الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مسـئولية الوالدين تعليم أطفالهما التعبير عن المشاعر فى المواقف المختلفـة

5 طرق للتخلص من ذكريات الطفولة السيئة

الخبرات والتجارب والعواطف والهموم التى تمر بالأطفال، تؤثر فى شخصيتهم وسلوكياتهم واعتقاداتهم ونظرتهم لأنفسهم وللعالم ككل، لتحركهم بقية حياتهم؛ لأن ذكريات الطفولة هى أهم مراحل تشكيل الشخصية والهوية، وتولد مشكلات متعددة بعضها نفسى والآخر جسدى.



 

فذكريات الطفولة  تشمل تأثيرات كل ما يتعرض له الأطفال من أحداث وصدمات ومخاوف وظروف حياتية دائمة أو طارئة، والتى تبقى عالقة فى الذاكرة، حتى وإن بدت غير ظاهرة أحيانًا، وبمجرد التعرض لموقف جديد حتى تبدأ تلك الآلام بالظهور مجددًا، لكن غالبًا تحضر بشكل مختلف قد يتطور مع الوقت إلى عُقَد نفسية. 

وحسب دراسة حديثة بجامعة چون هوبكنز للصحة العامة بأمريكا؛ فإن ذكريات الطفولة السيئة تزيد فرص المعاناة من أمراض نفسية عدة، أولها الاكتئاب واضطرابات ذهنية أخرى، مَهما تغيرت أوضاعه فيما بعد، بينما ذكريات الطفولة السعيدة- حتى إن لم تكن كثيرة أو متنوعة- فلها دور كبير فى تقليل فرص المعاناة من المشكلات النفسية فى المستقبل؛ بل الوقاية تمامًا منها فى بعض الأحيان. 

وقال الدكتور يحيى هاشم، استشارى برامج الحماية الاجتماعية والتنمية، إن ذكريات الطفولة بكل ما تشمله من تجارب وخبرات حياتية وما تتركه من أثر كبير فى نفوسنا تشكل اللبنة الأولى فى وجداننا؛ مما ينعكس على سلوكياتنا فى المستقبل، فكل مرحلة لها ذكريات خاصة لا يمكن أن تمحوها الأيام.

وأضاف «هاشم»: البداية تكون فى سن ما قبل المدرسة، فهى مرحلة فى غاية الأهمية لأننا نتعلم من خلال ذكرياتها كيف نتعامل مع الناس ونواجه مواقف الحياة المختلفة من خلال رؤيتنا لما يقوم به الوالدان، ومنها ما يرسخ لدينا قيمًا كثيرة، مثل صلة الرحم والتعامل مع الأهل والأقارب ولمّة العيلة فى مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية، مما يشكل شحنًا للمَشاعر الاجتماعية ينعكس على تصرفاتنا وسلوكنا، كما تؤثر ذكريات الطفولة فى قيمة عمل الخير الذى نتعلمه من الأسرة، وذلك بخلاف تعلمنا لقيمة الولاء والانتماء وحب الوطن، من خلال ما نتعلمه من سلوك الوالدين تجاه الحياة الاجتماعية وردود أفعالهما تجاه المواقف المختلفة.

ترسيخ القيم

ثم تأتى مرحلة الدخول إلى المدرسة وتعاملنا مع المدرسين الذين يلعبون دورًا مُهمًا فى قيمة القدوة والمَثل الأعلى، من خلال محاولتنا تقليدهم فى كل المواقف التى نتعرض لها، كما أن البداية الحقيقية لحب التعلم تبدأ فى هذه المرحلة، فالمعلم هو مَن يستطيع أن يجعلك تحب إحدى المواد الدراسية أو تكره أخرى، كما أن كل الأنشطة التى نشارك فيها مع المدرسة فى مختلف المَحاور الاجتماعية والبيئية وغيرها تترك فى وجداننا ذكريات مهمة تكسبنا العديد من المهارات والخبرات التى تساعدنا فى تصرفاتنا وسلوكياتنا المستقبلية.

وفى السياق ذاته؛ قالت الدكتورة فايزة حلمى، المستشار النفسى والتربوى، إن ذكريات الطفولة تعتبر أداة إرشادية وتشكيلية للبَشر، وأحيانًا تكون بمثابة خَط انطلاق تشجيعى، أو قوة تنويرية، طوال رحلة الحياة.. وتمثل دائمًا رسائل عالية وواضحة تخترق قلب الفرد عميقًا وتستقر هناك، بأنه محبوب، وذو قيمة، ومُهم أو منبوذ، أو غير ذلك.     

