الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإنشاد بصوت نون النسوة

الغنــاء بفتــوى الإمــام الأكـــبر

ياسمين الخيام
ياسمين الخيام

عاشقة للمديح النبوى، غنت بفتوى من الإمام «عبدالحليم محمود»، شيخ الأزهر الأسبق.. اكتشفها الموسيقار «محمد عبدالوهاب» ولحَّن لها الكثير من أغانيها. سطع نجمها بعد وفاة «أم كلثوم»، وحضر حفلاتها الرئيس الراحل «محمد أنور السادات»، ودعمتها وقتها «جيهان السادات» أشهر ما غنت «أم النبى» و«محمد يا رسول الله».. هى ابنة شيخ المقرئين «محمود خليل الحصرى»، والتى اشتهرت باسم «ياسمين الخيام»، واحدة ممن تركن فراغًا بعد أن قررت الاعتزال عام 1990. 



 

لم يكن قرار «ياسمين الخيام» بالغناء والابتهالات سهلًا.. فى بدايتها هاجمها الكثير من المتشددين، وأثارت جدلًا واختلافات، باعتبارها ابنة شيخ المقرئين «الحصرى».

ولكن آراء الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، جاءت تقف فى وجه كل وجهات نظر التشدد، وسطعت ياسمين فى دنيا الغناء ثم الابتهالات قبل اعتزالها الغناء بعد سنوات طويلة وتفرغت للعمل الخيرى.

فى طفولتها تربت ياسمين على أسس ومبادئ الدين الوسطى، من أسرة مترابطة تعرف معنى البر.

كان الشيخ الحصرى الأب والمعلم والقدوة فى خلقه وتواضعه، لأبنائه وخاصة ابنته الكبرى بين 7 أبناء.

أسماها «إفراج»، ولم يجبرها على شيء، فعندما التحقت بكلية الآداب اختارت قسم الدراسات النفسية والفلسفية، رغم رغبة والدها فى الالتحاق بقسم اللغة العربية، لكنه احترم قراراتها وكانت فلسفته هى السماح لها ولأشقائها بحرية الاختيار.. لذلك لم يقف يومًا أمام طموحاتهم.

حفظت «إفراج الحصرى» القرآن الكريم، بالقراءة الصحيحة.. أتقنت ترتيله وتجويده، وكان والدها يكافئها دائمًا على الحفظ.. وقد رزقها الله بصوت يلفت الأنظار منذ كانت تقرأ فى افتتاح حفلات كلية الآداب. 

 

محمود الحصرى- عبدالحليم محمود
محمود الحصرى- عبدالحليم محمود

 

فى إحدى الحفلات كتبت عنها جريدة الأخبار، فى باب كان يحرره «أبونظارة»، حيث لقبها بخليفة أم كلثوم، وهو أمر لم يكن فى حسبانها، فخشيت أن يكتشف والدها الأمر.

صحيح كانت تحب الغناء لكنها لم  تخبر والدها حتى لا يغضب كانت عاشقة لأم كلثوم، وتنتظر حفلاتها  يوم الخميس،  وتسهر لكتابة الأغنية وحفظها، وفى المدرسة تقوم بإعادة غناء الأغنية لزميلاتها.

فى كلية الآداب كانت البداية حيث أحيت أول حفل فى جامعة القاهرة، بتشجيع من أستاذتها أميرة مطر، الداعم الأول لصوتها وموهبتها.

وبعد تخرجها عرض عليها الراحل يوسف السباعى، وكان وقتها وزيرًا للثقافة والإعلام، تسجيل القرآن بصوتها، وعندما عرضت الأمر على والدها قال لها «هوا انتى عشان صوتك مطاوعك؟.. هى البلد ناقصة مشايخ؟»

عملت بالأمانة العامة لمجلس الأمة، فأصبحت مسئولة العلاقات العامة، تعمل على استقبال الوفود الدولية، وتصحبهم للمناطق السياحية المختلفة، كما كانت تبدأ افتتاحيات حفلات البهو الفرعونى بقراءة القرآن.. وتدرجت فى المناصب حتى وصلت إلى وكيل أول وزارة.

فى رحلة فريدة من نوعها، كانت الصدفة حليفة «إفراج الحصرى» حيث أعجبت بصوتها «أم عدنان» زوجة رئيس مجلس النواب الأردنى، عندما كانت تصطحبها ياسمين فى زيارة للراحلة السيدة «جيهان السادات».. فى الطريق كانت أم عدنان تردد بعض أبيات الغناء، فما كان من إفراج إلا أن شاركتها «الدندنة» وبدورها أبدت أم عدنان إعجابها بصوت إفراج وأخبرت جيهان السادات بموهبتها.. فطلبت السيدة جيهان أن تسمع إفراج وأعجبت بصوتها، وتبنت موهبتها وشجعتها هى والرئيس الراحل أنور السادات على الغناء. 

