الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المملكة المتحدة.. تتفكك!

مرة أخرى:

المملكة المتحدة.. تتفكك!

فى عدد «صباح الخير» الصادر بتاريخ 3 مارس من العام الماضي، كتبت مقالا بعنوان:  المملكة المتحدة.. تتفكك! وكنت أشير فيه إلى اتجاه إقليم اسكوتلندا وهو ثاني أكبر أقاليم بريطانيا (المملكة المتحدة) الأربعة إلى الاستقلال عنها بعد أن صوّت السكان هناك بنسبة 62 ٪ لصالح البقاء فى عضوية الاتحاد الأوروبي معترضين على سياسة الحكومة المركزية الحالية بقيادة حزب المحافظين، التي أقرت الخروج من الاتحاد، بدعوى رغبة بريطانيا فى الاستقلال، بناء عليه يطلب الاسكوتلنديون بإلحاح الحصول على حقهم فى الاستقلال من المملكة المتحدة، حتى يحتفظوا بعضوية الاتحاد الأوروبي.



 

ورصدت وقتها موقف الحكومة المحلية في سكوتلندا، ورأى بعض الكتاب الإنجليز المنشور في الصحف البريطانية الكبرى، حيث قالوا إن استقلال سكوتلندا لا مفر منه ولايمكن لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي تحرّك من أجل استقلال بريطانيا عن أوروبا أن يمنع الاسكوتلنديين من حق الاستقلال، عن بريطانيا وتوقعوا أن يتم ذلك خلال شهور وقبل نهاية العام الماضى.

الخروج من «المملكة المتحدة»

لكن مر العام ولم يتم استقلال سكوتلندا بعد.. رغم استمرار الدعوات المطالبة به.. وإصرار نيكولا ستورجون، زعيمة الحزب القومي الاسكوتلندي التي تتولي حكم الإقليم على المضي في طريق الخروج من «المملكة المتحدة».

وهذا العام وفى الانتخابات التى أجريت لتشكيل المجالس النيابية والبلدية المحلية في كل البلاد في مطلع شهر مايوحدثت «ثورة» - هكذا يسميها المعلقون السياسيون- حيث تم انتخاب الحزب المطالب بخروج إقليم آخر هو «إيرلندا الشمالية» واستقلاله عن دولة «المملكة المتحدة» ليحصل على أغلبية مقاعد المجلس المحلى للإقليم. كما واصل الحزب الوطني الأسكوتلندى بقيادة نيكولا ستورجون،الفوز بأغلبية مقاعد برلمان الإقليم.  وهكذا أصبح هناك إقليمان من أقاليم بريطانيا الأربعة يتجهان نحو الاستقلال.. الأول اسكوتلندا الذي سيتحوّل إلى دولة مستقلة، وينضم لعضوية الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، أما إقليم «أيرلندا الشمالية» فيتطلع قادته الجدد وهم الوجه السياسي لحركة مسلحة قادت كفاح مواطنيها للتخلص من سيطرة بريطانيا القائمة على البلاد منذ مئة سنة.. وهذا الإقليم الذي يعتبر بالجغرافيا جزءا من جزيرة أيرلندا، لايريد أن يتحوّل إلى دولة مستقلة، فقط يرغب في الانضمام إلى جمهورية إيرلندا، لتقوم جمهورية «ايرلندا المتحدة» في الجزيرة الواقعة إلى الغرب من بريطانيا.

 

 

 

 

ماذا سيبقى من المملكة؟

الغريب في الأمر أن أحدا من الكتاب الذين ناصروا استقلال سكوتلندا، وأكدوا أنه واقع لا مفر منه، ولا تستطيع الحكومة ورئيسها منعه، هؤلاء الكتاب، لم يعلقوا على «ثورة» أيرلندا واتجاهها نحو الاستقلال، بالتأييد..

لا أعرف لذلك سببا، ربما لأنه مؤشر خطير على «تفكك المملكة المتحدة» فلو حدث واستقلت سكوتلندا وأيرلندا.. فماذا سيبقى من هذه المملكة؟.. فقط الإقليم الأكبر «إنجلترا»..والإقليم الرابع الأصغر «ويلز».

أي أن بريطانيا في هذه الحالة ستصبح نصف بريطانيا التي نعرفها الآن!

وعبر وزير سابق لشئون أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية عن قلق شديد إزاء هذه التطورات فقال: أن دولتنا المتحدة لم يسبق لها أن تعرضت لخطر التقسيم كما هو حادث الآن، ولابد من دق أجراس الخطر على المملكة المتحدة.

الاستقلال تتزعمه امرأتان

واللافت للنظر أن الإقليمين المطالبين بالاستقلال عن بريطانيا تقودهما امرأتان.

الأولى نيكولا ستورجون، التي يتوقع المراقبون أن تدعو إلى استفتاء نهائي على مطلب استقلال سكوتلندا قبل نهاية العام المقبل، وهي محامية وسياسية متمكنة (52عاما) استطاعت الفوز برئاسة الحزب الوطني الاسكوتلندي، والوصول به إلى سدة حكم الإقليم عام 2014 حيث انتخبت لمنصب «الوزيرة الأولى». وهي ترى أن حكومة حزب المحافظين الحاكم الآن أهملت إقليم سكوتلندا، وأن قيام دولة مستقلة هو الحل لمشاكل الإقليم الذي يعرف تاريخه العتيد أنه كان دولة قوية، قبل انضمامه إلى بريطانيا منذ أربعمائة سنة.

ونيكولا دخلت عالم السياسة منذ كانت في السادسة عشر بالانضمام إلى الحزب الذي تتولى الآن رئاسته. وتقلدت مناصب عدة منها عضوية البرلمان ووزارات الزراعة والصحة والاستثمار، ثم نائبة الوزير الأول إلى أن أصبحت رئيسة سكوتلندا منذ ثماني سنوات.

رئيسة حكومة من الطبقة العاملة

وفي أيرلندا الشمالية، جاءت قائدة الحزب الجمهوري ميشيل أونيل، وهي سياسية في الخامسة والأربعين، من بنات الطبقة العاملة، تدرجت في العمل السياسي منذ ربع قرن وانتخبت في المقعد البرلماني الذي كان يحتله والدها وهو من العناصر المقاتلة في حركة تحرير أيرلندا، بعدها تولت مناصب وزارية في حكومة الإقليم قبل أن تصبح نائبة رئيسة الحزب، ونائبة الوزير الأول وهي تؤمن بضرورة «توحيد أيرلندا» باستقلال الإقليم الشمالي وخروجه من المملكة المتحدة وضمه إلى «جمهورية أيرلندا المتحدة». والزعيمتان الداعيتان إلى الاستقلال عن بريطانيا ترفضان سياسة الحكومة المركزية المسماة «بريكست» والتي طبقت وترتب عليها عزل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.. وكلتاهما تريان أن هذه السياسة تترتب عليها خسائر للإقليمين.

يبقى السؤال الذي يطرح الآن في كل مكان: متى سيحدث تفكيك بريطانيا بخروج سكوتلندا وأيرلندا من «المملكة المتحدة»؟!

تقول قيادات الإقليمين المتطلعين للاستقلال أن هذا أمر سوف يستغرق وقتا قد يصل لعدة سنوات.