الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
د.عبدالعظيم أنيس وذكريات إحسان عبدالقدوس!

د.عبدالعظيم أنيس وذكريات إحسان عبدالقدوس!

اجتذبت «روزاليوسف» مئات الأسماء الناشئة التى تحلم بمستقبل لامع فى عالم الصحافة ليصبحوا بعد ذلك من نجوم الصحافة والكتابة!!



واحد من هؤلاء كان د.عبدالعظيم أنيس أحد كبار علماء الرياضيات المعروفين عالمياً وأستاذ الرياضيات فى جامعات مصر وجامعة لندن، لكنه برز ولمع وعرفنا اسمه ككاتب صحفى متميز على صفحات «روزاليوسف» وغيرها.

حكاية د.عبدالعظيم أنيس مع روزاليوسف تبدأ من معرفته بإحسان عبدالقدوس وكان ذلك عام 1935، وحكى د.عبدالعظيم أنيس الحكاية قائلاً:

 

«رأيت إحسان لأول مرة فى المدرسة، مدرسة فؤاد الأول الثانوية، وكان هو فى السنة الخامسة أو الرابعة - لا أذكر بالضبط - وكنت بالسنة الأولى، وكنا نضرب عن الدراسة ونتظاهر فى شارع العباسية احتجاجاً على تصريحات وزير خارجية بريطانيا «صمويل مور».

 

إحسان عبدالقدوس
إحسان عبدالقدوس

 

كان إحسان فى مقدمة المظاهرة، بينما كنت أنا فى الثانية عشرة من عمرى فى المؤخرة، وانتهت المظاهرة بالتصادم مع البوليس ونجا «إحسان»، بينما وقعت أنا فى أيديهم وقضيت فى حجز الشرطة - قسم الوايلى - يوماً واحداً حتى أفرج عنى بسبب صغر سنى، وعندما عدت فى اليوم التالى إلى المدرسة استقبلت استقبالاً حماسياً من التلاميذ!

ولا بد أن إحسان كان قد تابع هذه الأحداث وتيقن من شكلى المميز تماماً ولأننى عندما قابلت «إحسان» بعد الثورة - يوليو 1952 - فى مكتبه بروزاليوسف بعد سبعة عشرة عاماً من هذه المظاهرات وجدته يذكرنى بها وبحادث القبض عليّ لمدة يوم كامل!

ويمضى د.عبدالعظيم أنيس فى ذكرياته قائلاً:

كان إحسان تلميذاً مرموقاً فى المدرسة، فأمه السيدة «روزاليوسف» الصحفية المشهورة ووالده الأستاذ «محمد عبدالقدوس» الممثل المعروف، بينما لم يكن أحد يعرفنا، ومع أن إحسان لم يكن آنذاك يعرفنى شخصيًا إلا أننى كنت أعرف عن طريق أقربائى من عائلة أمى القاطنين فى حى العباسية الكثير عنه، فقد كنت أعرف أنه يقيم مع عمته فى شارع رضوان شكرى (حيث كان يقيم نجيب محفوظ) سنين طويلة، وأنه ظل يقيم مع عمته السيدة «نعمات رضوان» إلى أن أنهى دراسته الثانوية والتحق بكلية الحقوق فانتقل إلى منزل والدته.

 

د.عبدالعظيم أنيس
د.عبدالعظيم أنيس

 

وظللت أتابع من بعيد «إحساناً» فى عمله الصحفى ومقالاته النارية عن الأسلحة الفاسدة دون أن نلتقى إلى أن عدت من البعثة بعد حصولى على الدكتوراه من جامعة لندن فى سبتمبر سنة 1952، وتم تعيينى مدرسًا بقسم الرياضة البحتة بكلية العلوم جامعة القاهرة، وبدأت أكتب مقالاتى فى الأدب فى صفحة يوم الأحد بصحيفة «المصرى».

وأذكر أننى كتبت مقالاً عن الأدب الواقعى تعرضت فيه بشكل جانبى لقصص إحسان ورأيى السلبى فيها! وإذا بأحد الأصدقاء من العاملين مع إحسان فى روزاليوسف يتصل بى تليفونياً ويبلغنى بأنه يريد أن يرانى، فلما ذهبت إليه فى مكتبه فوجئت به يعرض عليّ الكتابة بانتظام فى روزاليوسف!

وهكذا بدأت صلتى من جديد بإحسان وبالمجلة، وظللت أكتب فيها حتى نهايات عام 1954 وأذكرى أننى قمت بتحرير باب «أدب» فى المجلة بعد انتقال «فتحى غانم» إلى أخبار اليوم.

ويحكى الدكتور عبدالعظيم أنيس عن موقف لا ينساه لإحسان عبدالقدوس فيقول:

حدث فى نهايات عام 1954 أن أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بفصل 42 من أساتذة الجامعات الذين عارضوا النظام بسبب الخلاف حول قضية الديمقراطية وكنت واحداً من المفصولين ووجدت نفسى بلا عمل فجأة وأنا صاحب أسرة.

ولم يمض وقت طويل حتى عرضت عليّ وظيفة مدرس بإحدى كليات جامعة لندن فقبلتها على الفور وسافرت إلى بريطانيا، ومن هناك أخذت أرسل مقالات فى قضايا ثقافية فيقوم إحسان بنشرها فى المجلة مع أنه يعلم أننى من المغضوب عليهم من جانب السلطة!

وفى أحد الأيام وصلنى منه خطاب يقول فيه: إنه حزين لأننى أعمل فى خدمة جامعة بريطانيا، بينما تحتاج مصر إلى من هم مثلي! ورددت عليه قائلاً:

إننى سأكون أسعد إنسان إذا استطاع أن يدبر لى أى عمل فى مصر!

