطاع الكثير من تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى من سياقها؛ وبخاصة فيما يتعلق بملفات إصلاحية اقتصادية حيوية، مثل إصلاح مرفق السكك الحديدية، أو إعادة تسعير رغيف الخبز، أو اتخاذ إجراءات تتعلق بمواجهة الزيادة السكانية.

ولعل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة نتيجة الصراع «الروسى- الأوكرانى»، كانت مناسبة جديدة للجان الإخوانية لتنفث دعاياتها، وتمارس ما اعتادت عليه من تضليل وتزييف، فهذه الأزمة تلقى بثقلها وترتب أعباء هائلة على جميع دول العالم، ومنها مصر، التى ترتبط بمَصالح اقتصادية غير خافية مع كلتا الدولتين، ومن الطبيعى أن يتسبب أى ارتباك فى الدولتين المهمّتين بالنسبة لمصر فى تداعيات وضغوط على الاقتصاد المحلى، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية العالمية المرتبطة بالأزمة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة وغيرها.

ولأن «الإخوان» هم أفضل من يجيد الاصطياد فى مياه الأزمات العكرة؛ فقد وجدوا فى تلك الأزمة وسيلة فعالة لبث سمومهم فى الفضاء الإلكترونى، فجرى أولاً تقديم الأزمة منتزعة من سياقها الدولى، وتم تكثيف الدعاية المضللة باعتبارها أزمة مصرية، تؤكد عدم قدرة الاقتصاد المصرى على الاستمرار؛ بل إن بعض الدعايات الإخوانية ذهبت إلى أبعد من ذلك فأشاعت أن الاقتصاد المصرى يوشك على الإفلاس! وصورت بعض الإجراءات التى اتخذتها الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة، مثل تحريك سعر الصرف، ومواجهة المضارَبة على الدولار، بأنها جميعًا مؤشرات لعدم قدرة الاقتصاد المصرى على الاستمرار.

وتناست دعايات الذباب الإلكترونى الإخوانى أن الاقتصاد المصرى، وبفضل المشروعات القومية الكبرى التى وفّرت أكثر من 5 ملايين فرصة عمل، استطاع الصمود فى ظل أزمات أكبر مثل أزمة جائحة فيروس «كورونا»؛ بل إنه نجح-  ضمن مجموعة محدودة للغاية من دول العالم- تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة؛ بل استطاع الاقتصاد المصرى وبشهادة تقارير دولية موثوقة أن يخفض معدلات البطالة من 14 % إلى7.4 %، فى الربع الأخير من عام 2021 و7،2 % فى ديسمبر 2020.

دغدغة مشاعر الفقراء

التحركات الإخوانية المضللة لم تتوقف عند حد التلاعب بالحقائق أو انتزاعها من سياقها أو المبالغة فى «التهويل» من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على مصر، مقابل «التهوين» من الإجراءات الحكومية للمواجهة؛ بل امتدت إلى استخدام واحدة من أدوات التضليل القديمة المتجددة فى الفكر الإخوانى، ألا وهى ذرف دموع التماسيح الزائفة بزعم التعاطف مع المواطن البسيط، فمع ارتفاع معدلات التضخم فى مجموعة من السلع نتيجة ارتفاع سعر الصرف، والارتفاع الكبير لأسعار بعض السلع المستوردة، بدأت «حفلات الندب» الإخوانية على السوشيال ميديا، متجاهلة أن دولة 30 يونيو هى أكثر من إنحاز للفقراء وللطبقات الأكثر احتياجًا عبر مظلة حماية شاملة، لم تقتصر فقط على تقديم الدعم المادى؛ بل امتدت إلى مختلف القطاعات كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن الزيادات المتكررة فى المعاشات والأجور؛ بل إن الحكومة خصصت 335 مليار جنيه فى صورة منح وحوافز وزيادات بالرواتب لمساعدة المواطنين على مواجهة تداعيات الأزمة، بينما بلغ الشق المباشر فى المواجهة 130 مليار جنيه، وهو ما يكشف أن الأولوية الأولى لدى الدولة كانت مساندة المواطن، إضافة إلى زيادة المعاشات اعتبارًا من أبريل 2022 بنسبه 13 % وبحد أدنى 120 جنيهًا بتكلفة سنوية تصل 83 مليار جنيه، إضافة إلى 8 مليارات جنيه نتيجة تقرير الزيادة من شهر أبريل 2022.

