السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
خطاب ثقافى بعباية سودا

خطاب ثقافى بعباية سودا

مهرجان الجونة وفساتينه وريشة ومحمد رمضانه؛ الشيخ عطية مبروك والزوجة «المجنزرة» التى «غزها» زوجها بسكين وضربها بـ«ملة السرير» ولقمة العيش من بيع الممنوعات التى يكسبها و«طيبة قلبه» حيث يأتى بـ«الأكل الحلو» للعيال ما يعنى أنه زوج يمكن تقويمه حتى لا تخرب الزوجة المبالغة فى الشكوى بيتها؛ وآلاف من جرعات اللقاح ضد فيروس كورونا القاتل التى وجدت ملقاة إلى جوار ترعة فى الصعيد لكن ربنا أمر بالستر فراحت وراح معها سؤال «من الفاعل؟»؛ صراع البوركينى المحتدم وإصرار البوركينيات على غزو المسابح والشواطئ من كل حدب وصوب رافعات راية «حرية الاختيار» رغم أنف طبيعة المكان واختيار أصحابه لمقوماته وإلا أصبحوا فى مرمى العنصرية والطبقية ومنها إلى «أعداء الدين» و«كارهى المتدينين» والقائمة الحافلة بعنصر ومصادر ومحركات الشد والجذب التى تحرك وتتحكم وتهمين وتسيطر على المجتمع المصرى كثيرة. 



وبالإضافة إلى كثرتها، تبدو غير مترابطة أو غير ذات صلة للوهلة الأولى. لكن ببعض التدقيق يتضح أن كل ما سبق وغيرها الآلاف من الأحداث والحوادث الصغيرة والكبيرة التى مرت علينا ومررنا عليها طيلة العقد الماضى يجمع بينها ثالوث قاتل: الانتقاء والحوار (أو بالأحرى انتفاء سمة الحوار) والأفغنة. 

أما الانتقاء فهو قيام كل طرف بانتقاء معاركة وإخضاع كل ما يجرى حوله لقاعدة الشخصنة والتحيز والتمييز.

فهذا يصرخ مطالبًا بحرية الاختيار على مدار عشر سنوات، فإذا بغزوة البوركينى وإصرار ثلة من الشابات على فرض ملابسهن على أماكن وقع اختيار أصحابها وروادها على كود ملابس آخر، فإذ بصراخ «حرية الاختيار» ينقلب إلى العنصرية الممارسة على المحتمشات والتمييز لصالح العرى والفسق والفجور والبيكينى، رغم أن الوجه الآخر للـ«بوركينى» ليس البيكينى، ورغم أن حرية الاختيار يفترض أنها مكفولة للجميع، ورغم أنه يفترض أيضًا أن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تم إلغاؤها فى منبتها فإذ بنا نعتنقها ونتمسك بتلابيبها.

  وأما الحوار، فهو فى الأغلب «حوار الطرشان» مع كامل الاحترام لفاقدى السمع والكلام الذين يتواصلون بلغة الإشارة الحافلة بإمكانات الحوار الحقيقى. أغلب حواراتنا على مدار العقد الماضى «مونولوج» ولا مجال للديالوج.

نحن لا نسمع سوى أنفسنا، وإن صمتنا أثناء حديث الطرف الآخر، غالبًا يكون صمتًا بغرض الاستعداد للهجوم وليس الرد أو التفكير فيما يقول. 

والحقيقة أن كلا من الانتقاء وانعدام لغة الحوار وثيقا الصلة بنوعية الخطاب الثقافى الذى ارتدى عباءة سوداء فى سبعينيات القرن الماضى ونجح نجاحًا ساحقًا فى أفغنة المجتمع المصرى. والأفغنة هنا كلمة رمزية لا تتعلق بالإسلام السياسى أو بالدين بقدر ما تتعلق بتربية وتنشئة أجيال بأكلمها على أساس «لا تجادل ياأخ على».

 

فأصحاب السطوة الدينية اختاروا وانتقوا فى التفسير واستحوذوا على حقوق الملكية الدينية. لذلك انتقاؤهم موضوعات الحياة وفتاوى تفاصيلها أصبح شبه مقدس. وما هو مقدس غير خاضع للحوار من الأصل. وحين تربى أجيالًا على قيم الانتقاء وانعدام الحوار وإلا عشت حياتكم حاملًا وزر الخروج من الملة وذنب معاداة الدين، ينجم عن ذلك «أفغنة» المجتمع حتى يصبح قادرًا على حمل راية رفض الآخر وكراهية الحوار والدفاع عن الأفغنة دون مجهود يذكر من أصحاب السطوة الثقافية المرتدية عباءة سوداء.