الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية من بيت شهيد

أحيــاء عنــد ربهــم يــرزقـون

الشهيد العقيد أحمد شحاتة
الشهيد العقيد أحمد شحاتة

(أنا الشهيد الذى استجارت بى مصر.. فأخذت من عمرى لأعطيها).. تلك عقيدة شهداء مصر الذين لم يضنوا بأرواحهم فداءً للوطن، والذود عنه.. لم تكن الندوة التثقيفية الخامسة والثلاثون التى أقيمت فى ذكرى يوم الشهيد مجرد تكريم لأسر الأبطال؛ بل كانت جلسة تحفها الملائكة وأرواح شهداء اجتمع الجميع على احترامهم وتخليدهم.. كان لنا لقاء مع أسرهم الذين احتسبوهم عند الله فى منزلة الصديقين، وقدموهم للوطن رجالًا، فاصطفاهم الله شهداء.



 

الأم المثالية

لم تكن الحاجة سهير عبداللاه والتى استشهد زوجها عريف محمد نبيل عبداللاه يوم 7أكتوبر 1973 تظن أنها بعد مرور 49 عامًا على استشهاده ستكرم من الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويصر على اصطحابها بدلًا من ابنها أحمد، فى مشهد أبكى الملايين، ونال استحسانهم.

قالت الحاجة سهير عبداللاه: عندما استُشهد زوجى، كان عمره 27 عامًا، ترك لى ولدين توأم عمرهما سنة وسبعة أشهر، اعتمدت على نفسى لأن معاشى كان بسيطا، وعملت كمدرسة تربية فنية، وأقمت عدة معارض حتى أزيد دخلى، ولا أجعل أبنائى يحتاجون لأحد. ربيتهم وكبرتهم حتى صاروا رجالا وتزوجوا، وكبرت الأسرة.

وعن إحساسها لحظة التكريم من الرئيس، قالت لي: فوجئت من أسبوع بمكالمة مفادها اختيارى كأم مثالية، وشعرت بسعادة غامرة، وأحسست أن تعبى «ماراحش عالفاضى»، فيكفى أن الدولة كرمتنى بعد مرور كل هذه السنوات، وما زالت تتذكرنى وتتذكر أولادى.

ولطالما أحببت الرئيس عبدالفتاح السيسى؛ لكننى اليوم رأيت بُعدًا آخر فى شخصيته، فقد بكيت من شدة كرمه وعطفه وحنوه علىَّ، يكفى أنه أصر على أخذ يدى بدلًا من ابنى أحمد، وأوصلنى إلى السلم، وأنا دائمًا ما أدعو له بالنجاح والبركة وأن يبعد عنه أعداءه وأعداء الوطن. 

 

الرئيس السيسي يصطحب الحاجة سهير الأم المثالية
الرئيس السيسي يصطحب الحاجة سهير الأم المثالية

 

استشهاد خارج الحدود

 تحدثت «صباح الخير» مع والد الشهيد رائد عبدالله المرسى البهنسى الذى استُشهد فى 2021 فى بعثة قوات حفظ السلام بدولة مالى أثناء اشتراكه فى أعمال إنقاذ إنسانية والذى بعث برسالة تقدير وعرفان للرئيس السيسى الذى دائما ما اهتم بأولاده سواء المصابون أو الذين استشهدوا.

وحكى والد الشهيد عن ابنه الذى كان بارًا وسندًا له ولوالدته قائلًا: كان عبدالله نموذجًا للشاب المجتهد الذى ينصب اهتمامه على الرياضة وعلى عمله فقط، كان دائمًا يقول لى منذ صغره: نفسى يا بابا أبقى وزير دفاع، وعندما كبر ونجح فى الثانوية العامة بمجموع كبير، أصر على دخول الكلية الحربية، وبعد تخرجه عمل لفترة طويلة فى سيناء، ثم سافر إلى مالى ليشترك فى قوات حفظ السلام، ويؤمن المساعدات الإنسانية، وهذه نقطة أحب أن ألفت إليها النظر، وهى الجانب الإنسانى لجيشنا المصرى الذى يؤمن المساعدات الإنسانية فى مالى وأفريقيا الوسطى وغيرها من الدول المضطربة، وشاء الله أن يصاب ابنى فى انفجار أثناء التأمين، وانتقل إلى جوار ربه شهيدًا.

سألته عن سر الدقائق الطويلة التى ظل الرئيس يتحدث فيها معه، فحكي: كان الرئيس يسألنى ويصر فى السؤال إن كنت محتاج لأى شيء، وعندما شكرته، قال لي: بجد لو محتاج أى حاجة ما تتكسفش ولازم تقول لى.

