الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى عيد الأوبت

فــى البــدء كانــت مصــر

يترقب العالم أجمع الاحتفالية العالمية الكبرى التى ستقام بعد غد «الخميس» بمدينة الأقصر لافتتاح «طريق المواكب الملكية» المعروف باسم «طريق الكباش» والذى يربط بين معبدى الكرنك والأقصر ومعه تمتلك مصر أكبر متحف مفتوح بالعالم، وأكبر موقع أثرى يضم آثار يحكى تفاصيل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بسكان طيبة عبر العصور، ويتزامن هذا التوقيت مع «عيد الأوبت» الفرعونى تأكيدًا على إحياء الغرض الأساسى من الطريق عند المصريين القدماء.



وسوف يتم الاحتفال بإحياء «طريق الكباش» كأحد أهم المشروعات القومية التى توليها الدولة أهمية كبرى ، وتستعد له  وزارة السياحة والآثار، منذ فترة طويلة ليخرج احتفال عالمى يليق بصورة مصر أمام العالم أجمع وبحضور قيادات ومسئولى الدول والسفارات من حول العالم، ليضاهى الاحتفالات العالمية لدعم حركة السياحة والآثار بمدينة الأقصر التى تحمل علامة التراث فى العالم، فالمشروع يعد نقله حقيقية فى التنمية السياحية والثقافية فى صعيد مصر. 

الطريق الملكى

يعد «طريق الكباش» الملكى من أعظم الأعمال التاريخية، فهو ممر عالمى لم يسبق له مثيل، وكان ذا أهمية كبيرة عند المصريين القدماء، ومسمى «طريق الكباش» هو الاسم الدارج له، أما الاسم الصحيح فهو «طريق المواكب الكبرى»، لأن ملوك مصر القديمة كانوا يستخدمونه فى الاحتفالات والطقوس الدينية، وخاصه فى «عيد الأوبت» بموسم الفيضان فى عهد الدولة الحديثة وما بعدها، بإقامة موكب احتفالى كبير ينتهى بلقاء «آمون رع» من الكرنك مع «آمون» الأقصر.

بدء بناء «طريق المواكب» فى (الأسرة 18) الثامنة عشرة واشترك فى بنائه العديد من الملوك إلى أن أقيم فى ( الأسرة 30) الجزء الأكبر منه، ومن أشهر الملوك الذين اشتركوا فى بنائه الملك  «توت عنخ آمون، آى، حور محب، رمسيس الثالث». 

ويتكون الطريق من رصيف من الحجر الرملى يمتد من معابد الكرنك شمالا إلى معبد الأقصر جنوبا مرورا بمعبد موت، ليبدء من معابد الكرنك شمالا ثم يمر جنوبا على مسافة 300 م بمعبد موت، ثم يتجه ناحية النيل بالغرب، ثم ينكسر مباشر إلى المحور الجنوبى بطول حوالى 2كم حتى يصل إلى معبد الأقصر.. بأجمالى أطوال حوالى 2700 م.

 

 

تتراص على جانبى الطريق البالغ طوله 2،700كم  وعرضه 76م،  1200 تمثال فى المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد موت، أخذت التماثيل هيئتين: الأولى (أبو الهول) أى جسم أسد برأس إنسان، والثانية بجسم ورأس كبش، نحتت هذه التماثيل من كتلة واحدة من الحجر الرملى، وتتخلل قواعدها أحواض زهور دائرية مزودة بقنوات صغيرة استخدمت فى توصيل مياه الرى للأحواض. 

وقد تم إضافة بعض الملحقات للطريق فى عصور مختلفة، مثل: استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار، ومخازن لحفظ أوانى النبيذ، ومعاصر للنبيذ المستخدم فى الاحتفالات الكبرى التى كانت تقام على الطريق مثل «أعياد الأوبت» و«عيد الوادى الجميل» وغيرها.

شهد «طريق المواكب» بتماثيله الشامخة الكثير من الأحداث على مر العصور المختلفة، فقد تدمر بعضها بفعل عوامل الزمن ومرور آلاف السنين عليها، وسرق الآخر، وبدء الطريق فى الاندثار تماما خاصة بفعل التعديات التى قامت عليه ببناء المواطنين منازلهم ومنشآتهم على الطريق، ليصبح «طريق المواكب» مدفونا تحت الأرض لقرون طويلة.   بدأت أعمال الحفائر «بطريق الكباش» بعد أن ظل مجهولا لقرون طويلة فى نهاية الأربعينيات من القرن العشرين بواسطة الأثرى «زكريا غنيم» 1949 ، حين كان ينقب عن الآثار فعثر على 14 كبش، تبعه «د. محمد عبدالقادر» الذى اكتشف بداية الطريق عند معبد الأقصر فى الخمسينيات، ثم قام «د. محمود عبدالرازق» بالكشف عن أجزاء من الطريق عند معبد الأقصر خلال حقبة الستينيات فعثر على 64 كبش آخرين، وبعد فترة توقف قام «د. محمد الصغير» بالكشف عن أجزاء مختلفة من الطريق فى منتصفه وعند بدايته بجوار معبد الكرنك خلال الثمانينيات والتسعينيات حتى بداية الألفية الثالثة. تلاه «د. منصور بريك» الذى قام بالكشف عن باقى أجزاء الطريق وتحديد مساره الأصلى القديم بدقة خلال الفترة من 2006 حتى 2011 إلى أن توقف العمل بعد ثورة يناير لنقص الاعتمادات المالية.