وبعد وصول خطاب كتب إحسان مقالاً طويلاً فى «روزاليوسف» عنوانه «الرجل الذى سرقه الإنجليز» قال فيه عنى كلامًا طيباً قد لا أستحقه ودعا الحكومة إلى إعادتى إلى جامعة القاهرة!

 

 

 

وبعد نشر المقال بأيام كان «إحسان» فى طريقه إلى «باندونج» فى صحبة جمال عبدالناصر، الذى سأله عن المقال وعنى، فشرح إحسان وجهة نظره بالكامل، لكن عبدالناصر ختم حديثه قائلا:

- إن الشيوعيين يضحكون عليك، يستخدمونك يا إحسان!!

ويستطرد د.عبدالعظيم أنيس قائلا:

«وبقيت فى بريطانيا حتى أعلن عبدالناصر تأميم القناة فى يوليو سنة 1956 فقدمت استقالتى على الفور من الجامعة وقررت العودة إلى مصر، وكان إحسان واحداً من أسعد الناس لعودتى، وتوثقت صلتنا من جديد خصوصاً أننى بدأت أعمل فى صحيفة المساء بالقاهرة كمحرر للشئون العربية وأصبحت متفرغاً للعمل الصحفى! وتحولت من أستاذ جامعى إلى صحفى منقطع للعمل فى بلاط صاحبة الجلالة!

وبدأت أكتب فى الشئون العربية وساعد على ذلك أن الجريدة أرسلتنى فى زيارات عربية متعددة، منها مثلا أننى كنت أول صحفى مصرى يدخل قطاع غزة بعد جلاء اليهود عنها فى يناير سنة 1957، كما سافرت إلى الأردن وسوريا ولبنان والعراق واجتمعت بعدد من زعماء تلك البلدان وأدى عملى الصحفى إلى توثيق صلتى بهم.

ويرسم د.عبدالعظيم أنيس صورة بالكلمات عن الأستاذ «إحسان» فيقول:

«تميز إحسان بخصلتين مازلت أذكرهما له وأحسبهما من أجمل شمائله على الرغم من الخلافات السياسية والأدبية التى فصلت بيننا وإن لم تؤثر على صداقتنا, هاتان الخصلتان هما سعة أفقه وشجاعته.

ولعل هذه الوقائع التى سردتها توضح كيف كان «إحسان» مستنيرًا واسع الأفق وشجاعاً فى الوقت نفسه فى الدفاع عن رجل لا يشاركه قناعاته السياسية.

وثمة مثال آخر  يوضح كيف كان واسع الأفق حتى عندما يتعلق الأمر بإنتاجه الأدبى.

أذكر مرة أننى دعيت للاشتراك فى ندوة بالإذاعة بالبرنامج الثانى فى عام 1957 لمناقشة قصته «الطريق المسدود» وكان زميلاى فى الندوة هما «إحسان» وكامل «الشناوى»، وكنت قد أعددت ملاحظاتى النقدية لكى أستفيد منها فى الندوة، لكنى أحسست بأن كامل الشناوى قد استهلك وقت الندوة كله فلم يدع لى فرصة لتوضيح وجهة نظري!

وهكذا كتبت مقالاً عن القصة ونشرته فى صفحة الأدب بصحيفة «المساء» وكان هذا المقال هو الوحيد الذى نشرته فى النقد الأدبى إبان عملى فى المساء وكان مقالاً قاسياً شديد الوطأة على أدب إحسان كله.

وهاجت السيدة «روزاليوسف» وماجت عند نشر المقال، وشتمت كل المحررين اليساريين الذين كانوا يعملون فى «روزاليوسف» آنذاك مع أنهم لا ذنب لهم فيما نشرته أنا من آراء، لكن «إحساناً ظل على صداقته لى ولم يفاتحنى فى كلمة مما نشرت!

ولقد ظللت سنوات عملى فى صحيفة المساء هى أيضاً سنوات ارتباطى الوثيق بإحسان وكامل الشناوى، وكنا عادة نلتقى مساء كل خميس فى صحيفة الجمهورية فى مكتب «كامل الشناوى» وننتظر حتى تصدر الطبعة الأولى من جريدة الجمهورية ثم نخرج نحن الثلاثة للسهر حتى الصباح تقريباً فى فندق مصر الجديدة وكان يشاركنا هذه السهرات أحمد بهاء الدين أو فتحى غانم أحياناً.

وعندما رشحت نفسى للانتخابات عن الدائرة السادسة (الوايلى والعباسية) لم يتردد إحسان وكامل الشناوى فى التوقيع على بيان الكتاب والفنانين الذين دعا الشعب إلى انتخابى، هذا رغم علمهم أن بعض أجهزة السلطة فى مصر لم تكن راضية عن ترشيحى وكانت تسعى سراً وعلناً إلى إسقاطى، فقد كنت مرشح اليسار الوحيد فى هذه الانتخابات وكان نجاحى سابقة لها ما بعدها!!

ثم يروى د.عبدالعظيم أنيس قصة القبض عليه لمدة خمس سنوات وثلاثة شهور إلى أن تم الإفراج عنه فى نوفمبر سنة 1959 ويقول:

«اتصل بى إحسان عبدالقدوس ودعانى للكتابة فى روزاليوسف، وبالفعل عدت للكتابة من جديد فيها إلى أن انتقل الأستاذ «أحمد بهاءالدين» إلى دار الهلال فانتقلت إلى الكتابة فى مجلة المصور معه». وللحكاية بقية!