        

 

 

وطرُق تربية الطفل تحدد كيفية تكوين ذكريات طفولته، سواء سعيدة أو تعيسة، وبالتالى تشكّل أسلوب الحياة الذى ينتهجه بعد ذلك، وحتى أحلامه.

وبالتالى يجب الحرص على عدم التعامل مع الطفل بعشوائية، فلا تتم مُحاسبته على سلوك ما بشدة أكثر مما يجب، بسبب الحالة المزاجية غير المتوازنة، وتمرير نفس السلوك دون حساب فى وقت آخر، فكلا التصرفين خطأ؛ لأن رد الفعل كان غير مناسب، وتسبب فى تشويش أفكاره وأفقدته القدرة على الحُكم السليم ومدى صحة أو خطأ ما قام به، ولن يعرف كيف يتصرف لاحقًا فى مثل هذا الموقف، فهو يكتسب معايير مشوشة وغير متوازنة للأمور.

  وأضافت «حلمى»: على الوالدين تعليم طفلهما أن يخبرهما بما يتعرض له خارج الأسرة، ويدرّباه على التعبير عن مشاعره فى المواقف المختلفة ليتعلم كيفية مواجهتها، ومساعدته أن يفهم مشاعره، وكيف تعمل وكيف يكون رد فعله أثناءها بطريقة سليمة؛ لأنهما هنا بمثابة مُدَرّبَى مَشاعر، فالطفل قد يواجه مواقف كثيرة لا يستطيع فهمها أو التعايش معها حتى لو فهمها، كوفاة شخص عزيز مثل أحد الأجداد أو الأخ الأصغر.

 وقد لا يلاحظ الوالدان أن سلوك الطفل قد تغيّر، وإن لاحظا يَعتبرانه مؤقتًا.. ولا يدركان أن تصوّره للأحداث تم تسجيله كذكريات طفولة؛ بصرف النظر عن مدى صوابه، ودورهما هنا هو شرح وتوضيح الأحداث؛ لتكوين مفاهيم لديه، تجعله قادرًا على التفكير بإيجابية، وتكوين ذكريات طفولة إيجابية تسمح له بتكوين جهاز مناعة نفسية، تقاوم أى أفكار سلبية.

وربما يعانى الطفل من مشاعر كثيرة لا يستطيع البَوْح بها وتنبئ بها سلوكياته، مثل الخجل أو  الخوف المغاير للمعايير أو انعدام الثقة بالذات وغيرها تكون ناتجة عن مواقف قد يعتقدها الوالدان بسيطة مثل: «ترك الطفل وحيدًا لفترة بالمنزل»، أو سريعة العبور مثل «حدوث زلزال، رؤية منزل يحترق»، أو حدوثها بعيد الاحتمال مثل «مشاهدة الفيضانات والأعاصير والبراكين فى النشرات الإخبارية»، وهى أحداث ذات الآثار الخطيرة على مشاعر الأطفال، وتحتم مناقشتها معهم؛ لأنها قد تكوّن أسوأ ذكريات طفولة.

خطورة التنمُّر 

وأكملت: كذلك قد يكون الطفل متنمّرًا، وفجأة تنهال الشكاوى من سلوكياته العدوانية خطيرة الأثر، وتنمّره قد يمكن تفاديه مبكرًا، حين يعتاد الأب الإنصات لمشاكله ومعاناته.. فيجعله يتفادى كونه منبوذًا ممن حوله، وبالتالى يتفادى الكثير من ذكريات الطفولة المسيئة لحياته، ونفس الإنصات إذا كان الطفل مـُتنمرًا عليه، فالأب سيساعده على التعامل بطريقة صائبة،  فلا يستشعر الضآلة فى نفسه ولا يختزن ذكريات طفولة تقلل من شأنه. ومواقف الحياة السعيدة التى يعيشها الوالدان مع أطفالهما، والمتضمنة تدريبهم على التعبير عن مشاعرهم، من خلال المحاورات والتفسيرات لأحداث الحياة، تشبه مضادات حيوية طبيعية، مكوِنة ذكريات مانحة للمناعة النفسية ضد مواقف وأحداث الحياة الصادمة. وليكون الأطفال نماذج جديدة مميزة،  مؤهلين وذوى قدرة على اتخاذ القرار، يجب- قدر المستطاع- ابتكار ذكريات إيجابية جميلة للطفل، فلها قوة متواصلة. 