 

 

التحدى الكبير

عاد العمل مرة أخرى بمشروع «طريق الكباش» لدائرة الضوء عام 2018 عندما قررت الدولة بإرادة سياسية قوية أن تخوض التحدى الكبير وتوفر له الإمكانيات المادية والفنية، وبالفعل تمت إزالة التعديات التى كانت قد أقيمت فوق المسار الأثرى لمئات المبانى من بيوت و مساجد وكنائس و مبانى حكومية وتعويض اصحابها بأماكن بديلة، بعدها بدأت أعمال الحفر الأثرى المتخصص، واتضحت معالم الطريق الأثرى القديم شيئا فشيئا حتى خرج للنور مرة أخرى، وبدأ ترميم الطريق والكباش التى كانت فى حالة يرثى لها، ولكن بمجهود وتميز المرممين المصريين نحجت البعثة المصرية فى مهمتها بإعادة تلك الكباش لحالتها الأصلية. 

كما أسفر العمل بالحفائر  بـ«طريق الكباش الفرعونى» خلال أعمال الترميم عن ظهور بعض الكباش فى منتصف الطريق كانت أسفل بعض المنازل التى أزيلت مؤخرا لأستكمال المشروع، كما تم الكشف عن الملحقات القديمة للطريق وهى (نموذجان متكاملان من معاصر النبيذ وتعتبر من أكمل نماذج النبيذ التى تم الكشف عنها مؤخرا، كذلك تم الكشف عن مقياس للنيل وكان يستخدم لقياس منسوب النيل عبر المواسم المختلفة، ومناطق صناعية كثيرة لصناعة الفخار منها صناعة الأوانى الفخارية التى تستخدم فى حفظ النبيذ، وصناعه أنابيب فخارية الغرض منها توصيل المياه لأحواض الزهور الموجودة ما بين قواعد التماثيل المتراصة على الجانبين، أيضا الكشف عن بعض المقاصير المخصصة لاستراحات الزوارق المقدسة). 

بعد أن تم الانتهاء من ترميم «طريق الكباش» بالكامل تمت إتاحته للزيارة عن طريق تمهيد الممشى ورفع كفاءة الطريق بعمل تشجير، إضاءات ليلية، تركيب حوائط للسور المحاط به، تزويد الطريق بعدد من اللوحات الإرشادية تم تصميمها بمواد مقاومة لأشعة الشمس، كما تم تحديد أماكن الزيارة الجاذبة على الطريق وتجهيزها لتكون معرضا للصور النادرة من القرن 19 والتى تروى تاريخ معابد الكرنك والأقصر، وطريق المواكب الذى يربط بين المعابد وأهم الاكتشافات الاثرية وصور ومناظر للأعياد والاحتفالات التى كانت تقام فى العصور القديمة، كما تم تزويد هذه الصور ببطاقات تعريفية وعمل كيو آر كود (QR Code) لها لتحويل الزائر على الموقع الالكترونى للوزارة لمزيد من المعلومات عن الصور والمعرض والطريق. ولن يحتاج الزائر للسير فى طرق حديثة ذهابا وإيابا من معبد الكرنك لمعبد الأقصر، بل سيظل محتفظا بأجواء أثرية. 

بالتوازى مع ذلك أيضا، تم ترميم «معبد الكرنك» لإزالة الاتساخات وعوامل التعرية التى حدثت له عبر مئات السنين، كما تم إعادة الألوان الأصلية للنقوش الأثرية المحفورة على أعمدته الضخمة. 

سوف ينطلق الحفل الأسطورى بإحياء «طريق المواكب» أو «طريق الكباش» من معبد الكرنك مرورا بطريق الكباش وصولًا حتى معبد الأقصر،  حيث المنصة الرئيسية ومكان تواجد كبار الزوار من قادة وزعماء الدول والشخصيات العامة، ويضم الموكب عددا من المركبات الفرعونية والعجلات الحربية وأكثر من 400 من الشباب والفتيات الذين يرتدون الزى الفرعونى فيما ترتدى الفتيات تيجانا فرعونية، وسيسير هذا الموكب الفرعونى المهيب على أنغام «ترتيلة آمون» الشهيرة ، وسيشهد الحفل ويقوم بتغطيته إعلاميا كل وكالات الأنباء المصرية والعربية والأجنبية.

 

 

كذلك سيتضمن الحفل إقامة مسرح كبير على البحيرة المقدسة داخل معبد الكرنك لتنفيذ بعض العروض الاستعراضية فى حالة بهيجة، حيث يستخدم منظمو الحفل مركبة أو «لانش نهرى» داخل البحيرة للتنقل وتركيب المسرح وإقامته أعلاها، ليكون بذلك أول مركب ينزل هذه المياه منذ 4000 عام.

وبالاضافة لكل ما سبق سيتضمن الحفل الكبير عرضا للبالون الطائر الذى سيتم تصويره بواسطة طائرات «درونز»، أثناء إقلاع وهبوط البالون فى سماء البر الغربى،  وذلك بمشاركة 15 شركة من شركات البالون الطائر، كما سيتم تسيير عدد من المراكب النيلية التى تحمل بعض اللافتات المزينة بشكل معين للمشاركة فى الاحتفالية الكبرى لطريق الكباش من خلال تنفيذ بعض العروض فى المياه بشكل مبهج بحيث يشاهدها الكثير من الأهالى والحضور والمارين بهذا الطريق على طول كورنيش النيل بمدينة الأقصر.