السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ذكريات التابعى مع يوسف وهبى والحكيم وأم كلثوم!

يوسـف وهبـى للحكـيم: قصتـك تصـلح للقـراءة ولـيس للتمثيـل

ذكريات التابعى مع يوسف وهبى والحكيم وأم كلثوم!

كانت «عشة» الكاتب الكبير الأستاذ «محمد التابعى» فى رأس البر ملتقى نجوم أهل الصحافة والأدب والفن أيضا. كان التابعى يستخدم لفظ «عشة» وهو ما يوازى «شاليه» بلغة هذه الأيام!



فى هذه العشة دارت أجمل وأعظم الحوارات بين هؤلاء النجوم وسط الضحكات والمرح وأيضا أشهى ألوان الطعام.

 

ويمضى الأستاذ «التابعى» - فى سرد حكايات هؤلاء النجوم وكما سجلها بقلمه الرشيق فى مقدمة كتابه «ألوان من القصص» فيقول: وفى رأس البر وعلى شرفة هذه العشة كتب صديقنا الصاوى قصته «الشيطان لعبته امرأة» وكان يقوم مبكراً ويجلس فى مقعد كبير ويسند الورق إلى ركبتيه العاريتين إلا من سروال «الشورت» ويكتب ثم ينظر إلى البحر ويطيل النظر كأنه يريد أن يجمع من وراء الأفق البعيد ذكريات الماضى البعيد!

 

وفى رأس البر وعلى نفس الشرفة ولدت فى رأس أديبنا الفيلسوف «توفيق الحكيم» نظرية التعادلية، وقد ولدت يؤمئذ فى لفائف من الغموض والإبهام.. فكان «توفيق الحكيم» يحدثنا ويحاضرنا فيها وهو لا يدرى على وجه التحديد فى أى موضوع يتحدث، فقد كان المولود - أو كانت الفكرة - يومئذ شيئا لا ذات له ولا كيان!

ولا اسم يعرف به بين الأسماء.. وكان لابد لصديقنا الأديب أن ينتظر «أثنتى عشرة سنة قبل أن يعثر على الذات والكيان والاسم.. وينضوى عن المولود لفائف الغموض والإبهام»!!

••

ويسترسل الأستاذ «التابعى» فى ذكرياته فيقول: كنا جالسين ذات مساء على شرفة العشة التى تطل على البحر عندما أقبل علينا الأستاذ «يوسف وهبى» ليمضى السهرة معنا.. وكان بين الحاضرين «سعيد عبده» - الزجال والصاوى وكامل الشناوى وتوفيق الحكيم وأم كلثوم. وتنهد يوسف وهبى وقال إنه متعب.. متبع جداً من إدارة فرقته والقيام بالأدوار الأولى وتأليف المسرحيات والإخراج!!

ثم قال: وكله يهون إلا التأليف.. فقد أجد المدير الخام الذى يتولى نيابة عنى إدارة الفرقة، وقد أجد المخرج الكفء الذى يتولى إخراج القصص وتدريب الممثلين وقد أنزل عن الدور الأول فى بعض المسرحيات لأحد زملائى مثل «حسين رياض» و«أحمد علام» ولكن القصة.. المسرحية من الذى يؤلفها؟!

أم كلثوم فى رأس البر بين أصدقائها
أم كلثوم فى رأس البر بين أصدقائها

 

وألقى نظرة فيها شيء من التحدى على وجوه الأدباء الحاضرين وهو يقول أو يتساءل:

- أين هم مؤلفا القصة المسرحية؟ لقد بح صوتى فى طلب القصة.. وفى طلب المؤلفين.. ولكن أين هم؟!

