الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أعداء الدين وبناء المساجد

أعداء الدين وبناء المساجد

صورة فوتوغرافية متداولة عنكبوتياً لعبارة مكتوبة بخط اليد على جدار ما فى مكان ما تقول: «لقمة فى بطن جائع خير من بناء جامع». الغالبية العظمى من التعليقات لا تخرج عن إطار «شوف إزاى يا أخى أعداء الدين يكرهون الدين والمتدينين» و«نبنى خمارة أو بيت دعارة أحسن». الغشاوة الشديدة وتعطيل إعمال العقل لإجهاض فرصة إعادة ترتيب الأولويات أو حتى إعطاء النفس فرصة لفهم المكتوب واستيعاب المقصود تسفر عن موجات هجوم ضارية لو وجهت لدولة محتلة أو قوة طاغية لقضت عليها فى لمح البصر.



كلما سافرت بلداً عربياً مسلماً أتابع وأدقق فى «مظاهر» الإيمان فأجد أننا «نمبر وان» فى المظاهر. لم أر مشهد احتلال جزء من حرم محطة مترو أو اقتطاع رصيف أو إشهار زاوية فى باحة وزارة أو مصلحة حكومية ليصلى فيها الناس إلا فى مصرنا الحبيبة. مصرنا الحبيبة التى تزهو بآلاف المساجد والتى نادراً ما يستغرق التوجه لمسجد أكثر من خمس دقائق بات ناسها يعتبرون أن إشهار الصلاة بهذا الشكل حقاً أصيلاً. ووصل الأمر إلى درجة أن البعض من رواد النوادى الرياضية الكبرى – وفى كل منها مسجد واحد على الأقل- يصلون فى الصالون وأحياناً فى الحمامات!!- وفى حالة الاعتراض على فوضى الصلاة لا سيما فى ظل وجود مسجد على بعد حجرين، تكيل الاتهامات بمعاداة الدين وكراهية المتدينين وبالطبع الحرب الشعواء على المساجد و«اتقوا الله» إلى آخر صعبانيات مظاهر تدين السبعينيات.

أن تطالب بتنظيم الصلاة لا يعنى أنك تكره الصلاة. وأن تدعو إلى وقف العشوائية باسم الدين وإقامة الصلاة لا يعنى أنك تدعو إلى الفسق وإقامة الفجور. وأن تبحث فى مسألة الأولويات، وهل مصر تحتاج إلى المزيد من بناء المساجد أم المزيد من بناء المصانع والمدارس والمستشفيات وتأهيل القائمين عليها تأهيلاً علمياً معرفياً يطابق مواصفات العلم والبحث فى القرن الـ 21 وليس خلطة الفخفخينا الدينية، حيث المدرس يشرح درس إيجابيات الأسرة قليلة العدد ثم يخبر الطلاب أن الله أمرنا بضخ العيال دون هوادة وأن قوة المسلمين تكمن فى كثرة العدد، وحيث الإمام يتحدث أعلى المنبر عن أن تنظيم الأسرة حلال بل مطلوب وواجب، ثم ينزل من على المنبر ليقول كلاماً مغايراً، وحيث الطبيب يعالج مرضاه بالعلم والطب وإن ظهر فى التليفزيون لا يتحول إلى داعية أو «يركب» آيات قرآنية وأحاديث نبوية على حقائق علمية توصل إليها علماء طب وليس علماء دين.

الدين مكون رئيسى فى حياتنا، لكن الاعتقاد بأن قوة التدين مرتبطة شرطياً ببناء المزيد من المساجد وتركيب المزيد من مكبرات الصوت واستبدال عبارات صباح الخير ومسائه بـ«السلام عليكم» وشكراً بـ«جزاك الله خيراً» لو سمحت أو من فضلك بـ«بالله عليك» هو اعتقاد يسفه من الدين ويخضعه لمقاييس أشبه بالشجرة المخوخة، حيث المظهر زاعق والمحتوى الله أعلم به.

البطون الجائعة لها الأولوية. والأولوية ليست فى إطعامها سندوتش جبنة رومى وحاجة ساقعة. البطون الجائعة ستشبع حين يخرج الشخص إلى الدنيا وهو كيان وليس مجرد رقم، ويتعلم تعليماً مدنياً يليق بشخص يعيش فى كوكب ينتمى للقرن الـ 21 وليس للقرون الوسطى، ويحظى بعلاج طبى عملى علمى قبل الرقية الشرعية، ويحصل على فرصة عمل من شأنها أن تسهم فى بناء الوطن ودفعه للحاق بالزمن وليس الدفن بالحيا.