السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أحـلام بـلا تـاريخ صـلاحيـة

أحد الفصول بالمشاركة مع مدربين إيطاليين
أحد الفصول بالمشاركة مع مدربين إيطاليين

أغمض عينى فأرى نفسى منذ أكثر من ثلاثين عامًا طفلة تجلس مع جدتها تشاهد برنامج «فن الباليه»على القناة الثانية ولم نكن نملك فى هذا الزمان رفاهية أن نشاهد ما نريد وقتما نريد بضغطة على شاشة بين أيدينا أربعًا وعشرين ساعة. 



كنت أنتظر البرنامج بشغف حتى إننى كنت أفضله عن برامج الأطفال حينها وكانت تتعجب جدتى وأبواى أن فى مثل هذه السن الصغيرة لدَىّ القدرة على تذوق الموسيقى الكلاسيكية وفن الباليه. 

 

كنت أتخيل نفسى مكان إحدى الراقصات وأنا أرتدى ذلك الفستان المميز، كنت أتمنى أن أتعلم الباليه ولكننى لم أفصح يومًا عن رغبتى وكبرت ونسيت الحلم وأصبحت أختى هى الباليرينا ومرت السنين وظننت أن الحلم قد انتهت صلاحيته لأنه من المعروف أن تعلم الباليه يبدأ فى سن مبكرة جدًا: الرابعة أو الخامسة.

 

ترويج للسياحة وفن أيضا
ترويج للسياحة وفن أيضا

 

بعد ما شاب؟ 

منذ فترة قصيرة  بدأت أسمع عن مناهج لتعليم الباليه للكبار وكان الموضوع غريبًا وجديدًا بالنسبة لى، وبالطبع سألت أختى لخبرتها فى المجال وأكدت المعلومة وبدأ الحلم يعاودنى ولكن كانت تحارب تلك النشوة لعودة الحلم جمل وأمثال ومعتقدات مثل «زى ما شاب ودّوه الكتّاب» و«التعليم فى الصغر كالنقش على الحَجر» و«بعد إيه ما خلاص؟!».

أنت اتسخطى ولا إيه!».

فى النهاية قررت أضع حدًا لتلك الأفكار السلبية، وقررت الذهاب إلى إحدى المدارس التى لديها منهج للكبار. دخلت مدرسة الباليه وقررت أن أبدأ بالتعرف على الفتيات والسيدات الباليرينات هناك قبل أن أتخذ قرار الانضمام، وكان أول ما لفت نظرى وجود عدد من الفتيات والسيدات المحجبات وأيضًا مجموعة أخرى من الفتيات ذات الوزن الزائد وكأن الرسالة هى «الباليه للجميع، المتعة للجميع، الحلم للجميع».

فى سنة واحدة 

جهاد فتاة محجبة وأنيقة، عرفت أنها تبلغ ثلاثين عامًا وبدأت الباليه منذ سنة واحدة ولم يكن لديها أى خبرة سابقة. والحقيقة بمجرد أن بدأت الحديث وجدت الابتسامة تعلو وجهها ولمعت عيناها وانطلقت فى الكلام عن نفسها بجملة «It was a dream» (كان حلم). 

ثم أكملت: أنا محاسبة وطول عمرى كنت بحلم أكون باليرينا.. كنت أحب حضور حفلات الباليه وعند مشاهدتى للرقصات كنت أشعر وكأن روحى تعلو وتذهب لمكان آخر وأتخيل نفسى مكان من ترقص. 

تكمل: لم تسنح لى الفرصة أن أرقص الباليه وأنا طفلة لظروف عائلتى مع السفر المستمر وكنت كلما أفكر فيه أعتقد أن الوقت قد فات؛ خصوصًا أن تعلم هذا الفن مفترض أن يبدأ فى سن مبكرة.

تكمل: بالصدفة وأنا أتصفح الإنستجرام وجدت إعلانًا عن مدرسة باليه تتيح برنامجًا للكبار فتواصلت معهم بسؤال واحد «هو ينفع؟ فى سنى ده؟.

«وكانت الإجابة «أيوا ينفع».

تقول: عاد الحلم ودخلت أول كلاس وفاكرة التاريخ لغاية دلوقت.

تضيف: كنت متوترة «كان عندى ٢٩ سنة ومش عارفة أعمل حاجة وكنت لبست الحجاب «لكن فى لحظة قلت لنفسى» وماله أنا أصلاً جاية عشان أتعلم وأبدأ من الأول وأنا مبسوطة إنى محجبة ومش معنى إنى محجبة أو طريقة لبسى مختلفة شوية عن ملابس الباليه المتعارف عليها إنى ما ينفعش أتعلم وأحقق حلم قديم.. مافيش حاجة اسمها مينفعش.

 

أنجى محى الدين.. الأمومة مش عائق
أنجى محى الدين.. الأمومة مش عائق

 

تضيف: قلت لنفسى أنا بعمل كدا عشان نفسى، عشان أبقى مبسوطة، المهم الواحد يفكر إيه اللى بيحبه ويعمله ويبعد عن كل الأفكار النمطية زى «أنت جسمك ما ينفعش، سنك كبر، لبسك ما ينفعش»، مافيش حاجة اسمها ما ينفعش. 

