الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ضـربة فـى قلـب المتربصيـن

الرئيس السيسى خلال تسلمه تقرير التنمية البشرية
الرئيس السيسى خلال تسلمه تقرير التنمية البشرية

كثيرة هى الأحداث والقرارات التى تشهدها مصر حاليًا، وتُوصف بأنها «تاريخية»، فما بين تسارع غير مسبوق للتنمية فى كل المجالات والمحافظات، إلى إجراءات هى الأوسع فى التاريخ لتحديث مؤسسات الدولة، وامتلاك القدرة الشاملة على جميع المستويات، كلها أمور تستحق عن جدارة أن تكون تحولات تاريخية لأقدم دولة فى العالم.



وجاء قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإلغاء حالة الطوارئ، بما يمثل قرارًا تاريخيًا، يضع حدًا لحالة تكررت فى التاريخ المصرى على فترات متقطعة وأخرى متواصلة طيلة 140 عامًا، وليس كما يعتقد منذ عام 1958.

 

نهضة متحفية فى ربوع مصر
نهضة متحفية فى ربوع مصر

 

 

فقد بدأت تجربة البلاد مع الأحكام والقوانين الاستثنائية مع الاضطرابات التى سبقت الاحتلال البريطانى للأراضى المصرية عام 1881، مرورًا بالعديد من الأحداث الصاخبة؛ سواء باستهداف الأراضى المصرية عبر أشكال متنوعة للعدوان، وصولًا إلى استهداف البلاد عبر أدوات الإرهاب والتطرف.

حمل القرار التاريخى بإلغاء حالة الطوارئ الكثير من الرسائل والدلالات، كما يحمل بشائر صفحة جديدة تكتب فيها دولة 30 يونيو إنجازًا جديدًا يدفعها بثبات وثقة إلى تدشين الجمهورية الجديدة التى تسود فيها دولة القانون، وتعلو فيها الحريات، ويتمتع على أرضها الإنسان المصرى بثمار صبره وعائد كفاحه من أجل وطن مستقر ومستقبل أفضل.

حماية البلاد

ربما يتطلب فهم مغزى وقيمة إلغاء حالة الطوارئ، أن نتوقف قليلًا أمام فهم طبيعة تلك الحالة، ولماذا فُرضت؟ وما قيمة إلغائها؟

فبحسب الدستور الحالى، تنظم المادة (154) إعلان حالة الطوارئ فى البلاد، استنادًا إلى القانون رقم (162) لعام 1958، وتخول لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقًا، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها.

ونصت المادة على أن تعلن الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثى نواب الشعب. موضحة أن رئيس الجمهورية هو من يعلن حالة الطوارئ، وهو من يعلن انتهاءها، كما ينتهى العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارها.

وبحسب نص قانون الطوارئ، فإن الحالات التى يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، تشمل الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعنى تعرض الأمن العام فى أراضى الجمهورية أو مناطق منها للخطر.

الأمر إذن مرهون ومرتبط بمبررات وحالات محددة، ولا يمكن أن تكون «الطوارئ» هى القاعدة، وإن رفعها هو الاستثناء، لذلك فإن أول المكاسب التى تحققها البلاد من قرار رفع حالة الطوارئ، هو العودة إلى الأوضاع الطبيعية، لتعود صفة الاستثنائية لحالة الطوارئ.

قيادة واثقة ومؤسسات قادرة

لا يخلو الأمر من العديد من الرسائل القانونية والحقوقية والسياسية، فعندما يلجأ رئيس دولة إلى التخلى عن قانون يمنحه ومؤسسات الدولة المختلفة صلاحيات مطلقة فى التعامل مع كل ما يمكن اعتباره تهديدًا لأمن واستقرار الدولة، فنحن إذن أمام قيادة تثق فى نفسها، وتؤمن بقدرتها على إدارة دفة الأمور دون الحاجة إلى قوانين استثنائية؛ بل إنها من الأصل لم تلجأ إلى فرض حالة الطوارئ إلا بهدف حماية البلاد من خطر الإرهاب، وعندما وصلت عمليات «طيور الظلام» حدًا لا يمكن التعامل معه إلا باستخدام قبضة الدولة القوية، بكل ما تحمله من قدرات أمنية وعسكرية وقانونية، وهو ما أثبت أنه كان ضرورة للوصول إلى ما تحقق اليوم من حالة أمنية مستقرة، وتحجيم المخاطر الأمنية إلى أقل مستوى.