ويضيف: الحقيقة أنى شاكر وممتن للرئيس لأنه قدرنى وكرم ابنى، وقدر كل أهالى الشهداء، ونادرًا ما يحدث ذلك من أى رئيس دولة أخرى فى أن يحرص كل عام على تكريم أسر الشهداء.

مشاعر الأب

«مصر لا تنسى أبناءها».. بهذه الجملة بدأ أشرف عبدالفتاح والد الشهيد ملازم أول محمد الذى استشهد فى رفح عام 2015 كلامه، وأضاف: ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته فى احتفالية يوم الشهيد هى مشاعر كل أب استشهد ولده، وكل عائلة راح سندها، وهذا كان تكريمًا فى حد ذاته.

ويسترسل الأب: كنت عقيدًا بالقوات المسلحة، وربيت ابنى الشهيد على الحياة العسكرية المنضبطة، وكنت أصطحبه معى فى الوحدات العسكرية التى خدمت بها، فأصبح منذ صغره معتادًا على هذه الحياة، وترسخت بداخله عقيدة النصر أو الشهادة.

ويضيف: عندما تخرج فى الكلية الحربية، والتحق بالخدمة فى رفح، أحسست بأنه سينال الشهادة، وهو يؤدى واجبه، فابنى الشهيد لم يكن خائفًا أبدًا من العمل فى سيناء، على العكس كان متحمسًا جدًا للدفاع عن وطنه حتى أكرمنا الله واختاره شهيدًا، ونال هذا الشرف.

والحقيقة أن هذا إحساس فى داخل كل مصرى، يريد خدمة البلد من موقعه وعمله، وهذا ما ينص عليه ديننا الذى جاءت مجموعة تريد أن تُفهّمه لنا بأجندتها الخاصة، لكن ابنى وإخوته من الشهداء كانوا لهم بالمرصاد.

 

 

 

أمير الشهداء

فى كل بيت مصرى شهيد.. تنسج حوله الملاحم التى سطرها، ليضرب به المثل فى الأسرة وتفضيل الآخرين على نفسه، تكرمهم مصر دوما، وتتزين بسيرهم العطرة.. من هؤلاء الأبطال؛ الشهيد العقيد أحمد شحاتة قائد إحدى كتائب المشاة فى شمال سيناء، والذى استشهد فى مداهمة بواسطة الدبابات بعد أن خرج برفقة جنوده، لتتم عمليات التمشيط التى اعتادوا أن يكونوا فيها أبطالاً فوق العادة، لكن البطل لمح شيئًا أثار انتباهه؛ فنزل ليستطلع ماذا هناك، رافضًا أن يصطحب رجاله معه لينقذ رجاله من انفجار عبوات ناسفة كانت معدة لاستقبالهم، واستشهد فى شهر فبراير 2020.

وتحدثت «صباح الخير» مع السيدة رحاب -زوجة الشهيد، والتى قالت: زوجى البطل كان يعشق عمله، ويضعه دائما فى المرتبة الأولى قبل كل شىء، وكان يعدنى ليوم استشهاده عن طريق وصاياه ونصائحه لكل ما يخص تفاصيل حياتنا، فبرغم بعده بسبب طبيعة عمله، لكنه كان يعلم عنا ويشاركنا كل شىء، وكان ينتظر كل إجازة ليستمع لى وللأولاد ويشاركهم كل ما يحبونه.

كان زوجى الحبيب سندًا لكل من يعرفه، لى ولأولاده، ولإخوته على الرغم من أنه كان أصغرهم، وحتى جنوده الذين كان يدعمهم ويشاركهم فى كل كبيرة وصغيرة، وهذا ما عرفته يوم جنازته، فقد أكدوا لى أنه لو لم يأمرهم بالبقاء فى أماكنهم واختار هو الذهاب ليتفقد الشىء الذى لفت نظره، لكانوا جميعهم شهداء.

وأضافت أن الشهيد أحمد كان يتحدث كثيرًا عن فضل ومنزلة الشهداء مع أولادنا، فغرس فيهم قيمة الوفاء والتضحية وحب الوطن، وأكدت أن زوجها فى اليوم السابق لاستشهاده، أخذ يوصيها على حبيبة ووليد أولادهم، ويسألها عن أسرتها وإخوته، وكأنه كان يشعر باقتراب لحظة اصطفائه شهيدًا.