الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى حضرة النون والكاف

من لوحات طراوى
من لوحات طراوى

فى حضرة سيدة النون تتجلى مقامات «كونى» للفنان التشكيلى «محمد الطراوى» هومزج بين أروقة اللون وعتابات الياسمين كأنك تدخل الى محراب مريمى التكوين تحيط بها هالة نورانية كضوء قمر خجول وهنا نلحظ المجموعة اللونية التى تتودد للسماء فتتقمسها كرداء باللون السماوى الفاتح ويتنوع بين الزرقة الداكنة لتمنح العمل الفنى عمقا ورصانة ،حيث ثنائية الأحمر الداكن الذى يرمز للحياة ويبعث على الديناميكية والقوة والتأثير بين اللون الأزرق الفاتح والداكن الذى يرمز للنبلاء والملوك، ويعد استخدامه هنا محاولة لمغازلة فنون المصرى القديم هذا اللون المصرى القديم الممتد فى خلفية العمل حاضرا فى جدران لمعبد دندرة بقنا حيث يبعث إليك بطاقة من الهدوء والصفاء ليأخذك إلى فضاءات الوجد الإلهى المحيط بتكوين القديسة المريمية التى ربما تحمل بيدها قنديلا لتنير خبيئات النفس أم أنه هى جزء من دراسة لنسيج ردائها، ونرى هنا تلاشى الأرضية لتشعرك أنها تترقى لتظهر فى الخلفية ظلال لها بنسب متابينة.



 

 

التى تعد أحد عناصر التكوين الرئيسة التى يمثلها العمل حيث تطل الوجوه مختفية القسمات فتتخلى عن وظيفتها طوعا فلا تنقل إلينا التعبير من صمت وابتسام أو رفض أو امتعاض أو ضجر أو حب أو شغف أوسيطرة أوغيرة أوفرح أو إقبال.

دأب «الطراوى» على المساكشة فهو يعقد بينة وبين العمل الفنى وبين المتلقى حالة فكرية بصرية عبر مادة الإكريللك يمنحك وجة بلا سمات واضحة ليترك لكلا منا الانطباع عما يود ربما هى محاولة منه للتعبير عن المتلقى أكثر مما يعبر عن أفكاره من خلال تلك الوجوة فبعض الأعمال قدمها «الطراوى» مستخدما أدواته فى تلخيصها وتجريدها والبعض الآخر قام بدراستها بدقة فى مقامات كونى ليحدث بين المتلقى والعمل حالة بحث ومن خلال الجسد وحركة الجسد واليد وتوظيفها كأحد العناصر الرئيسة  تنوعت وتباينت الأعمال التى نرها بمعرضة لخريف عام 2021 المقام بقاعة الباب بدار الأوبرا المصرية.

 

 

بين المتحرك والثبات تطل نون المتأكأة على الشاطيء وكأنها هى البحر ذاته فى تقلباته فهى النجاة والغرق الثورة والهدوء تميزت المجموعة اللونية بالثنائية بين الزرقة والأبيض واستخدم عنصر اليد الواحدة بعض الأعمال أو الأيدين فى بعض الأعمال الأخرى تأكيد على فكرة الوحدة التى تجتلج فى النفس البشرية وتجسدها رمزية يد الإنسان فهى المنبسطة أو المنقبضة هنا لغة الجسد التى تلمح ولا تصرح وتشى بكل ما نتكتم عليه ويظهر فى خلفية العمل شرعان لتستكمل فكرة الثناية والتطلع لما وراء البحررمزية للمستقبل.

 

 

يدلل «الطراوى» على ثقافتة البصرية الأخاذة التى تمثل رافدا مهما لتكوينه الفنى الذى امتد لقرابتة الأربعين عاما منذ التحق بالدراسة فى كلية الفنون الجميلة قسم الجرافيك، وتخرج فيها عام 1980 بالزمالك حيث امتلك والده  مكتبا هندسيا بالشراكة مع شركات أجنبية مما كان له أثر فى نشأته وانفتاحه على ثقافات مغايرة منذ البداية، يعد معرض «كونى» فلسفة بصرية تستكمل مسيرة «الطراوى» المزدحمة بالتجارب الفنية والإنسانية الثرية فاستطاع فى وطن مليء بالمواهب والقامات الفنية أن يحجز مقعدا مميزا له يحمل توقيعه  تلحظ فيه التكنيك والأسلوب الفنى يعتمدان على التجريد وتأثره بالمدرسة التأثيرية ممزوجة بمفردات المدرسة التكعبية فى بعض الأعمال فالتكوين فريد يخلو من التعقيد ويتميز بالسلاسة ويظهرتأثير البيئة المصرية فى ريف مصر على اختيار الزى التقليدى للمرأة الطرحة والجلباب فى الكثير من الأعمال واستخدام عناصرالطبيعة كالورد البلدى، والفاكهة بألوانها المبهجة وأشار للمرأة العصرية التى تعزف على آلة التشيللو وتمسك بالورد وتميزت بالرومانسية، والتناغم بين الدرجات اللونية ورمزيتها للحياة ونسب الجمال بها. 

اختار الطراوى «الألوان المائية، الوتر كلار» التى تتميز بالسرعة والدقة والتشعب فيفترش اللون المساحات ويملأها بهجة وهذا الوسيط المائى يتسرب فى هدوء وسلاسة لكنهئ أيضا يقتضى المهارة والتركيز ثم استخدم مادة الإكريلك التى تتميز بالجرأة والوضوح وهذا ما يميز أعمال «الطراوى» نجد معرض كونى المقام فى قاعة الباب  حدثا فنيا كبيرا فقد عكف «الطراوى» عامين منذ الجائحة للاحتماء من أخبار كوفيد 19 بالأتيليه الخاص به لا يغادره إلا للمنزل فى رحلة البحث عن الكاف والنون وما بينهما كم بحثنا جميعا فى سر الكاف النون وما بينهما كونى حرة كونى ذاتك كونى كون لا شك أن المرأة والحرية والفن متلازمات فالحرية تجعل الروح مبدعة خلاقة محبة والفن محاولة الإنسان فى التعبير عن ذاته وإعمار الأرض بكل جمال وإبداع.

فهنيئا  لنا الطواف فى ردهات قاعة الباب لندخل حضرة مقامات كونى.