الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«الهاتف الغبى»!

«الهاتف الغبى»!

طلع صوته من كعب حنجرته، وهو يصوّب إصبعه مشيرًا على هاتف من بين المجموعة المعروضة:



«عاوز الهاتف ده...»!

يحاول البياع أن يثنيه:

«بس ده هاتف غبى».

«وماله؟ هاتو يا بنى.. وخلصنى من الذكى».

سخا بياع الهواتف فى مسح وجه الرجل بنظرة وضع فيها كل استغرابه وتعجبه، فهو الزبون العاشر الذى يطلب تبديل هاتفه من «الذكى» إلى «الغبى»! 

والأمر تحول إلى ظاهرة، فلقد سئم كثيرون من «ذكاء» الهاتف المحمول الذى اعتادوا عليه، فأدمنوه وتركوه يغيّر حياتهم. 

و«إدمان الهواتف الذكية» كان موضع دراسة من ذوى الاختصاص فى «جامعة دربى» Derby البريطانية، فأوصى هؤلاء الجهات الرسمية اعتماد «تحذير» على «الهواتف الذكية» Smart phones أشبه بالتحذير المفروض قانونًا على علب السجائر، «إن الهاتف الذكى يرتبط بالإدمان».

وعلى الرغم من أن «الهاتف الذكى» كسر الحواجز الثقافية، وقرّب بين الناس، فتعزّز التواصل والتعارف والتخاطب بين الفئات المختلفة باعتراف أصحاب الاختصاص فى علم الاجتماع، إلاَّ أنّهُ غيّر نمط حياة الذين يستخدمونه ليل نهار، وحوّلهم إلى أشخاص غير سعداء، ويَسَّرَ على المحتالين «التفنن» فى عملياتهم، وسمح بنشر الأخبار الكاذبة والشعارات المحرّضة على العنف، إضافة إلى الصور والفيديوهات المخلة بالآداب.

فيسيولوجيًا، للهاتف الذكى مضاره، فهو يجعل الإنسان ثقيل الجسد، قليل الحركة، لا يُقِّدر قيمة الوقت الذى يُهدره والهاتف يتمرجح بين يديه، وأصابعه تدغده وتفركه مثل الفانوس السحرى!

ونفسانيًا، ثبت أنه يقوى نزعة «الوحدانية» المقيتة، فيفقد «المدمن» عليه حس التعاطف مع الآخر، ويتخوف ويتوجس من غده والآتى من الأيام.

و«الهاتف الذكى» انتهك خصوصية الناس، فراحت شركات التضليل «الدعاية» تجمع المعلومات عنهم من خلال تواصلهم، وتحديد الوقت المناسب لإمطارهم بكمّ من الرسائل الموّجهة.

وراحت تروّج من جديد للهواتف «الغبية» التى لا تستنزف «الجيب»، وهى بسيطة الاستخدام، محدودة الوظائف، معظمها لا يمكّنك معه سوى إجراء مكالمة هاتفية أو إرسال «رسائل نصية». وإذا كنت محظوظًا، قد تستطيع أن تستمع من خلالها إلى محطات إذاعية، أو تلتقط صورًا بدائية، لكن بالتأكيد لن تتمكن من استخدامها فى الدخول على «شبكة إنترنت»، أو تحميل أى تطبيقات. 

وهذه الأجهزة شبيهة بالتى راجت فى تسعينيات القرن الماضى. ولأن «الهاتف الغبى» لا يحتوى على وظائف «الهاتف الذكى» فمستخدمه يقر عينه به، فهو يوفر عليه الفواتير المرتفعة التى يتكبدها مستخدم «الهاتف الذكى».

فى لغة الأرقام، نقرأ أن مبيعات «الهاتف الذكى» انخفضت 12، 5 %، وأن مبيعات «الهاتف الغبى» وصلت إلى 450 مليون هاتف كل سنة، وأكدت مجموعة Deloitte للمحاسبة أن واحدًا فى المئة من مستخدمى الهواتف المحمولة أصبح يمتلك «هاتفًا غبيًا».

فما أحلاه يا وعدى!