الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مين قال.. لن أعيش فى «هندسة» أبى

إستراحة مشاهد

مين قال.. لن أعيش فى «هندسة» أبى

قضت منصات البث التدفقى على تعبير «العرض الثانى»، فبعد العرض الأول لأى مسلسل تظل الحلقات متاحة لمن يريد مشاهدتها فى أى وقت، بالتالى سنحتاج إلى تعبير آخر بديل لمن يشاهد مسلسلا عبر منصة رقمية بعد عرضه لأول مرة، وحتى نصل لهذا التعبير أتوقف عند الفارق الأساسى بين المشاهَدة الأولى وما تلاها؛ حيث لم يعد المتابع يستطيع عزل نفسه عن الآراء التى تداولها الناس عبر السوشيال ميديا حول هذا العمل أو ذاك، بالتالى المهمة ستكون مُرَكبة؛ المشاهَدة من جهة والبحث عن الأسباب التى أدت لحالة الإعجاب أو الانتقاد من جهة أخرى.



بدأت المشاهَدة المتأخرة لمسلسل «مين قال» بحثًا عن إجابة سؤال لم يكن ليفرض نفسه لو كنت تابعت المسلسل بتركيز فى عرضه الأول، وهو هل استحق العمل فعلا هذا السيل من الإعجاب؟، والأهم لماذا نال إعجاب الناس لو قررنا البحث عن الأسباب الفنية، وبالتالى ما علاقة مسلسل الحاج عبدالغفور البرعى الذى تناص عنوان المقال مع اسم مسلسله الشهير؟. 

فى رائعة مصطفى محرم وأحمد توفيق لم يكن العنوان معبرًا عن القصة الحقيقية للمسلسل، لكنه تحول بالتأكيد لمَثل ينطبق على أى شاب لا يريد تكرار تجربة والده. البطل الرئيسى للأحداث كان «عبدالغفور» نفسه، وشخصية «عبدالوهاب» جاءت فى الترتيب الثانى مع شخصيات عدة تقاسمت المساحة الدرامية المتاحة لقصة صعود تاجر وكالة البلح، قصة عبدالوهاب تتكرر مع «شريف» بطل مسلسل «مين قال» الذى يرفض الانصياع لرأى والده والالتحاق بكلية الهندسة.

 

بوستر المسلسل
بوستر المسلسل

 

 

المشهد الأول يبدأ بظهور نتيجة الثانوية العامة، ليكون أول تفسيرات قبول الجمهور للمسلسل وهو أن البطل الرئيسى الذى تدور حوله الدراما شابٌ فى بداية مشواره الجامعى. لا أتذكر متى آخر مرة حصلت شخصية درامية فى هذه السن على بطولة مطلقة، لكن «مين قال» حققها وحدّد سريعًا جمهوره، ووصل إليه بالسبب الثانى الذى فسرت من خلاله نجاح الحلقات وهو اللغة التى تحسب لمريم نعوم ومجدى أمين وباقى أعضاء ورشة سرد. المسلسل قدّم مفرداته وجُمَله الحوارية من القاموس الذى يناسب الجمهور المستهدَف، بشكل ينم عن دراسة وافية للغة وأفكار وحالة هذه الفئة من الشباب، وهو ما تكامل مع الانتقاء المميز؛ خصوصًا للشباب السبعة، وهو ما يحسب للكاستينج دايركتور محمد شاهين. وتبقى الإدارة الإخراجية للشباب وأسرهم بمثابة تأكيد على أن المخرجة نادين خان قادرة على تقديم دراما اجتماعية مناسبة لفئات أوسع من الجمهور، حتى إن كانت أفلامها حتى الآن تتسم بالنخبوية.

يضاف إلى ما سبق تناوُل العمل للتفكك الأسرى وتأثيره على الجيل الصاعد من زاوية هذا الجيل، أى عدم الاكتفاء برسم شخصية البطل وحلمه الصغير وأن تدور كل الأحداث حوله؛ وإنما البراعة فى تمايز الحالات الأسرية التى ينتمى إليها الشباب السبعة، والمستوحاة بقوة من واقع لا ينكره أحد، وبأسلوب ناعم يبتعد عن المباشَرَة، لتصل الرسالة المستهدَفة دون صراخ وصخب وادعاء، لننظر- مثلا- كيف قدّم العمل الشخصية المسيحية دون الحاجة للجَزّ على الأسنان والطنطنة بأهمية الوحدة الوطنية.

فنيًا لم أشعر أن لهجة جمال سليمان تعطلنى عن متابعة الحوار، لكنها عدوَى الملاحظات المكررة التى يصدرها لنا التايم لاين، فيما وجود «نادين» على الشاشة يحقق حالة من الراحة ربما لن يعرف سرها إلا من تابعها منذ مرحلة «جيران الهنا». الشباب الستة مميزون كلٌ فى شخصيته، غير أن «أكرم» أو يوسف جبريل ينتظره مستقبل واعد، بينما رهانى على أحمد داش منذ «لا مؤاخذة» لم يخب قَط وأتمنى ألا يحدث، فنحن أمام نجم قادم بقوة، يصلح للعالمية إن قرر، والأهم أنه يصلح لتجسيد وجوه كل أبناء جيله من كل الطبقات على الشاشة إذا توافرت له شخصيات مكتوبة بحِرفية كما «شريف» المتمرد على كلية الهندسة فى «مين قال».