- وتنحنح «توفيق الحكيم» وقال: يعنى ألم يتقدم إليك مؤلف واحد بقصة تستحق اعتبارك؟ - وأجاب يوسف وهبى: فاهم عاوز تقول إيه؟ وسأتكلم بصراحة.. لقد قدمت لى فى الموسم الماضى مسرحية من تأليفك.. وكانت قصتك قطعة فنية رائعة بارعة الحوار.. فيها ولا شك متعة ذهنية! يعنى قصة تصلح للقراءة.. قراءة طبقات الخاصة والمثقفين ولكنها لا تصلح للتمثيل، لأن الشعب - الجمهور - لا يهضمها.. ولو أننى كنت قبلتها وأخرجتها لنام الجمهور فى الفصل الثانى، ولأقفرت مقاعد الصالة من المتفرجين قبل نهاية الفصل الثالث.. ولاضطررت إلى وقف تمثيل القصة بعد يومين اثنين.

ومعذرة يا أستاذ توفيق فأنا لا أنتقص من قدرك ولا من قيمة أدبك، ولكنى فقط أريد أن أقول أن الأدب شيء والكتابة للمسرح شيء آخر.. وخذ مثلا «فيكتوريا ساردو» أعظم كُتاب المسرح فى فرنسا وكانوا يلقبونه بالساحر.. ساحر المسرح مؤلف «توسكا» و«فيدورا» وغيرهما من المسرحيات الخالدة «فيكتوريان ساردو» هذا لم يكن من الأدباء ولم يزعم أحد أنه أديب، بل وكان أسلوبه فى الكتابة دون المستوى المقبول!! ولقد سألوه مرة عن مكانه بين أدباء عصره فأجاب: إن الأدب محراب وأنا لا أدخله لأنى من الكافرين»!

ومصمص «توفيق الحكيم» شفتيه وقال: حصل!

••

ولم يتوقف الأمر فى تلك المناقشة الأدبية عند هذا الحد ويكمل الأستاذ «التابعى»: وانبرى «سعيد عبده» يرد على «يوسف وهبى» فقال: تسمح لى يا يوسف بيه أقول لك أن فى كلامك مغالطة كبيرة.. أنت تقول أن الأدب شيء والكتابة للمسرح شيء آخر.. فهل تريد أن تقول أن من المستحيل أن يكون الأديب مؤلفاً مسرحياً ناجحاً.. وأن تتوافر الصفتان أو الهبتان لشخص واحد؟!

وأجاب يوسف: تقريباً!

وهنا قال «سعيد عبده»: وشكسبير ما رأيك فيه؟ هل تنكر عليه مقامه فى دنيا الأدب وبين الأدباء؟ وهل تنكر أن مسرحياته - أو معظمها - نجحت وكتب لها الخلود؟

وأجاب يوسف وهبى: أن شكسبير لا يقاس عليه! ومثله «برنارد شو» هذه عبقريات شاذة، وإلا فهل تزعم أن مثل «شكسبير» أو «برنارد شو» يولد فى كل عام أو حتى فى كل قرن من الزمان؟! ولكن ما لنا وللغرب نحن فى مصر.. قل لى من هم أئمة الأدب وأعلامه فى مصر، أليسوا هم «عباس العقاد» و«طه حسين» و«المازنى»؟ هل فيهم من يستطيع أن يكتب مسرحية ناجحة؟!

ولم يتردد «سعيد عبده» فى الرد فقد صاح: نعم، ونعم ونعم! ولكن المسرحيات التى يكتبها طه حسين أو العقاد أو المازنى لن تعجبك ولن تعجب جمهورك.. جمهور فرقة رمسيس!

وابتسم «يوسف» وقال: وليه بأه يا دكتور؟!

وهكذا بدأ الحديث عن القصة وألوان القصص، فقد قال «سعيد عبده»:إن القصة التى يكتبها الأديب الحق - أى أديب فى مصر أو فى خارج مصر- هى دائماً قصة من الحياة.. الحياة التى نحياها ونعيشها! الحياة العادية.. حياتنا فى كل يوم وحياتنا العادية هذه ليست مملوءة دائما ومشحونة دائما بجرائم القتل والذبح والحريق وإشعال النار وهتك الأعراض والانتحار.. حياتنا العادية هذه ليست دائما سلسلة من الفواجع والمصائب والنكبات!

