الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صقــور لا تنـام

صقــور لا تنـام

«العائدون» ملحمة من ملاحم صقور مصر.



ففيما كان هناك على الأرض رجال يبذلون الغالى والنفيس فى مواجهات بالسلاح ذودًا عن وطن وعِرض، كان هناك فى الوقت نفسه رجال فى الظل.. يُحركون الأحداث ويُحبطون المكائد، وينتشرون تحت جلد الإرهاب.

فى الأسطورة الفرعونية أن الصقر لا ينام، ورث أبناء حضارة عين الصقر: القدرة.. والإرادة.

يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

بعد 30 يونيو ظلت ذيول جماعة الإخوان الإرهابية تسعى. تكاثرت رؤوس «الثعابين فى الخارج» وبدا أن فلول الجماعة لم يعد لديها إلا التحالف مع الشيطان.. فى محاولة لاستيعاب ضربة موجعة فى مصر وجّهت إلى الجماعة فى الوجه وفى البطن.. وعلى المؤخرة.

فى أكبر المعادلات وأكثرها ضخامة ترابطت المصالح بين أفرع تابعة للإخوان وبين ما يسمى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام.

فى وقت ما عام 2011 اعتبر بعض المنظرين أن التلاقى بين داعش والإخوان تمنعه ما أسموه وقتها «خلافات أيديولوجية عقيدية».

فى النظرية ذلك الوقت، أن تلك الخلافات لا يمكن أن تتيح اقترابًا من النوع والوثيق.

كان هذا كلامًا فى كلام. 

فلا المبادئ تحكم فى جماعات الإرهاب ولا «الأيديولوجيا» تختلف فيما بينهم على العموم فى الطريق للدماء.

مع بداية الألفية الجديدة كان هناك من يُنظِّر عن صعوبة تلاقى مصالح من أى نوع بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان الإرهابية لما أسموه وقتها بالخلافات الأيديولوجية أيضًا.

أظهرت الحوادث فيما بعد أن هذا الكلام ليس صحيحًا، وثبت تمويلات ضخمة خرجت من أرصدة بعض رموز الإخوان من عدة دول عربية لتنظيم القاعدة الذى كان يعانى فترة اضمحلال دخلها ولم يخرج منها للآن, ثم ثبت فى 2012 تمويلات الاخوان لداعش.

حاول الإخوان «البقاء» على ود ظاهر مع أيمن الظواهرى، فى الوقت الذى حاول «الظواهرى» استغلال قدرات الإخوان فى إعادة إحياء تنظيمه الذى بدأ يتوارَى.. على الأقل من حيث النفوذ بعد مقتل أسامة بن لادن.

مع داعش حدث الامر نفسه, لعب إخوان الإرهاب فى مصر على وتر المصالح، لعب مكتب الإرشاد فى المقطم على أن يكون «داعش» ظهيرًا إسلاميًا ليس على الأراضى المصرية فقط؛ إنما لعب رموز جماعة الإخوان فى دول إقليمية على المساهمة فى نقل مرتزقة داعش من الحدود السورية العراقية لليبيا.

فى ظروف إقليمية كان أقل ما توصف به أنها مضطربة ملتهبة، كان نفاذ رجال الظل المصريين إلى تنظيم داعش على أرضه وبين عناصره نصرًا من نوع خاص.

أو هو كان نصرًا متعدد الأوجُه، إذ كان لدى داعش دائما ما لا بُدَّ أن يكون معلومًا لصقور مصر، ليس فقط لإحباط إرهاب ممنهج كان يجرى على الأراضى المصرية؛ إنما لإحباط مخططات أكبر فى دول مجاورة، تستهدف تغيير الخرائط.. ونشر الأعلام السوداء فى العواصم.

 

تكفيريو داعش فى سوريا
تكفيريو داعش فى سوريا

 

(1)

سَلط العمل الفنى (العائدون) الأضواء على أوكار الإرهاب من الداخل. 

كشف كيف نفذ رجال الظل من صقور مصر إلى ملاذات «داعش» الآمنة، وكيف توصّل الصقور لمعلومات وبيانات وتفاصيل ربما كانت سوف تظل ألغازًا إلى الآن.

عام 2014 نشرت واشنطن بوست تقريرًا وصفت فيه أنظمة أمان «تنظيم الدولة» بالأعلى والأصعب على الاختراق.

اعتمد داعش على تأمين التنظيم بأكثر عوامل «التحسب» و«التخلى».

يمكن تلخيص مصطلح التخلى كأسلوب تأمين بالإشارة إلى أن «أبوبكر البغدادى» مثلاً لم يستخدم هاتفًا محمولًا بعد ولايته للتنظيم إلا مرة واحد حتى موته.