 

يوسف السباعى
يوسف السباعى

 

أخذها والدها الشيخ الحصرى، وذهب بها إلى الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الذى كانت تجمعه بالشيخ الحصرى صداقة وطيدة، ويستأنس برأيه، لإقناع إفراج بالابتعاد عن الغناء، وما كان من عبدالحليم محمود بعد أن أمسك بمسبحته إلا أن قال للحصرى «قيدها وأضربها وسكت لوهلة.. وأكمل حديثه.. حتى حينما أطلب منها أن تغنى فلا تتقاضى أجرًا».

وكانت بداية الهجوم على الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر، كيف أن يفتى لها بالغناء؟!.

القرار الصعب

استشارت ياسمين كبار العلماء، ومنهم الشيخ «الغزالى»، الذى أفتى لها بأن الغناء كلام «حسنه حسن وقبيحه قبيح»، والخضوع بالقول هو ما ينطبق عليه التحريم. أى أن «الغناء مباح ما دام لم يثر فتنة ولا يحرك شهوة ولا يجب عن واجب».

 وأوصاها الشيخ عبدالحليم محمود أن تغنى أشعار شهاب الدين السهرودى، فى العشق الإلهى، وهو أحد علماء الصوفية. 

وقد كان فقد احترفت الإنشاد الدينى، وقررت الالتحاق بأكاديمية الفنون، بعد أن حصلت على إجازة بدون مرتب من وظيفتها بمجلس النواب، واختار لها رشاد رشدى رئيس الأكاديمية اسم «ياسمين الخيام».

وافقت على لقب «الخيام» بعد أن أهداها الكاتب الراحل أحمد بهجت، «نجل شقيقة رشاد رشدى مستشار السادات»، كتابًا عن عمر الخيام.

 

رياض السنباطى- محمد عبدالوهاب
رياض السنباطى- محمد عبدالوهاب

 

أول غنائها كان فى الذكرى لوفاة كوكب الشرق «أم كلثوم»، وبعدها عملت مع الملحن جمال سلامة فى أوبرا باليه «عيون بهية» التى استمر عرضها لمدة 6 أشهر، ولحن لها العديد من الأعمال الوطنية والدينية، ومنها أغانى مسلسلات «على هامش السيرة» و«محمد رسول الله».

فى واقعة أدت إليها ظروف مختلفة طلبت جيهان السادات من ياسمين أن تغنى أمام الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى أشاد بفنها، تحدث موسيقار الأجيال مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ليقوم بكتابة أغنية «أوفى الحبيب نسى» والذى حرص كل الحرص على اختيار كلماتها، مما جعل الشيخ الحصرى يتواصل مع «عبدالوهاب» ليشكره.

بدأت ياسمين الدخول إلى عالم الفن من باب الابتهالات والمديح ثم إلى الغناء.. كان هذا التحول بداية لإثارة الجدل بين بعض المتشددين بحجة كيف تدخل ابنة شيخ المقرئين مجال الغناء والطرب؟!.

على الرغم من الطريق الذى سلكته «ياسمين الخيام» أو «إفراج الحصرى»، وحبها الصادق لفن المديح والإنشاد الدينى وطيب الكلام فى حب الرسول.. فإنها قررت الاعتزال 1990، وهى تشعر بالفخر بتاريخها ولا تندم على ما قدمته، ولكن لكل مرحلة نوع من العطاء.. وبعد قرارها بالاعتزال بدأت مرحلة جديدة تكمل فيها حياتها فى الطريق إلى الله.. وتنفيذ وصية والدها.

أوصى  والدها الشيخ الحصرى بثلث تركته للأعمال الخيرية، بعد حياة مليئة بالعطاء والخير والبر، وفى قريته كانت هناك شجرة يحفظ عندها القرآن صغيرًا، وكان يستحى أن يمر من أمامها وهو راكب شابًا.. بعدها اشترى هذه البقعة من الأرض ليبنى عليها مسجدًا، ومعهدًا أزهريا، ودارًا لكفالة الأيتام والمغتربات، وبعد اعتزالها بدأت ياسمين استكمال مسيرة والدها فى العمل الخيرى.