وبطبيعة الحال؛ لن تذكر الكتائب الإخوانية شيئًا عن مواقف الدولة المصرية فى مساندة العمالة المؤقتة التى تضررت سابقًا من جائحة «كورونا»، وهى العمالة التى لم يكن أحد مسئولاً عنها، وكانت تُترك لمواجهة مصيرها فى كل أزمة، لكنها فى ظل دولة 30 يونيو وجدت مَن يمد لها يد العون والمساندة، دون أن يكون لها صوت.

ويتجلى زيف خطاب الكتائب الإخوانية الإلكترونية فى جانب آخر من تلك الأزمة، وهى إشارة بعض دعاياتهم إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية من مصر بعد الأزمة العالمية نتيجة الحرب «الروسية- الأوكرانية»، مستدلين ببعض التقارير الدولية فى هذا الشأن عن حركة الأموال العالمية، وهذه التقارير «حق» لكنها تحولت بين أيدى «الإخوان» إلى «باطل يراد به باطل»، فهذه الأموال لا تعدو أن تكون ما يعرف بـ«الأموال الساخنة» أى سيولة متحركة تبحث عن عوائد سريعة من خلال التوجه إلى المناطق التى توفر لها أسعار فائدة مغرية، فهى لا تمثل استثمارات مستقرة أو راسخة؛ بل تعتبرها الكثير من الاقتصادات العالمية وسيلة لتوفير السيولة فى فترة من الفترات، لكن الجميع يدرك أنها لا يعول عليها كوسيلة لبناء استثمارات آمنة، وبالتالى فإن دخولها أو خروجها من اقتصاد بعينه يرتبط ارتباطا وثيقا بتحولات الأسواق العالمية، وأسعار الفائدة المعروضة فى مختلف بلدان العالم.

 

 

 

حرب التضليل

وكشفت الجماعة الإرهابية خلال الفترة الأخيرة استخدام الكتائب الإلكترونية صفحات غير سياسية أو دينية، فهذه الصفحات بعيدة عن أعين الراصدين، كما أن الجمهور الموجود عليها غير متخصص، وبالتالى فلن تكون لديه القدرة على التصدى للدعاية الإخوانية، أو كشف زيف ما تدعو إليه، وبالتالى يمكن استخدام الأوتار العاطفية؛ لا سيما ما يتعلق بضغط الأسعار على كاهل المواطن.

وجرى خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة التوسع فى استخدام منصات المراسلة المباشرة مثل «واتساب» و«تيليجرام» كوسيلة فعالة لترويج التقارير المغلوطة التى تستهدف نشر حالة من الإحباط والخوف من مستقبل الاقتصاد المصرى.

وأخيرًا.. إذا كانت جماعة الإخوان الإرهابية قد احترفت على مدى تسعة عقود من تاريخها القتل والاغتيال لكل من تصدى لمشروعهم من أجل السُّلطة؛ فإن الحرب التى تشنها الكتائب الإلكترونية الإخوانية من أجل الاغتيال المعنوى للشخصيات التى تحظى باحترام المصريين، ولقتل أى أمل يحيا فى قلوب الناس بإمكانية التغيير للأفضل، ومحاولات «تسويد» رؤية الملايين لواقعهم ومستقبلهم؛ فهى جريمة لا تقل خطورة ولا بشاعة عن ميراث الدم الذى يلطخ أيادى وتاريخ الجماعة الإرهابية.