الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الحرب الكاشفة فى مصر

الحرب الكاشفة فى مصر

أزمة روسيا وأوكرانيا ليست كأى أزمة. فهى بعيدة جدًا جغرافيًا، لكنها أقرب ما يكون لنا اقتصاديًا ومن ثم اجتماعيًا ونفسيًا وعصبيًا ومعيشيًا. وكل منا يعيش ويتجرع ويتألم حاليًا على أول الآثار وليس آخرها.



دولار فى العالى، أخماس فى أسداس تُضرب حول موقف الغرب القوى الجبار المتسلط مما تفعله روسيا فى أوكرانيا ونواياها غير المعلنة، حيرة يقع فيها كثيرون؛ حيث إن المعتاد هو أن يصطف المتفرجون مع فريق ضد آخر لأسباب عديدة لكن المتفرج واقع فى حيص بيص لا يعرف من يشجع ومن يهاجم، والقائمة طويلة.

لسنا فاعلين أو أطرافًا فى إحمائها أو إطفائها، لكننا متفرجون ملتزمون مقاعدنا ونحن نعلم علم اليقين أن الشظايا ستصيبنا بشكل أو بآخر، فربما يجدر بنا أن نمضى الوقت فى استخلاص دروس مستفادة.

ومن أبرز الدروس المستفادة أن البناء على الأرض الزراعية سَفَهٌ، والسكوت على هذا السَّفَه لعقود جريمة ترقى أن تكون جريمة حرب عُظمَى. وحين يعتمد شعبٌ بنسبة 80 فى المائة على القمح المستورد ليخبز رغيف عيشه الذى هو عماده الغذائى، ورُغم ذلك يستمر قُدُمًا فى البناء على الأرض الزراعية المحدودة، أو يعتبر تضييق الدولة عليه قهرًا وظلمًا وتقييدًا لحريته الشخصية؛ فإن هذا يعنى أن معادلة البقاء على قيد الحياة غير واضحة لدى كثيرين. كما تعنى أن الأنانية القاتلة، والنظرة القاصرة للحياة، وعدم الفهم لمقومات الأوطان وما تقوم عليه من توافر موارد كشرط أساسى لإبقاء المواطنين على قيد الحياة، والاعتقاد بأن البناء خلسة على الأرض الزراعية شطارة يجب أن تتم مواجهتها بالتعليم الحقيقى والتربية والتنشئة الحقيقيتين.

وتُخبرنا الحربُ الحالية أن الاعتقاد بأن زمن الحروب العسكرية ذات العتاد والرجال قد انتهى، وأن الحروب ستكون افتراضية فقط هو خاطئ. الحروب ستظل فى الجانب الأكبر منها عسكرية مع مراعاة تطور التقنيات، وتعضدها الحروب الافتراضية من قرصنة وصناعة وتوجيه رأى عام قائم على الفبركة العنكبوتية ناهيك عن سلاح قطع الإنترنت باعتباره أشبه بمنع وصول الأكسجين للمخ.

كما تجبرنا الأزمة الدائرة على التفكر والتدبر فى مصائر الأمم ومكانتها على الكوكب وكيف تصنع أمجادها أو إخفاقاتها؟ هل تختار الأمم العلم والتنوير والمعرفة واستشراف الزمن وليس مواكبته فقط؟ أمْ تبقى مُغَيَّبة معصوبة العينين والعقل فلا يشغلها إلا مباراة كرة قدم، أو رأى رجال الدين (وليس الدين) فى فائدة الشهادات البنكية وحكم دراسة البنات للطب والهندسة وهل تُبطل القطرةُ الصيامَ أو فضائح مشاهير ونميمة أنصاف مشاهير؟!

أزمة روسيا وأوكرانيا كاشفة ووسيلة لإيقاظ النائمين. صحيح أن لسعة الدولار و«لسوعة» الأسعار مزعجة؛ لكن علينا أن نترجم الانزعاج إلى خطوات فعلية ترفع شعار «عقلك فى رأسك تعرف خلاصك».