الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
استعادة روسيا للإمبراطورية

استعادة روسيا للإمبراطورية

إن أحد أهم محاور السياسة الخارجية الأمريكية يتمثل فى منع استعادة روسيا لإمبراطورية الاتحاد السوفيتى السابق، لذلك يتمدد حلف شمال الأطلسى ويضم إلى عضويته دول شرق ووسط أوروبا التى كانت تابعة للاتحاد السوفيتى قبل تفككه. وأخيرًا بعث الحلف فى أوكرانيا أمل الانضمام إليه، وهذا يعنى نشره لصواريخه بأراضيها، موجهًا إياها نحو روسيا المجاورة لها مباشرة، مهددًا لها، خاصة أن الغرب كان قد ساعد على تنصيب رئيس أوكرانيا الحالى الموالي له فى عام 2019. وقد ساهمت تصرفات الحلف تلك، فى أن تتخذ روسيا إجراءات تصاعدية حمائية عبر السنوات الماضية على النحو التالي:



- فى عام 2007 أعلن الرئيس بوتين أن تفكك الاتحاد السوفيتى لم يخدم الاستقرار العالمي، حيث يقوم حلف شمال الأطلسى بضم دول من جمهوريات الاتحاد السوفيتى القديم لعضويته مقوضًا أمن روسيا ذاتها.

- بعدها مباشرة انتهجت روسيا سياسة العزلة واستعادة السيطرة على دول الاتحاد السوفيتى القديم. أما العزلة، فهى العزلة عن الغرب حتى تتمكن روسيا من إعداد نفسها لتنفيذ خطة استعادة السيطرة على ما تستطيعه أو ما يهددها من دول الاتحاد السوفيتى.

- وإزاء استمرار التهديد الغربى الأمريكى للمصالح الروسية ولأمنها القومي، تحركت القوات الروسية فى عام 2008 واستعادت حوالى 20 % من جمهورية جورجيا، واستعادت شبه جزيرة القرم (كرايميا) فى عام 2014 من أوكرانيا، وقرر شعب كرايميا الانضمام إلى روسيا.

- واستمرارًا لمسلسل التقدير الغربى الأمريكى السيئ لرد الفعل الروسى نحو التهديد المستمر لحدودها، وإزاء فشل الغرب فى أخذ معطيات الجغرافيا السياسية بالاعتبار، عند تقييم الموقف الروسى للعلاقات عبر الحدود التى تربط بين الشعبين الروسى والأوكرانى، وجراء انفصال أجزاء من جنوب شرق أوكرانيا عام 2014، قامت القوات الروسية بمساندة الانفصاليين. وتلا ذلك اعتراف روسيا مؤخرًا - وقبل الأحداث الأخيرة فى أوكرانيا - باستقلال دولتين مواليتين لها فى هذا الإقليم (لوجانسك ودونيتسك).

إذًا لروسيا مطلب أراه مشروعًا، قاضٍ بضرورة توقف حلف الأطلنطى عن ضم دول الاتحاد السوفيتى السابق لعضويته - وخاصة تلك التى تجاوره مباشرة وتشكل تهديدًا مباشرًا له. ولها مطلب آخر أراه غير مشروع، وهو استعادة الدول التى تحررت من الحكم السوفيتى إلى هيمنتها، رغم الذريعة التى تستند إليها جراء السياسة التوسعية لحلف شمال الأطلسى. والشاهد بالنسبة لى أن أمريكا لا تجيد على ما يبدو قراءة المشهد الجيوسياسي، خاصة مع دول تربطها علاقات دم ونسب عبر الحدود، والظاهر أنها تفتقد لهذه المعرفة كون أنها دولة قصيرة التاريخ، ولأنها محمية جغرافيًا بمحيطين كبيرين على امتداد شرقها وغربها يجعلانها قلعة منعزلة عن العالم، ويحدها دولتان تجاورانها (كندا والمكسيك) شمالًا وجنوبًا يدوران فى فلكها تمامًا وليس بينهما وبينها أواصر دم تاريخية عبر الحدود. 

لذلك سيظل العالم يحبس أنفاسه إلى أن تستقر نتائج الأزمة  الحالية فى أوكرانيا، انتظارًا لنظام عالمى قد يتولد، وفيه قد يتغير وضع أمريكا كقوة عظمى وحيدة فى عالم ما قبل إندلاع الأحداث.

ولا يجب أن ننسى أن أزمة مثل هذه، وتغيرًا قد يحدث مثل ذاك، ما كان لهما أن يحدثا، لولا وجود إدارة أمريكية حالية لا ترقى لاعتبارات القوة اللازم توافرها فى قيادة القطب الأكبر فى العالم.