الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فــى ذكــرى سميــر غانــم.. القــدر يجمــع الصديقيــن حتــى فـى الوفــاة

رحيل «الفنان الشامل» سمير صبرى

«لا أعرف ما إذا كان هو القدر أم الحظ، أم الاثنان معًا، هما من رسما حياتى، وحققا أمنياتى.. منذ طفولتى وأنا أحلم بأن أكون ممثلاً مشهورًا. وعندما كان أصدقاء أسرتى يسألوننى عن المهنة التى أنوى العمل بها عندما أكبر، وهل هى ضابط جيش مثل والدى؛ كنت دائمًا أقول: «لا.. أنا عاوز أبقى ممثل زى أنور وجدى».. هكذا كتب سمير صبرى فى بداية مذكراته التى عنونها بـ«حكايات العُمر كله» وصدرت قبل أقل من عامين.



حكايات عُمر سمير صبرى لم تنته بانتهاء ما دوّنه فى مذكراته، بل برحيله صباح الجمعة 20 مايو 2022، فى الذكرى الأولى لرحيل صديقه سمير غانم، الذى وافته المنية فى اليوم نفسه من العام الماضى، وكأنه جمعهما الاسم ومحل الميلاد بالإسكندرية والسينما والصداقة وحتى الوفاة فى نفس اليوم، لذلك فى ندوة التكريم الأخير لسمير غانم فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، قال عنه سمير صبرى: «يجمعنى بسمير غانم الإسكندرية، ومحطة الرمل، وحبنا للمسرح وصورنا على الأفيشات، أنا وسمير جمعنا هوا إسكندرية وأحلام وعشق الفن وعشقنا لبلدنا، وطموحات عديدة جمعتنا، واشتغلنا مع بعض أكثر من 30 فيلمًا».

من الإسكندرية للعندليب

سمير صبرى ابن اللواء جلال صبرى، وسعاد هانم بنت أحمد باشا إبراهيم، ينتمى إلى عائلة قريبة من الأرستقراطية. وهو ذاته درس فى أعرق مدرسة فى مصر، هى كلية فيكتوريا التى كانت تعلم أبناء الذوات، مع الأمراء من المصريين والعرب، لذلك نجده يحن دومًا إلى كلية فيكتوريا بالإسكندرية، كما يحن إلى المدينة نفسها، فهى مسقط رأسه، وقد شكّلت وجدانه، حيث أحب الفن والسينما والمسرح من خلال تلك العروض التى كان يحضرها مع عائلته فى مسارح الإسكندرية، فقد كانت عائلته تُقدّر الفن بشدة، لكن بعد انفصال والديه سافر مع والده إلى القاهرة، حيث سكنوا فى «عمارة السعوديين» التى كان يسكنها عدد من المشاهير، أبرزهم عبدالحليم حافظ وفاتن حمامة ومحمد فوزى ومديحة يسرى وهدى سلطان وفريد شوقى.

هناك حدثت واقعة طريفة، حيث أخذ سمير يتحرى مواعيد خروج العندليب وعودته إلى البيت، وذاتَ يوم افتعل لقاءً معه أمام المصعد وبادره بتحية بالإنجليزية، وقدم له نفسه على أنه أجنبى اسمه «بيتر» وطلب منه صورة تذكارية، فتجاوب معه العندليب. وفى يوم عاد سمير بصحبة والده، وكان «عبدالحليم» واقفًا فى انتظار المصعد فقال لسمير: «هالو بيتر» فأحرج سمير أمام والده، وانكشفت الحيلة، لكن العندليب تفهَّم شقاوته، ولاحقًا أخذه إلى الإذاعة، حيث كانت الفنانة لبنى عبدالعزيز تقدم برنامجها الإذاعى على البرنامج الأوروبى (العمة لولو)، وعرض عليها أن يقدم سمير صبرى البرنامج معها، ومن هنا كانت بداياته فى الإذاعة منذ الطفولة.

يعد سمير صبرى أنجح وأشهر من قدم برامج المنوعات فى التليفزيون المصرى منذ بدايته، ولمعت نجوميته من خلال برنامجه الأسبوعى «النادى الدولى» الذى كان شكلاً جديدًا على برامج ماسبيرو فى الستينيات والسبعينيات، لكنه توقف عن تقديمه فجأة بعد 9 سنوات من النجاح، على خلفية سؤاله للراقصة فيفى عبده عن القرية التى ولدت فيها، فأجابت بأنها من «ميت أبوالكوم بلد الريس»، فأصدر وزير الإعلام حينها ذلك القرار بمجرد انتهاء عرض الحلقة على التليفزيون، خاصة أن الرئيس كان قد شاهدها وأبدى اعتراضه على ما قيل وأن «أخلاق القرى اتغيرت خالص»، كما روى سمير صبرى بنفسه خلال حوار تليفزيونى سابق. لكن «رب ضارة نافعة» كما يقولون، فبعدما ابتعد سمير عن التليفزيون وجد نفسه فى السينما والاستعراضات، وبخلاف «النادى الدولى» كان من أشهر برامجه التليفزيونية «هذا المساء»، و«كان يا ما كان». ومن أشهرها فى الإذاعة «الوسادة ما زالت خالية»، و«عالم رغم أنفه»، و«العسل المر»، و«سيدة المجتمع»، و«ذكرياتى».

