السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لكـــل طبــــق حكايـــــة

يحظى شهر رمضان بطقوس خاصة لدى المصريين، حيث تتنوع الآكلات على المائدة الرمضانية. وتتسابق السيدات فى صنع الحلويات بمختلف أنواعها وأشكالها، فيما تتنافس المحلات فى ابتكار أطباق حلويات جديدة. 



لظهور كل نوع من الحلويات قصة ترتبط بتطور الأدوات وأساليب الطهى،  وتعكس  محطات عديدة بالتاريخ السياسى والاجتماعى والدينى للمصريين، وربما لشعوب دول أخرى.

 

فى التراث المصرى احتلت الكنافة والقطايف مكانة مهمة للدرجة التى دفعت العلامة جلال الدين السيوطى لتأليف كتاب بعنوان «منهل اللطائف فى الكنافة والقطايف»؛ ما يدل على شهرة النوعين، بجذور ضاربة فى التاريخ، مع اختلاف الروايات فى كيفية نشأتهما.

 

 

 

كنافة معاوية

تشير أرجح الروايات إلى أن أصل الكنافة يعود إلى العصر الأموى؛ حيث شكا معاوية ابن أبى سفيان - زمن ولايته للشام- من شعوره بالتعب والجوع الشديد خلال الصيام، فنصحه طبيبه أن يتناول بالسحور طعاما يساعده ألا يشعر بذلك.

وبالفعل تعاون طبيبه محمد بن أثال مع طهاة القصر؛ ليبتكروا طبق الكنافة، التى عُرفت لفترة طويلة بكنافة معاوية. 

وظل تناول الكنافة مقتصرًا على أمراء بنى أمية فى القصور، لكن فى عهد العباسيين وخلال حكم الخليفة المأمون بن هارون الرشيد انتقلت إلى العوام.

وقتها كان علماء المسلمين قد استطاعوا أن يضعوا خريطة للعالم، فقرر الخليفة الاحتفال بذلك بشكل غير مسبوق. وأمر بإقامة الولائم لعوام المسلمين فى قصور الخلافة والحدائق العامة، وتم تقديم طبق الكنافة بين أكثر من ثلاثين صنفا للطعام.

وأقيمت هذه الموائد خلال شهر رمضان، حيث تنعقد بعدها مجالس العلم.

واعتاد الخليفة المأمون على التنكر والتخفى للذهاب إلى موائد رمضان لمتابعة أحوال الرعية عن قرب، وتغنّى بالكنافة الشعراء فى قصائدهم مثل الشاعر أبو الحسين.

 

 

 

وتشير رواية أخرى إلى أن الكنافة ظهرت فى عصور لاحقة كالعصرين الفاطمى والمملوكى عندما ازدهرت صناعات الحلويات فى القاهرة، وباتت لها أشكال متنوعة وتقنيات خاصة؛ وأنواع مبتكرة معروفة إلى اليوم.

ويقال إن ابن الرومى كان يعشق الكنافة والقطايف وتغنى بهما فى شعره، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بالطعام فى شهر رمضان فى العصرين الأيوبى والمملوكى والعثمانى والحديث باعتبارها طعامًا لكل غنى وفقير؛ مما أكسبها طابعها الشعبى.

عشق المماليك

الشائع أن اختراع «القطايف» يعود إلى أواخر العصرالأموى وأوئل العصرالعباسى،  ويُقال إن أول من تناول القطايف كان الخليفة الأمويّ سليمان بن عبد الملك فى رمضان.

ويرجع البعض أول ظهور لها للعصر الأموى، عام 132 الهـجري؛ حيث كان الطباخون يخترعون أصنافاً مختلفة من الحلوى حتى يرضى عنهم الخليفة، واستطاع أحدهم ابتكار القطايف وحصلت على إعجاب الأمير.

 وقال الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر: كان المماليك مولعين بالحلويات، فكان أول ظهور لـ «القطايف» فى عهدهم، وكان السلطان الناصر محمد بن قلاوون مولعا بأكل الحلوى خصوصًا فى رمضان، لذلك كان يأمر بصرف 60 قنطارا من السكر يوميا طيلة الشهر الكريم.

