الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مسافر ليل

مسافر ليل

اجتذبت مسرحية «مسافر ليل» عشاق المسرح، فى العرض الذى ضم الممثلين والمتفرجين معًا داخل عربة قطار، فى الهواء الطلق على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية. 



«مسافر ليل» هى إحدى المسرحيات الشعرية المهمة التى كتبها صلاح عبدالصبور، وهى تتناول فكرة العدل، وكيف يتحقق، وذلك من خلال ثلاث شخصيات هى: عامل التذاكر صاحب السُترات العشر حيث ترمز كل سُترة منها إلى مسئول نافذ الكلمة، والراكب مواطن بسيط يريد أن يعيش فى سلام مع نفسه ومع الآخرين، والراوى الذى يقوم بالتعليق على الأحداث، يمارس عامل التذاكر سطوته على الراكب «عبده»، ويأكل أوراق بطاقته الشخصية فيراها خضراء وطرية! وبين فزع الراكب، وسخرية العامل منه قائلاً: «هل يأكل أحدٌ ورقة؟/ هذا ما لم نسمع به»، ثم يظهر الراوى مُعلقًا «هذا ليس صحيحًا فألذ طعام للإنسان هو الأوراق، وأشهى ما فى الأوراق هو التاريخ/ نأكله كل زمان وزمان، ثم نعيد/ كتابته فى أوراق أخرى/ كى نأكلها فيما بعد».

وهنا تستثير كلمات صلاح عبدالصبور خيال المشاهد وفكره معًا.

لنتابع أحداث المسرحية فنرى الراكب متهمًا بما لا يصدقه عقل من تُهم، يحاول الراكب أن يدفعها بلا فائدة فيخيره عامل التذاكر بين الموت بغدارة أو بُسم قاتل أو بخنجر، ورغم أنه يخاطبه «يا عبده يا أنبل النبلاء» إلا أنه يطعنه، وينادى الراوى ليحمله بعيدًا لكنه يهرب وهو  يقول: «ماذا أفعل فى يده خنجر/ وأنا مثلكم أعزل لا أملك إلا تعليقاتى»، ومن هذا الصمت يتولد فى نفس المشاهد ألم عميق، ويصبح ما حدث للراكب مسئولية الجميع، كل من شارك بالصمت وبالضحك فى كوميديا تنتهى بفاجعة.

يقول عبدالصبور عن مسرحيته التى كتبها عام 1968، ونشرتها  الهيئة المصرية العامة للكتاب حديثًا: «لست أريد فى هذه المسرحية أن أقدم أشخاصًا بقاماتهم الصحيحة السليمة لكنى أريد أن أقدم نماذج من البشرية، واتخاذ النموذج فى العمل المسرحى يعنى درجة من التجريد تمامًا مثل الفكاهة أو النكتة حيث تجعل محورها نموذجًا يواجه نموذجًا آخر فتكشف بهذا  التجريد لب التناقض».

وكان شاعرنا يؤكد دائمًا أن الشعراء الذين يكتبون للمسرح عليهم ألا يهملوا تقليدًا جليلاً وهو أن يكونوا كتابًا ومسرحيين فى الوقت نفسه كما كان الأسلاف منذ اسخيلوس حتى شكسبير.

وقد استطاع مخرج العرض محمود فؤاد صدقى أن يقدم رؤية شاعرنا ومسرحيته برهافة وعمق، وأسهم استخدام الموسيقى وخاصة الجيتار، والكلارينيت، والمؤثرات الصوتية فى أن تدفع بالمشاهد إلى عتبات الخيال.

وتألق علاء قوقة فى دور عامل التذاكر، وحمدى عباس فى دور المسافر عبده، وياسر أبو العينين فى دور الراوى،ليظل مسرح صلاح عبدالصبور الشعرى ثريًا ومؤثرًا, فهو الذى استطاع أن يُسبغ حالة شعرية على مسرحه لا أن يكتب شعرًا يقف على خشبة المسرح.