 

استصلاح مئات الأفدنة بالمشروع القومى بتوشكى
استصلاح مئات الأفدنة بالمشروع القومى بتوشكى

 

مصداقية الدولة

إلغاء حالة الطوارئ أيضًا يكشف بُعدًا لا يقل أهمية، وهو مصداقية الدولة، فدولة 30 يونيو التى قامت فى المقام الأول بإرادة شعبها، وبحكمة ومصداقية قيادتها، وبتضحيات رجال جيشها وشرطتها، ولا تعرف سوى لغة الوضوح والمكاشفة، لم يكن هناك سبيل سوى الصدق والالتزام بمقتضيات الدستور، فعندما زال الخطر الذى استوجب فرض حالة الطوارئ الشاملة منذ أبريل 2017 بعد هجمات إرهابية سوداء استهدفت كنيستين بطنطا والإسكندرية، لم يعد الآن بعد تمام استقرار البلاد لبقاء حالة الطوارئ مبرر.

ويدفعنا الحديث عن زوال المبرر إلى الإشارة إلى بُعد مرتبط، ألا وهو استعادة قدرة الدولة الشاملة، ونجاح استراتيجيتها فى مكافحة الإرهاب.

مع التأكيد على أننا لم نصل إلى ذلك النجاح إلا عبر تضحيات بطولية لخيرة رجال الوطن من القوات المسلحة والشرطة، وصبر ومساندة من حاضنة شعبية لا تقل بطولة لجموع المواطنين المصريين، الذين انحازوا لوطنهم، ووثقوا فى قيادتهم، ووقفوا وراءها فى لحظات صعبة، حتى استطاع الوطن العبور من دوائر الخطر إلى آفاق الأمان والاستقرار.

أضف إلى ما سبق اعتبار قرار إنهاء الطوارئ إعلانًا عن انتصار مصر الحاسم فى معركتها ضد الإرهاب، لكننى أميل إلى أن أقول إن الخطوة أكبر من مجرد إعلان أو إشارة إلى حسم معركة، حتى ولو كانت معركة كبرى بحجم وقيمة مكافحة الإرهاب، والقضاء على ما تبقى من جحور تيارات التكفير  والتخريب، وإسقاط مخططات الفتنة، وهو انتصار -لو تعلمون عظيم-، لكن إلغاء الطوارئ يأتى كجزء من استراتيجية أكبر هى بناء الجمهورية الجديدة التى تعتمد على أسس المدنية والحداثة ودولة القانون، وبالتأكيد التصدى للإرهاب والقضاء على منابعه المسلحة والفكرية والتمويلية تمثل أولوية قصوى، لكنها ليست كل شىء، فالقضاء النهائى على الإرهاب يشمل كذلك إعادة بناء المنظومة الفكرية والقانونية والمجتمعية للبلاد، بما يضمن بناء حصون دائمة وإكساب المجتمع مناعة وقائية مستقبلا ضد مثل تلك الجماعات والأفكار الظلامية.

 

كوبرى قصر النيل بعد التطوير
كوبرى قصر النيل بعد التطوير

 

استراتيجية وطنية

لعل المتأمل لمسار القرارات والتحركات الرئاسية خلال الأشهر الأخيرة يستطيع أن يستشف بوضوح أن نهج تعزيز البنية الفكرية  والحقوقية وإرساء دعائم بناء الإنسان المصرى باتت تسير بخطى متسارعة وواثقة، وبمعدلات لا تقل عن النمو غير المسبوق فى مشروعات التعمير فى كل ربوع مصر.

تأملوا على سبيل المثال رمزية إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وما تمثله من تطور لمنهج الدولة فى التعاطى مع قضية أرادها البعض أن تكون شائكة، أو وسيلة للى ذراع الدولة ومحاولة الضغط عليها من هذا الجانب، فإذا بالدولة المصرية تفوت الفرصة على المتربصين، وتطلق ذاتيًا وطوعيًا استراتيجية وطنية طموحة لمدة خمس سنوات لتعزيز مختلف الحقوق الإنسانية الأساسية.

الأمر إذن منهج شامل تلزم الدولة المصرية والجمهورية الجديدة نفسها به، قوامه تعزيز مسئول للحريات العامة وإرساء منظومة احترام حقوق الإنسان عبر تحولات مدروسة وخطوات حقيقية على الأرض.

