الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
«سالب واحد».. روعة شباب المبدعين

«سالب واحد».. روعة شباب المبدعين

انتبهت الدولة لقضايا المعاقين، وأطلق سيادة الرئيس عام 2018 عاماً لذوى الإعاقة، وكان لهذا الاهتمام أثره على التشريعات التى خرجت للنور، وكذلك لفت انتباه المبدعين للتركيز على مثل هذه القضايا المهمة والتى يعانى منها حوالى 10 بالمائة من سكان الجمهورية، مما كان له أطيب الأثر على كيفية التعامل والاحتواء وتقدير عوائل هؤلاء. ولأن الإبداع محرك حقيقى لوجدان البشر وقد يمتد تأثيره فى الروح قبل العقل مخاطباً ثنايا وخلجات النفس البشرية فقد كان العرض المسرحى «سالب واحد» بالنسبة لى مفاجأة بكل المقاييس، ليس فقط لتميز العرض رغم بساطة تكاليفه الإنتاجية والتى تحملها المعهد العالى للفنون المسرحية، ولا لمجرد التعامل مع قضية نبيلة تعاطفنا معها وبكينا فى نهاية العرض لشدة التأثر والتعايش مع حالة إنسانية راقية، وكذلك ليس لاكتمال عناصر العرض والذى قلما نجده فى عروض احترافية، حيث تكاملت كافة العناصر المسرحية من سينوغرافيا تؤصل للعرض المسرحى فجاءت الإضاءة معبرة للغاية.



أما الديكور فرغم بساطته إلا أن عبد الرحمن خالد أبدعه بعبقرية حين وظف الأسلاك لتعبر عن أعصاب الإنسان والحالة التشريحية الدماغية للمخ وأيضاً استخدام الكرسى المتحرك والعجلة والدلالات الرمزية فى التكوينات مما كان لها أثر جمالى على المتلقين والموسيقى الراقية المتماشية مع التفاعل الدرامى للأحداث.

ولكن سبب مفاجأتى متعة الإبداع لشباب متحمس لطرح مشكلة حقيقية تغول فى النفس البشرية ويصعب على البعض احتواؤها، فتم طرحها بملاحقة لمشاعرنا وسلوكنا لتأجيج أرواحنا تجاه قضية موجعة بمنتهى البراعة والإبهار لأبطال العرض والذين تم تسكينهم باقتدار.

فرغم الحرفية والمهارة لسالى سعيد ومصطفى رشدى وعبد الرحمن محسن ومصطفى عبد الهادى ويارا المليجى،إلا أننى لا بد أن أتوقف عند عبقرية أحمد عباس الذى أبهر الحضور  بأدائه المتمكن والذى يمثل صعوبة حقيقية للتعايش والاندماج داخل هذا الدور وتعاطيه مع الفكرة ذاتها طيلة العرض دون أن يشعرك بملل أو تصنع مفتعل، دور غاية فى الصعوبة بالتأكيد ساعده تكوينه الجسدى لكن حرفيته ومهارته التمثيلية تستحق الإشادة والتقدير.

مشاعر مختلطة بين الحب والرفض والحرمان والقهر والخجل والشفقة والحزن والخوف والأمل تنسحق فى مخيلتك لتبعث لديك حالة يصعب تكرارها. فما بين دفء المشاعر وقسوتها جسر تملؤه مشاعر الأبوين باختلاف طبيعة كل منهما وما لها من دلالات. وصولاً بإشارة مهمة تؤكد عدم قدرة احتواء المعاق, دليلا على الإعاقة الذاتية التى تعجز عن الاحتواء الإنسانى. عرض زاخر بالسمات الجمالية التى خاطبت وجداننا كجمهور متلقى بمنتهى الجاذبية ورهافة الحس وحقق لنا متعة روحية وعقلية.

وإن كان العرض حصل على عدة جوائز إلا أن الجائزة الحقيقية هى الإعجاب الشديد والتقدير من الجمهور الذى ينتقى كل ما هو جميل.

فخر تملكنى وسط الجمهور لانتمائى لأكاديمية الفنون العريقة التى أفرزت هؤلاء المبدعين الذين رسموا لوحة درامية إبداعية تجلت فيها الحالة السمعية والبصرية والروحية بحرفية عبد الله صابر الذى ينبئ عن بداية مخرج مسرحى ولد كبيراً.