وأوضح الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية، أن من أهم الأمور التى تشكل ذكريات الطفولة السيئة؛ مشاعر الفقد،  كوفاة أحد الوالدين أو حتى صديق العائلة أو الجار، فقد تؤثر الصدمة على الطفل؛ وبخاصة إن كانت معاناته مستمرة جراء هذا الفقد، أو قد يكون الشخص ليس قريبًا من الطفل لكنه شهد وفاته أو سمع صراخ وعويل أهله وخزّن الموقف فى عقله، وكذلك الحروب والكوارث الطبيعية تترك فى نفوس الأطفال مشاهد وذكريات أليمة وآلامًا جسدية ونفسية كبيرة، والتعرض للأذى النفسى أو الجسدى أو الجنسى، كالضرب أو التنمُّر أو الاعتداء الجنسى.

والمشكلات الأسرية، كالصراعات المستمرة أو عدم احترام أفراد الأسرة لبعضهم والفقر وما يتركه العَوَز المادى فى النفس لعدم تمكن الشخص من سد احتياجاته الأساسية كالغذاء والدواء. 

وتعرض الشخص وهو طفل لمرض ما، أو حضوره لمعاناة شخص قريب يعانى من المرض، ومشكلات فى المدرسة؛ بسبب تأخره الدراسى أو مقارنته بزملائه أو تعرضه للتنمّر أو غير ذلك.

وأيضًا التعرض لمَشاهد مؤثرة فى الحقيقة أو من خلال التليفزيون أو الإنترنت أو القصص والروايات، كرؤية شخص يموت أمام عينَى الطفل، أو رؤيته لمَشاهد أليمة، فكل هذه الأمور تعيش مع الشخص عمرًا وتؤثر فيه، حتى لو لم يتذكر تفاصيلها.

فقد يكون الشخص متمردًا بسبب ظلم تعرض له منذ طفولته أو لأنه عاش فى مجتمع ينظر إليه نظرة دونية بسبب النسب أو جنسك أو دينك، وقد يعانى من اضطراب الاكتناز القهرى لأنه عاش الفقر والعوَز أيام الطفولة، وقد يخاف المستشفيات لأن إبرة كسرت فى يده أثناء سحب الممرض للدم منه مرة وهو طفل.

تأثيرات سلبية

وأوضحت الدكتورة إيمان عبدالله؛ خبيرة الإرشاد الأسرى، أن الأشخاص الذين لديهم ذكريات جميلة فى مرحلة الطفولة وتمتعوا بطفولة صحية عادةً يتمتعون بصحة أفضل، وحالات اكتئاب أقل، واحتمالية أقل للإصابة بالأمراض المزمنة.

 كما أن الطفولة السليمة تخفض مشكلات المراهقة والشباب كتعاطى المخدرات، فى المقابل تؤثر ذكريات الطفولة السيئة فى الشخصية والسلوكيات والمعتقدات وردود الأفعال، كما تؤثر على نظرة الشخص لذاته وللعالم ككل؛ وذلك بحسب التجربة التى مَرّ بها. فقد يؤثر موقف ما على ثقة الطفل بنفسه، وتكبر المشكلة لديه، كتعرضه للتنمر مثلًا، وقد يفقد الثقة بوالديه إذا تأخّرا عليه يومًا لاصطحابه للمنزل بعد انتهاء اليوم الدراسى وتعرضه لموقف أليم خلال انتظاره.

 وقد تولد ذكريات الطفولة السيئة عقدة النقص أو الاكتناز القهرى أو الخوف من زيارة الطبيب أو كره الجنس الآخر... وقد يتطور الأمر لمشكلات جسدية نتيجة زيادة القلق والتوتر والخوف وقلة النوم وكثرة الكوابيس كارتفاع ضغط الدم.

 وقالت خبيرة الإرشاد الأسرى،إن التعرض للعنف فى سنٍ صغيرة أو وجوده كمَشهد متكرر فى الحياة اليومية للشخص، يجعله أميل للتصرف بشكلٍ مشوّه فى علاقاته.

 وفى أسرة تتعرض فيها الأم لعنف الأب مثلًا، يكبر الطفل متصورًا أن هذه هى طريقة التعامل الطبيعية مع شريكة حياته، وتكبر الطفلة متصورة أن هذه وسيلة تعبير شريكها عن الحب والغيرة.

والعنف الجسدى مع الطفل يجعله شديد العنف مع الشريك، أو يجعله مجبرًا على قبول عنف الشريك لتستمر الحياة. 

والعنف النفسى أيضًا يؤثر سلبًا على الطفل، ابتزازه عاطفيًّا أو الضغط عليه، ومقارنته بغيره، يجعله راغبًا فى شريكٍ ضعيفٍ يمارس عليه سيطرته ليشعر بالثقة،  أو العكس، يجعله بحاجةٍ إلى شريكٍ مستبد اعتقادًا أن هذا هو الشكل المقبول للحب.