تختم جهاد كلامها: نفسى إن كل الستات اللى عاوزة تعمل حاجة بتحبها متخليش حاجة توقفها.

وتضيف: «الباليه بيحسّسنى أنىlady وبيفرد شكل الجسم والوقفة والساعتين بتوع الكلاس كافيين لتجديد طاقتى لباقى الأسبوع». 

العلاج بالباليه 

إنجى محيى الدين، خمس وثلاثين سنة، مهندسة طيران سابقة وكاتبة سيناريو حاليًا، متزوجة ولديها طفل عمره سنتان. قالت: كان التحدى بالنسبة لى أنى بدأت مباشرة بعد عودة النشاطات الفنية والرياضية من بعد إغلاق كورونا ولأن عندى طفلاًا كان خوفى من الكورونا مضاعفًا. مرورى بشبه اكتئاب بسبب الوباء كان من أكبر الدوافع اللى دفعتنى للانضمام لمدرسة الباليه بخلاف أنه كان حلم قديم.

بالنسبة للوقت قالت: مش شايفة أنه صعب الالتزام بساعتين فى الأسبوع.. واتفقت مع زوجى على أنه يتفرغ الساعتين لابننا، أما اللى أسعدنى فهو تعليق الأقارب والأصدقاء لما عرفوا وبدأوا يسألون نناديكى سيناريست ولّا مهندسة طيران ولّا باليرينا؟

 

أثناء التدريبات المكثفة
أثناء التدريبات المكثفة

 

تقول: الباليه زى اليوجا بيعمل التوازن ولما نتعلم التوازن الجسدى يحدث توازن نفسى،  بالإضافة إلى اكتشافى أنه يعالج الفلات فوت اللى عانيت منه وبيعالج الكوليسترول لأنه بيعتمد فى جزء كبير منه على تمرينات رياضية.

تضيف: الباليه فرق معايا فى شكل جسمى وأدانى إحساس إنى بهتم بنفسى وبحس أنى برجع لابنى بطاقة مختلفة. الوزن تحدى؟

سارة فتاة فى السادسة والعشرين مهندسة ديكور، بدأت كلامها بأن التحدى الأكبر كان بالنسبة لها وزنها الزائد واعتقادها قبل الانضمام لمدرسة الباليه المتأصل فى أن راقصة الباليه يجب أن تكون نحيفة.

قالت سارة إنها حاولت الالتزام فى أنواع مختلفة من الرياضيات ولكنها المرة الأولى التى تلتزم فيها بالكامل ما دفعها للالتزام أيضًا بالريجيم لأول مرة.

أضافت سارة أن الباليه أعطاها ثقة وقبولاً لجسدها بسبب شعورها بالخفة والمرونة ولكن هذا لا يعنى أنها لا تطمح فى أن تصل للوزن المثالى ولكنها أصبحت تطمح له دون الشعور بالعبء.

أما ميرنا مصطفى ففى الثانية والعشرين وتدرس الأدب الإنجليزى وتعمل كصانعة محتوى إلكترونى، تكلمت عن نفس العائق أو ما كانت تظنه عائقًا، لكن الباليه منحها ثقة أكبر فى نفسها وأشعَرها بحسب تعبيرها أنها قادرة على فعل أى شىء حتى التمارين التى كانت تظن أنها مستحيلة مثل الـ split.

أمّا نهى فهى فتاة رقيقة وترتدى الحجاب أيضًا، تعمل فى الصيدلة ومثل الأخريات لم تكن تعرف أنها يمكن أن تبدأ تعلم الباليه حتى أخبرتها زميلتها أنها بدأت تتعلم للتو. وتعجبت نهى لأنها تذكرت أنه حتى عندما كانت فى الثامنة من العمر قيل لأبويها أنها تأخرت على تعلم فن الباليه فكيف لها أن تبدأ فى العشرينات!

قالت نهى إن أمها كانت أول من شجعها ولكن بعد مشاركتها فى أول حفل على مسرح دار الأوبرا بدأ الجميع يشجعها وكانت ردود الفعل من جهة أصدقائها إيجابية لقدرتها على التوفيق بين عملها وتحضيرها للماجستير وهوايتها.

 

سارة ألفريد تتحدث عن تجربتها بحماس
سارة ألفريد تتحدث عن تجربتها بحماس

 

بعد جولة لمدرسة الباليه وحوارات مختلفة.. قالت لى إحدى العاملات إنها بتعرف سيدات معديين الخمسين من العمر وبدأت رحلة التعلم متأخرًا وهناك من تأتى بصحبة ابنتها فتذهب ابنتها إلى فصلها وتذهب هى إلى الفصل المجاور.

وعلمت منها أيضًا أن الفترة الأخيرة تبنت المدرسة الترويج للسياحة فى مصر من خلال الباليه بالتقاط صور عند الأماكن السياحية ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعى. 

خرجت من المكان تملأنى الطاقة الإيجابية.. وكنت قد اتخذت القرار بالانضمام إلى ما سميته بالعالم السحرى للمرأة، ذلك العالم الذى تشعر فيه بأنوثتها وحبها للحياة، العالم الذى يسعدها بصرف النظر عن سنها أو وزنها أو شكل زيها.