ويأتى إلغاء الطوارئ ليمثل تفعيلًا حقيقيًا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وأتصور أن خطوات لا تقل أهمية ستأتى على نفس الطريق تصب باتجاه مزيد من الانفتاح للمجال العام والحوار والتنافس السياسى والفكرى الفعال، الذى يستهدف تنويع الرؤى وإتاحة التعبير عن مختلف الآراء، طالما التزمت بأسس المدنية الحديثة، واستهدفت المصلحة العامة.

مكاسب دولية

ويحقق قرار إلغاء حالة الطوارئ مكاسب على المستوى الدولى، فمصر تتحرك بثقة كبيرة على الساحة الدولية، وتراكم الإنجاز تلو الآخر؛ ليس فقط بفضل تحركاتها وقدرتها على التعامل مع ملفات شائكة مثل ملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، والملف الليبى، وأمن البحرين المتوسط والأحمر، وتدفع بعلاقاتها مع مختلف القوى الإقليمية والدولية إلى آفاق أرحب، لكنها أيضا تبعث برسائل مهمة وعالية الصوت عن حجم التغير الذى تشهده البلاد.

فمن يتابع أصداء إطلاق تقرير التنمية الإنسانية لعام 2021 بالتعاون مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، يدرك أن العالم بات ينظر إلى مصر بصورة مختلفة، يضاف إلى ذلك قرار استئناف الرحلات من دول عدة كانت متوقفة على مدى سنوات لذرائع شتى.

الآن تأتى مصر لتعزز تلك الصورة الإيجابية بإلغاء التدابير الاستثنائية التى تكفلها حالة الطوارئ، رغم إدراك الدولة المصرية لحجم وطبيعة التحديات التى يعيشها الإقليم، لكن الرسالة واضحة، ومفادها أن الأمر فى مصر بات مختلفًا، ومؤسسات الدولة قادرة على مواجهة جميع التحديات دون الحاجة إلى قوانين استثنائية، وهى رسالة مدعومة بإجراءات وحقائق على الأرض يفهمها جيدًا من يهتمون بشأن هذه المنطقة الساخنة من العالم. صفعة للمتربصين

أبرز المكاسب السياسية فى تقديرى، أن إلغاء الطوارئ مثل فضحًا جديدًا لأولئك المتربصين وأصحاب النظارات السوداء وأعضاء حزب «ولكن».

هؤلاء الذين كانوا لا يألون جهدًا فى الهجوم على مصر، والاصطياد فى الماء العكر، ويبيتون ليل نهار على شاشات القنوات المعادية، والمواقع المسمومة ينتقدون التدابير الاستثنائية فى مصر، ويتعامون عن رؤية التحديات الأمنية بالغة الخطورة التى تواجهها الدولة.

وعندما جاء قرار إلغاء الطوارئ، أداروا مؤشر الهجوم إلى موجة جديدة، فحاولوا التقليل من القرار دون أن يدركوا أنهم بهجومهم هذا إنما يمتدحون من حيث لا يعلمون الدولة المصرية وقيادتها السياسية.

حاول أولئك المتربصون التقليل من قيمة وأهمية القرار الرئاسى بالقول أن المواطن المصرى لن يشعر به، وأن هدف ذلك القرار بث رسائل للخارج أكثر من الداخل، والحقيقة أن تلك إشادة كبرى وميزة يستحق أن تفخر بها الدولة المصرية على طريقة «إذا أتتك مذمتى من ناقص»، فما ظنه أولئك المتربصون هجومًا، يحمل اعترافًا ضمنيًا بأن الدولة لم تستخدم قانون الطوارئ ضد مواطنيها، وأن تلك الإجراءات الاستثنائية لم يشعر بها المواطن العادى، لأنه لم يكن هو المستهدف منها؛ بل كان المستهدف هو قوى الشر وخفافيش الإرهاب، وبالتالى فإن جموع المصريين لم يستشعروا تضييقًا أو مساسًا بحرياتهم العامة خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما يمثل نجاحًا إضافيًا يزيد من قيمة وأهمية قرار إلغاء حالة الطوارئ بعدما استنفدت أهدافها.

إنهاء الطوارئ، سيبقى لحظة فارقة فى مسار هذا الوطن، ونقطة مضيئة سيتذكرها المصريون المخلصون لسنوات طويلة مقبلة، كما سيكون بداية لـ«صفحة» جديدة يقرؤها العالم عن مصر، بقدر ما هى «صفعة» كبيرة على وجوه المشككين والمتربصين.