هناك العديد من الروايات حول تسمية القطايف، فهناك من قال إنه يرجع إلى طريقة تقديمها بشكل جميل مزيّنة بالمكسّرات ومشبعة بـ«الشربات السكرى»، فكان الضيوف من فرط حلاوتها وجاذبيتها «يتقاطفونها» للذتها، لذلك سميت «القطايف»، بينما يرد البعض الآخر أصل التسمية إلى تشابه ملمسها مع ملمس قماش «القطيفة».

 

 

 

البقلاوة وأم على

عدة قصص تدور حول البقلاوة، فاليونانيون والأتراك يتصارعون على أصلها، وكل يدعى أنه ابتكرها، لكن الرواية الأكثر تداولًا هى أنها تعود إلى ما قبل الدولة العثمانية؛ حيث كانت تصنع فى مطابخ الإمبراطورية العثمانية فى قصر توبكابى فى إسطنبول منتصف شهر رمضان من كل عام، فى القرن السابع عشر.

وكان يخرج «موكب البقلاوة»، بالجنود الانكشاريين حاملين صوانى البقلاوة من قصر السلطان إلى سكناتهم، ولكل عشرة جنود صينية.

وعرفت الأناضول «البقلاوة» لأول مرة فى عهد محمد الرابع عندما أعدت زوجته أكله جديدة على المطبخ العثماني؛ حيث جاءت بالجلاش ووضعت بين طبقاته الحشو بأنواعة باضافة المسلى وأنضجته فى الفرن وانتهاء بوضع العسل عليه وعندما تذوقه زوجها أقر بأنه لم يذق مثله من قبل ثم أطلق عليه «بقلافا» حتى تغير الاسم الى بقلاوة؛ اشتقاقا من البقوليات والمسكرات بداخلها. 

وهناك من يقول أن البقلاوة سميت نسبة إلى اسم بقلاوة زوجة السلطان التى طلب منها أن تعد له صنفًا من الحلويات لم يذقه من قبل.

 فجلبت الجلاش ووضعت حشوة المكسرات وسقتها بالعسل، وكانت زوجة السلطان اسمها «لاوة».

 

 

 

يروى أن«أم على» ظهرت فى عصر المماليك؛ فقد تزوجت السلطانة شجر الدر من الأمير عز الدين أيبك أول سلاطين المماليك بعد موت الملك الصالح نجم الدين أيوب؛ بسبب رفض مماليك الشام أن تتولى حكمهم امرأة.

كان أيبك متزوجًا من «أم على» قبلها وفكّر أن  ينصبها ملكة على مصر بدلًا من شجر الدر؛ فغضبت شجر الدر وقتلته؛ فقامت ضرتها أم على بتدبير مكيدة وقتلتها هى وحاشيتها ورمت جثتها من أعلى قصر السلطان.

 ونصّب على بن عز الدين أيبك سلطانًا، واحتفالًا بالنصر ظلت أرملة أيبك وأم على شهر توزع طبقًا من السكر واللبن والعيش على المصريين؛ فأطلق المصريين على الطبق «أم على».

وبهذا الحفل ظهرت أم على فى المطبخ المصرى ومنه إلى العربى بشكل عام؛ وتفنن المصريون فى صنعه بإدخال التحسينات عليه كالزبيب والمكسرات والقشطة.

 

 

 

عاشق القراصيا 

للقراصيا حكاية طريفة؛ حيث دخل يعقوب بن كلس وزير الخليفة الفاطمى العزيز بالله عليه ذات مرة فرآه مهمومًا، وعندما سأله عن السبب قال العزيز: إنى أشتهى القراصيا وهذا موسمها فى دمشق.

فخرج إبن كلس وأرسل رسالة بالحمام الزاجل إلى والى دمشق يطالبه إرسالها على أجنحة الحمام الزاجل؛ فجعل الوالى فى جناح كل حمامة حبة منها.

 ولم تمض ثلاثة أيام حتى وصل المئات من الحمام؛ فجمع الوزير القراصيا فى طبق من ذهب وقدمه إلى الخليفة، فسر بذلك وقال له: مثلك من يخدم الملوك.

وفى عام 380هـجرية توفى ابن كلس.