النموذج الأبوى

تضيف: إن التجارب الجيدة والطفولة السعيدة تضع الأشخاص على طريق تقويم علاقاتهم العاطفية أولًا بأول والأطفال الذين تربّوا فى بيوتٍ مستقرة وأسرٍ طيبة يتعذر عليهم القبول بعلاقاتٍ مريضة أو مسيئة، ويرفضون التعامل مع شريكٍ غير ناضج، ولا يخشون البقاء وحدهم لفترةٍ أطول.

والذين نشأوا فى بيتٍ يحملهم مسئولية أنفسهم بدرجة صحية، يخرجهم أشخاصًا ناضجين يتحملون علاقاتهم ويبذلون فيها جهدًا لتنجح. 

والأسر التى تربّى أطفالها على المساواة، ينشأون مستقلين قادرين على رعاية أنفسهم، يخططون مستقبلهم ويعملون ويرتبون حياتهم بشكلٍ ناضج.

أضافت «عبدالله»: إن الذين تربّوا فى بيئة أسرية صحية يبنون تعاملهم مع الشريك على الصداقة والوضوح، ما يجعل علاقاتهم أكثر نجاحًا.

والأطفال الذين نشأوا فى ظروف الطلاق تكون علاقاتهم الزوجيّة لاحقًا أكثر عرضة للطلاق أيضًا؛ بسبب انعدام الثقة والأمان فى الشُركاء لديهم، إضافة لافتقارهم لبعض المهارات الاجتماعيّة المُكتسبة من الأسرة، ونقص العواطف والمشاعر الجميلة واستبدال مشاعر أكثر سلبيّة بها. 

وكذلك عدم قدرتهم على حل الخلافات الزوجيّة ومُعاناتهم من مشاكل تُشبه مشاكل ذويهم «النمذجة الأبوية» أى السير على نموذج مُشابه للآباء.

مُحفزات الألم

وهناك محفزات تنعش الذكريات السعيدة أو السيئة على حد سواء، وتجعل الشخص يتذكرها ويعيشها من جديد كشم نفس الرائحة التى كان يشمها أثناء حدث ما، أو سماع صوت مشابه، أو حتى رؤية مشهد أو الإحساس بشعور مشابه أو زيارة نفس المكان مثلًا أو أى أمر مرتبط بهذه الذكرى.

فقد يكون أحد قد عانى من نوبة خوف ورعب شديدة عندما شهد البرق والرعد للمرة الأولى فى طفولته؛ فيحفز هذه الذكرى حدوث البرق والرعد، أو قد تعود له الذاكرة ليتذكر الموقف الأليم هذا عندما يشعر بخيبة الأمل أو بالوحدة؛ لأنه عندما خاف من البرق والرعد فى طفولته عندما تركه أهله فى المنزل وحيدًا.

واستعرضت خبيرة الإرشاد الأسرى بعض الاستراتيچيات والطرق التى تساعد على التخلص من ذكريات الطفولة السيئة وإصلاح الحياة، وأهمها: محاولة تعميق الإيمان بالذات، واستعادة الثقة بالنفس، وتذكر ما حدث بموضوعية أكثر لتقليل الشعور بالضيق،  وتقرير وقف هذه الدائرة، وإقناع النفس أن الماضى قد رحل ويجب عيش الحاضر، وعدم السماح لتلك الذكريات أن تتحكم بالحياة أكثر.

وكذلك التعرف على الأمور التى تسبب تذكرها؛ فمثلًا إن كانت رائحة البرتقال تذكر بوفاة شخص عزيز؛ لتصادف شرب عصير البرتقال لحظة معرفة الخبر، فيجب ربط هذه المحفزات بذكريات جديدة مفرحة؛ لتشتيت العقل عن تذكر الذكريات السيئة المرتبطة بها؛ مثل شرب عصير البرتقال فى الأوقات السعيدة.

ومن المفيد للغاية مشاركة الذكريات والتجارب الأليمة مع شخص موثوق فيه، والاستماع لتجارب الغير مع ذكريات طفولتهم السيئة للعلم أن هناك آخرين يعانون، ولاكتساب القوة منهم، ومن ثم محاولة النظر للحياة من منظور آخر أكثر إيجابية وعقلانية.

ويمكن اللجوء إلى متخصصين فى العلاج النفسى والسلوكى أو الأعصاب لتعلم تقنيات التحكم فى الذكريات السلبية عبر مواجهتها؛ للمساعدة كثيرًا وتحسين جودة الحياة ككل.