شكلت الجغرافيا فى مكان انتشار داعش على الحدود «العراقية- السورية».

عامل أمان مضافًا، جعل الوصول إلى تلك المناطق دون رصد أمر يوضع فى خانة المستحيلات.

ساعدت التضاريس المعقدة عناصر داعش على التمويل والاختباء كما ساعدت على تأسيس معسكرات التدريب لعناصرها على أنواع مختلفة من السلاح.

حسب ما تداوله بعض الخبراء، كان لجماعة الإخوان الإرهابية مساهمات ما فى مد «داعش» بسلاح مُهَرّب دخل إلى مناطق التنظيم على الحدود العراقية فى سوريا.

انفتاح جغرافيا الصحراء السورية على صحراء العراق وصولاً إلى جبال حمرين ومناطق مخمور العراقية عوامل سهّلت مرور شبكات التهريب سهولة وتوفير الدعم اللوجستى وكل ما تتطلبه التدريبات العسكرية لعناصر داعش.

ملاحم الصقور وبطولات تاريخية
ملاحم الصقور وبطولات تاريخية

 

 

(2)

بداية من عام 2018 دخل تنظيم الدولة معركة الانتقال من الشرق (العراق وسوريا) إلى الغرب فى الأراضى الليبية بوتيرة أسرع من ذى قبل.

الانتقال غربًا كان أكسير حياة متصور لداعش فى الوقت الذى حُولت فيه أموال قذرة لم تغب عنها ايادى التنظيم الدولى للإخوان الإرهابية لدعم انتقال عناصر من داعش للجهة الغربية لنطاقات الأمن القومى المصرى من داخل ليبيا.

ساهم اختراق الصقور لداعش فى صد المخاطر ، واحباط المخططات ، وفى الشرق كما فى الغرب .. داخل اراضى ليبيا نفسها.

 دارت أحداث (العائدون) فى الفترة ما بين عامَى 2018 و2020؛ حيث كان اختراق التنظيم على الأراضى السورية، وقائع متكررة نفذها صقور مصر، أكثر من مرة وعلى أكثر من نطاق بدأ منذ ما قبل 2014؛ ليكشف كثيراً عن بؤرة إرهاب كونية، استمرت متمسكة بأوهام قدرتها على تهديد الأمن القومى المصرى.. والتلاعب بمقدرات شعبه.

كشفت اختراقات الصقور لداعش، شكل الولاءات، وكشفت عن هياكل التنظيمات، وحجم المساعدات، وقدر الأموال المنفقة، ومصادر الأسلحة التى كثيرًا ما وصلت إلى عناصر داعش ملقاة من طائرات هليكوبتر بلا حساب.

عام 2016 اعتذرت وزارة الدفاع الأمريكية عن شحنة أسلحة ألقيت من طائرة شينوك لعناصر داعش على الحدود العراقية بالخطأ!

تناقلت الصحافة الأمريكية وقتها تفاصيل كثيرة عن ذلك الخطأ الذى ارتكبه الطيارون الأمريكان، بناءً على معلومات نقلها خطأ أحد أجهزة المخابرات الأجنبية الذى شرح بالخطأ نقطة إلقاء الأسلحة، وحدد بالخطأ موعد الطائرة، ومكان انتظار عناصر داعش كما حدد بالخطأ أيضًا الإشارات الضوئية المتفق عليها لإتمام عملية التسليم!

نجاح صقور مصر فى اختراق تنظيم داعش أكثر من مرة، بأكثر من وسيلة كان اقتحامًا لعالم خلايا عنكبوتية، تنامت وتكاثرت صيحات أنينها وكشرت عن مزيد من أنياب فى أفواه مسعورة بعد سقوط الإخوان المروع فى مصر فى 30 يونيو.

عملت صقور مصر على عدة محاور فى سلاسل تتبُّع أهل الشر.

محور العمليات الخارجية كان واحدًا من أهم تلك المَحاور على اعتبار خطورة الدعم المالى واللوجستى لعناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة على أراضى دول إقليمية تدعم الإرهاب وتزكيه وتعمل على تشعيبه، تمامًا كما دعمت جماعة الإخوان فى السَّنة السوداء لحُكمهم مصر على توطين الإرهاب فى سيناء، قبل أن تقضى على جيوبه وتدحره العملية الشاملة التى نفذتها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع الشرطة.

على نطاق آخر عابر للحدود كان رجال الظل يواجهون تنظيمات الإرهاب.. من داخلها، ويتسربون شرايينها.. من الوريد للوريد حتى ولو كان الارهاب فى بروج مشيدة.