وكفنه العزيز فى خمسين ثوبًا منها ثلاثون مسرجة بالذهب وألحده بنفسه، وأقام المأتم على قبره ثلاثين يومًا يقرأ فيها القرآن، وكان عليه ستة عشر ألف دينار سددها عنه للدائنين على قبره؛ وقد تسببت القراصيا فى تكريم يعقوب بن كلس حيًا وبعد وفاته.

أما طبق المهلبية فيبدو أنه كان معروفًا منذ العصر الأموى. وكان مظهر ترف طرأ على طريقة الحياة عند العرب، بعد احتكاكهم مع أثرياء البلاد المفتوحة التى قاموا بفتحها فى الشام وفارس؛ حيث التفنن فى صناعات الحلوى والمأكولات فى مطابخ القصور؛ وهى لم تكن معروفة قبل العصر الأموي؛ حيث كان الطعام الأساسى يعتمد على اللحوم والخبز والتمر.

 

 

 

البعض نسب المهلبية للوالى «يزيد بن المهلب بن أبى صفرة»، حاكم ولاية خراسان زمن الدولة الأموية، والذى أمر بصنع حلوى مميزة وتسميتها باسمه.

الروايات تقول إن المهلب كان أول من أكلها من العرب، وكانت تحلى بالعسل؛ فأحبها وأمر أن تكون فى مطبخه بشكل دائم، وأن تقدم لضيوفه بشكل أساسى،  وسميت بالمهلبية نسبة إليه.

  بعد فترة زمنية تحولت المهلبية لاعتبارها «كشك الأمراء»، إلا أن العامة لم يعجبهم فأعدوها وتفننوا فيها وباعوها فى دكاكينهم باسمها الأول.

رواية أخرى ترتبط المهلبية تشير إلى أن المهلب كان يعانى من حالة مرضية تجعله لا يتمكن من تناول الطعام، فطلب من حكيم من بابل اسمه «دورس» بصنع ما يمكنه أكله من دون أن يزعجه.

وهناك من يرى البعض أن أصل المهلبية هو «المحلبية» نسبة إلى الحليب باعتباره المكون الرئيسى فى الطبق ببلاد الشام.

 

 

 

 أصابع زينب

يقال إن صوابع زينب ترجع أصلها إلى عام 1260 ميلادى، وكان المسلمون قد انتصروا على المغول بمعركة عين جالوت؛ فأقيمت الاحتفالات وقدمت الكثير من الأطعمة الشهية والحلويات، وخطفت «أصابع زينب» قلب الظاهر بيبرس؛ فبدأ يبحث عن من قامت بتجهيزها، فكانت سيدة تدعى «زينب» فسماها على اسمها.

أما «رموش الست»، فقد أشتهرت فى البداية بالعراق، وانتقلت للمصريين عبر الرحلات التجارية والاختلاط.

ولتسميتها قصة طريفة تعود لأيام الحاكم بربر أغا حاكم طرابلس، الذى اشتهر بإقامته للحفلات والولائم وتجمع أعيان البلدة كل ليلة.

وفى إحدى الحفلات التى كان حضرها العديد من الحسناوات من علية القوم، ومجموعة من الظرفاء؛ قدم الطباخ لهم الحلوى على شكل «رمش» فتندر أحد الظرفاء وأطلق عليها «رموش الست»، وانتشرت التسمية.

 

 

 

أما كلمة كُلاّج (جُلاّش) فارسية؛ وأصلها «كلاجة» أى الشيء المستدير.

لكن الأتراك كعادتهم يؤكدون أنها عثمانية ويعود تاريخها إلى مئات السنين.

لكن وفق الرواية الأكثر تداولًا كان الاسم «كل آش» بالفارسية يعنى حلويات الورد؛ نظرا لاستخدم ماء الورد فى صنعها، وذكرت هذه الحلوى للمرة الأولى عند العرب عام 1489 عندما طلب السلطان العثمانى حلوى خاصة بشهر رمضان، فقدمت له. 

وترجع لقمة القاضى المعروفة بـ«زلابيا» أيضًا إلى حمص بسوريا.

وسميت بلقمة القاضى فى القرن 13 الميلادى فى بغداد، حيث وجدها القضاة تعينهم على العمل لأنها خفيفة على المعدة وغنية بالسعرات الحرارية.

 وانتشرت الزلابية عند العرب منذ وقتها.