الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العبور الجنسى

متاهة البحث عن الذات

 بين الحين والآخر، تتداول قضية التحول الجنسى من ذكر إلى أنثى والعكس، وتتناولها السوشيال ميديا أو الدراما والسينما ووسائل الإعلام، فى كل مرة يثير الموضوع الجدل، فيدخل على الخط أطراف يرون أنه لا مبرر لإثارة مثل هذه الموضوعات، وآخرون يهاجمون من يخضعون لتلك الجراحات من دون وجود سبب طبى واضح ويختارون جنسًا آخر غير الذى وُلدوا عليه.



وهناك الكثير من الآراء حول التحول الجنسى، ما بين مؤيد ومعارض، ومدى تقبل الثقافة المصرية والعربية له. 

وقالت الدكتورة رنا خالد، إخصائى الاضطرابات الجنسية، إن الهوية الجنسية، هى تلك الأدوار والسلوكيات الثابتة، المرتبطة بالذكور والإناث، والمجتمع، وفى حال شعور مضطرب الهوية بانفصال شديد عن نوعه، وعدم توافقه بين ما نسب إليه عند ولادته كجنس بيولوچى، سواء ذكرًا أو أنثى، وبين ما يشعر به نفسيًا؛ فهنا يحدث اضطراب للهوية الجنسية، وهو أمر نفسى بحت؛ حيث يشعر الشخص وكأنه مولود بالجسم الخطأ.

 وأوضحت أنه فى حالة عدم القدرة على تحديد نوع الجنس البشرى، من خلال الأعضاء الخارجية؛ فإنه يتم معرفته بيولوچيًا من خلال تحليل الحمض النووى DNA، الذى يحدد الأنثى xx، والذكر xy، وكذلك من خلال تحليل الهرمونات.

 واستكملت: هناك فارق كبير بين اضطراب الهوية الجنسية بالشكل البيولوچى والنفسى، موضحة أن أغلب البشر لديهم توافق بين الجنس البيولوچى والشعور الداخلى بالانتماء إلى عالمهم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، حتى إن تولدت لديهم ميول للسلوكيات التى يقوم بها الجنس الآخر، فبعض الفتيات يمِلن إلى اللهو ببعض الألعاب الذكورية، والعكس مع الجنس الآخر، وهذا لا يعنى وجود اضطراب فى الهوية، ولكن الفرق يكمن فى عدم التوافق الداخلى بين الشخص وعالمه الجنسى، وقد يبدأ ذلك فى سن مبكرة.

 وقالت إن هناك اختلافًًا فى تصنيف الاضطرابات، وربطها بالأسباب الطبية أو النفسية، فليس كل من أصيبوا باضطراب يشعرون بالرغبة فى التحول الجنسى؛ حيث تتباين درجات المرض ما بين خفيفة ومتوسطة وشديدة، وفى الحالة الأخيرة يكون «تحول النوع» هو الحل الأمثل؛ حيث يعيش المريض برضا تام، ولكن البعض منهم يتعرضون إلى موجة من الاكتئاب والقلق الشديدين اللذين قد يقودانه إلى الانتحار.

 أمّا من يشعرون بالاضطراب الجنسى بدرجة من خفيفة إلى متوسطة؛ فإنهم يلجئون إلى الطب النفسى لمساعدتهم على الاستقرار، ومقاومة هذا الشعور.

فوضى  الحريات 

 وأكدت الدكتورة رنا خالد، أن مصطلح «الفوضى والانفتاح الجنسى»، هو ما يطلق عليه عمليات التحول الجنسى تحت دعوى الحريات الشخصية، وتنتشر فى دول الغرب، من دون معايير أو قواعد طبية صارمة، تحت مظلة الحرية الكاذبة؛ حيث تشبه جراحات التجميل، من حيث عدم خضوع المريض للتحاليل الهرمونية أو التصوير المحورى، مما يوضح ما إذا كان هناك أى  التباس فى الأعضاء أمْ لا، فأصبحت عمليات اختيارية فقط لمن أراد أن يتحول.

 وطالبت «خالد» الأطباءَ بالتأكد من وجود درجة عالية من الاضطراب فى الهوية الجنسية لدى المريض،  كشرط أساسى لإجراء جراحة التحول، على أن لا يرجى تحسن حالته عبر العلاج النفسى، بحيث تتم دراسة كل حالة على حدة، وأن تجمع آراء اللجنة العلمية المتخصصة على قرار إجراء الجراحة.

 

د. رنا خالد -  د. محمد صلاح
د. رنا خالد - د. محمد صلاح

 

 دراميًا نرى السينما والوسائط الإعلامية تعرض بعض الأمور الخاصة بقضية النوع الاجتماعى؛ حيث نجد فى بعض المجتمعات إذا كان الجنين أنثى؛ فإن الأب يتخذ قرارًا بإجراء عملية إجهاض، حتى لا تصبح مصدرًا للمشكلات والأزمات من وجهة نظره الشخصية، وذلك تعبير عن الجهل.

لكن هناك قضايا أخرى تخص التحول الجنسى، فأحيانًا تظهر دراميًا أنه توجد حتمية بيولوچية تحدد الأقرب إلى تكوين الشخص ليصبح إنسانًا طبيعيًا.