ولكن هذه هى الحياة كما تصورها فى قصصك يا يوسف بيه؟ عارف ليه؟ لأنك تكتب من خيالك لا من الحياة! لأنك تؤلف والتأليف تزييف! لأنك كمؤلف لا تعيش فى البيئة التى أنت فيها! بل تنطلق دائماً تبحث عن عوامل العنف والانفعال والإثارة.. وتخلق أسبابها ولو على حساب قياس من المعقول والمقبول!

والواقع الذى تشهد عليه الإحصائيات والأرقام، وإلا وأنا أسألك بدورى أين هى هذه الأسرة المصرية وفى أية بلدة أو أية قرية من بلدان مصر وقراها؟

أين هى الأسرة التى يموت ربها بالشلل وانفجار شرايين المخ.. وتموت زوجته فى نفس اليوم أو نفس الأسبوع حرقاً.. ويهتك عرض ابنتهما وتنتحر.. ويلقى ابنهما بنفسه أمام عجلات الترام؟! ثم ينزل الستار على «الدلال» وهو يدق جرسه أمام دار الأسرة المنكوبة لبيع ممتلكاتها سداداً للديون.. أين هى هذه الأسرة؟!

ولم يسكت يوسف قال: أنا وحدى.. وقصصى وحدها.. وماذا تقول يا دكتور فى شكسبير؟ وعدد القتلى فى ماكبث، وعدد القتلى فى عطيل؟ وعددهم فى روميو وجولييت؟ وعدد المصائب فى «هملت»؟

وأجاب سعيد عبده وهو يحاول أن يطوى من طول لسانه: صحيح ولكن شكسبير يقدم لنا - على الأقل - مع كل جريمة قتل حكمة رائعة، أو موعظة بليغة! ويقدم مع كل نكبة أبياتاً من الشعر الرفيع!

وامتعض الأستاذ يوسف وهبى وتساءل: عاوز تقول إيه؟

وتدخلت - أى التابعى - لأنى أشفقت أن تتطور المناقشة وقلت:

عاوز يقول أن شكسبير اشتغل بكتابة القصة وبالتمثيل - مثلك تماماً - ولكنه نجح فقط فى كتابة القصة وفشل كممثل! أما أنت فممثل كبير وهذا ما نعترف به جميعاً!

وهنا لم تستطع «أم كلثوم» مقاومة إغراء النكتة فقد قالت: يعنى شكسبير أديب كبير وممثل صغير، أما أنت فممثل كبير وأديب صغير وأكبر مزيف لا أكبر مؤلف!

وضحكنا واشترك معنا فى الضحك يوسف وهبي!

••

ويمضى الأستاذ التابعى فيروى جانبًا آخر ممتعًا ومدهشًا من المناقشة فيقول: وهنا تذكر «توفيق الحكيم» أن هناك شيئا يريد أن يستفسر عنه فقال: أنت قلت يا دكتور سعيد أن التأليف تزييف فماذا تقصد؟!

وأجاب سعيد عبده: نعم.. إلا إذا كانت للقصة المؤلفة أو المزعوم تأليفها سند من الحقيقة والواقع.. ومعظم القصص التى كتبتها أنا - ولا أقول ألفتها - كانت قصصاً حقيقية من واقع الحياة.. وأنا أعرف أشخاص هذه القصص وقد اتصلت بهم أو قابلتهم فى المدرسة أو فى القرية أو فى المدينة.. وكل ما عملته هو إننى دورت وبدلت وحذفت وأضفت لكيلا أكشف عن حقيقة أسمائهم وشخصياتهم، ولكن جوهر القصة أو لب الحقيقة بقى صحيحاً سليماً ليس فيه تأليف أو تزييف!

ورفع توفيق الحكيم رأسه وتساءل ساخراً: وأى فضل لك إذن فى هذه القصص التى نشرتها باسمك؟!

أجاب سعيد عبده: لى فضل الحائك!!

ماذا قصد د.سعيد عبده وماذا كان رد توفيق الحكيم وأم كلثوم وكامل الشناوى»؟ للحكاية بقية!