 

سمير صبرى مع تحية كاريوكا وسامية جمال وشريهان
سمير صبرى مع تحية كاريوكا وسامية جمال وشريهان

 

من الذى لا يعرف سمير صبرى؟

مع النزوح إلى القاهرة والعمل بالإعلام دخل سمير صبرى إلى دائرة أكثر اتساعًا من العلاقات الفنية والإعلامية؛ فاقترب من الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين ليكون أول تليفزيونى وربما أول محاور يتحدث إليه بعد خروجه من السجن، كما يصل إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش، بعد أن ربطته صلة الجيرة بعبدالحليم حافظ، ويلتقى كوكب الشرق أم كلثوم، ويكاد يكون لم يخرج للنور مشهور أو نجم إلا وقد حاوره سمير صبرى أو جمعته ذكريات معه، فضلاً عن مواقفه الإنسانية مع الجميع، خاصة المشاهير، فمعروف أن اجتماعيته وعلاقاته المتعددة فى مختلف مجالات العمل الإعلامى طغت على صفاته، لتتحكم «الإنسانية» فى أفعاله، ففى الوقت الذى يبتعد فيه الفنانون عن الشاشة ويصبحون بين طيات النسيان بالنسبة للجمهور وأصدقائهم الفنانين، يكون سمير صبرى دائم الود معهم.

لذلك له مواقف لا تنسى مع عدد كبير من النجوم والنجمات، من أبرزهم سامية جمال التى تسبب فى رجوعها للفن مرة أخرى بعد اعتزالها حينما كانت فى سن الـ 60، حيث كانت تمر بضائقة مالية، لدرجة أنها لم تستطع إجراء بعض التصليحات الضرورية لمسكنها الذى كانت تستأجره بالزمالك، فأعادها للعمل مرة أخرى مستغلاً علاقاته بالفنادق الخمس نجوم، وأقنعهم بالاستعانة بها مرة أخرى، وبالفعل عملت مرة أخرى وتجاوزت أزمتها، وعلى حسب قول سامية جمال «إنه رجعها للحياة تانى».

أيضًا الفنان الراحل نور الشريف فى آخر حوار تليفزيونى له قبل وفاته، قال إن سمير صبرى الفنان الوحيد الذى كان يتصل به تليفونيا بشكل يومى للسؤال عنه أثناء تعرضه لأزمة اتهامه بالخيانة على صفحات الصحف القومية بسبب فيلم «ناجى العلى» الذى عُرض عام 1992.

سمير صبرى وسمير غانم
سمير صبرى وسمير غانم

 

الندم على الحياة الأسرية

تزوج سمير صبرى فى عمر 20 عامًا من سيدة إنجليزية، وأخفى خبر زواجه عن والده بسبب خوفه من رفضه الزواج من أجنبية فى ذلك الوقت، وقال إن زوجته لم تكن معجبة بالوسط الفنى ولم تستطع التأقلم مع حياته الفنية، وعادت إلى لندن بعد حملها، وطلبت منه السفر معها، ولكنه فضل البقاء فى مصر وتحقيق حلمه فى الفن والتمثيل.

فى أكثر من لقاء تليفزيونى قال سمير صبرى إن الزمن لو عاد به إلى الوراء، كان سيسافر مع زوجته إلى لندن ويستقبل ابنه فى لحظة ولادته، وكان سيحاول إيجاد طريقة فى تحقيق حلمه الفنى وتكوين أسرة مستقرة فى نفس الوقت، حتى يتخلص من شعور الندم الذى يرافقه بعدما تقدم به العمر وأصبح احتياجه للأسرة أحوج ما يكون. وكشف أن ابنه يعمل طبيبًا ويعيش فى لندن مع أبنائه، ويزوره فى القاهرة، ولكنه لم ير أحفاده فى السنوات الأخيرة بسبب قيود السفر عقب أزمة فيروس كورونا.

طوال حياته، وحتى أيام عمره الأخيرة، ورغم حالته الصحية الصعبة، ظل سمير صبرى كعادته بشوشًا ومقبلاً على الحياة، يتحدث مع هذا ويمازح ذاك، يروى هنا حكايات ويتحدث هناك عن ذكريات، يجرى مداخلات هاتفية بالبرامج ولقاءات إذاعية، ويقدم التعازى والمباركات فى المناسبات المختلفة، حتى وهو فى مرضه بالمستشفى، قبل أن يعود إلى فندق الماريوت بالزمالك ويقضى لحظاته الأخيرة هناك، حيث اتصل به سائقه فلم يرد، فصعد ومعه مسئول من الفندق، فوجدوه نائمًا فى سريره وقد فاضت روحه لبارئها، بعد مسيرة حافلة بالعمل الإعلامى والفنى والمواقف الإنسانية، كان أفضل ما جناه منها هو «حب الجماهير» فى الحياة وبعد الرحيل.

سمير صبرى مع أميتاب باتشان
سمير صبرى مع أميتاب باتشان