ونادرًا ما يولد أطفال لديهم ازدواجية فى الأعضاء التناسلية، وتتسبب بعد ذلك فى معاناتهم من اضطرابات فى تحديد الهوية الجنسية، وهؤلاء يمكن علاجهم دون خجل، رُغم وجود بعض الأفكار العقيمة التى تمارس التنمُّر ضدهم، وتجعل هؤلاء المرضى يخافون من مواجهة المجتمع، وهنا يكون الأمر مختلفًا؛ حيث إن الرأى الطبى المرتكز إلى الفحوصات والتحاليل المحددة هو من يملك القرار الصائب، حتى يصبح هذا الإنسان طبيعيًا، قادرًا على التعايش بشكل صحى سليم، قادرًا على الإنتاجية، ويحيا دون اضطرابات نفسية وفسيولوچية، تجعله عائقًا لمن حوله.

لكن بعض المجتمعات الغربية، هى الأكثر إساءة لمصطلح الحرية، ويظهر ذلك حتى فى الأعمال السينمائية؛ حيث يمارس تحت مظلتها الشذوذ الجنسى، بما يخالف الأخلاق والأديان، وتطور الأمر إلى أن رجلين يرغبان فى تكوين أسرة، ثم يستأجران رحمًا لتكوين جنين وإنجاب طفل!

وكانت قصة أول عمل سينمائى غربى يناقش هذه القضية هو «the dying girl »؛ حيث يروى قصة التحول الجنسى من رجل لامرأة، وهى قصة حقيقية لحالة كان لديها الميل النفسى وليس البيولوچى للتحول، ورشح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار.

زواج قريبًا

حالة تحول جنسى شهيرة، أحدثت ضجة قبل سنوات، تواصلت مجلة «صباح الخير» مع أحد أقاربها الذى طلب عدم ذكر اسمه أو اسم الحالة؛ حيث إنها مقبلة على الزواج خلال أيام، وفى طريقها للاستقرار بعد أن نسى الناس حالته، وقال إن والد الفتاة أنجب فتاتين، أعقبهما بطفل ثالث لم يكن واضحًا جنسه بدقة وقت ولادته، ولكنه كان أقرب إلى الأنثى، وكان يتم التعامل معه على هذا الأساس، إلاّ أن الأهل بدأوا ملاحظة تعاملاتها مع الآخرين وحتى سن البلوغ، وتوجهوا بها إلى أكثر من طبيب كان آخرهم طبيب النساء والتوليد؛ لمعرفة أسباب تأخر البلوغ، وهو ما اكتشف أن هناك اضطرابًا فى الهوية الجنسية، بعد إجراء فحوصات محددة طلب إجراءها؛ للتأكد بشكل أكثر دقة.

 وأضاف: لم يكن الأمر سهلاً  فى رحلة العبور التى مر بها، فهناك الكثير من العراقيل التى واجهتهم حتى إتمام الجراحة، وعبور تلك المرحلة الصعبة إلى أن واجههم الروتين فى تغيير الهوية بالبطاقة الشخصية بعد ذلك، وكان أسهل تلك المراحل هو تقبل الأهل الوضع الجديد.

 

 

 

واستكمل: لم تذهب الحالة إلى الطبيب النفسى أثناء فترة الاضطراب، ولا حتى بعد إجراء عملية التصحيح، ولذلك كان أكثر ما يعانى منه هو الخجل فى مواجهة المجتمع، فقبل العملية كان لا يفضل اللعب مع الإناث، ولا ألعابهن، ودائمًا ما يفضل الوحدة، وبعد الجراحة استمر الخجل والعزلة فترة، ولكن مع مرور الوقت بدأ ذلك يتلاشى، وأصبح الآن رجلاً يستعد للزواج فى وقت قريب.

 وقال د. محمد صلاح، إخصائى علم النفس الإكلينيكى، عضو الجمعية المصرية للمعالجين النفسيين: إن التحول الجنسى هو شعور داخلى لدى الفرد بأنه ينتمى إلى الجنس الآخر، رُغم اكتمال سلامة الأعضاء التناسلية، وعدم وجود خلل فى الهرمونات، ولذلك فهى حالات اضطرابات نفسية تؤثر على الجنس، كما أنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للفرد، مما يؤدى إلى الاكتئاب، وقد تصل إلى الانتحار فى حالة عدم الخضوع للعلاج النفسى.  وأشار إلى أن هذه الاضطرابات من الممكن أن تصل إلى مرحلة الشذوذ الجنسى، وقال إن حادث اغتصاب تعرّض له الشخص فى الصغر قد يكون أحد عوامل هذه الرغبة النفسية المرضية، إضافة إلى السلوك البشرى غير السوى لدى الفرد نفسه.

 وأكد أن بعض الأفراد يعانون من اضطراب الهوية الجنسية، وله مؤشرات سلوكية وشكلية، وتختلف درجة حدته من شخص لآخر، وتخضع تلك الحالات للعلاج مع طبيب الصحة الجنسية، فهو التخصص الطبى الذى يتعامل مع الاضطرابات الجنسية أو الأعضاء التناسلية، مثل الخنثى، وكذلك مع حالات التشوهات؛ حيث يهتم بتشخيص وتقييم وعلاج جميع الجوانب التى تتعلق بالجنس البشرى، هذا إلى جانب التأهيل النفسى للمريض.