السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ماذا يحدث لو ..  غلطنا فى البخارى؟!

أيام بعد الرسول ـ الحلقة الرابعة

ماذا يحدث لو .. غلطنا فى البخارى؟!

لما دخل الفرنسيون مصر، لاحظوا قداسة صحيح البخارى غير مبررة لدى المصريين. روى الفرنسيون فى «وصف مصر» كيف أن المصريين خلال ثورة القاهرة الأولى، دخلوا الجامع الأزهر يقرأون «صحيح البخارى» خوفًا وتضرعًا إلى الله من قنابل الفرنسيس. 



لاحظ الفرنسيون أن أعيان المصريين وضعوا صحيح البخارى فى مداخل بيوتهم مفتوحًا إلى جوار كتاب الله!! 

لم تكن هناك إجابات وقتها عن أسباب توسُّل المسلمين لله بالبخارى، ولا لماذا اعتبر المسلمون البخارى «الكتاب الأصح بعد كتاب الله»!

(1) 

ورد عن الإمام الشافعى أنه قال: «ما أعلم فى الأرض كتابًا فى العلم (يقصد الحديث النبوى) أكثر صوابًا من كتاب مالك (يقصد الموطئ). لكن الإمام مالك نفسه قال إنه كتب فى كتابه ضمن الأحاديث الصحيحة، أحاديث مرسلة، ومنقطعة، وصل أسانيدها بعده آخرون»! 

وروى الإمام البخارى فى صحيحه (7397) غير المعلقات، وروى عنه تلميذه مسلم (4000 حديث) دون المكررات، واصطلح علم الحديث على اعتبار كتابَىْ البخارى ومسلم، هما الأصح بعد كتاب الله على اعتبار أنهما قد احتويا الصحيح مما قيل أن النبى قاله. 

رُغم افتراض صحتهما، روى البخارى فى صحيحه حديث إرضاع الكبير، وحديث الأئمة من قريش، كما روى حديث الشمس. وكلها أحاديث دارت حولها الشكوك، وخالفت متونها العقل المسلم، بعد سنوات طويلة من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. 

فى حديث الشمس، روى عن رسول الله أنه قال، إن الشمس لما تغرب، تذهب وتسجد عند عرش الرحمن، فلا تشرق إلا أن يأذن الله لها، فى مخالفة شديدة للعلم الحديث، وفى مخالفة أيضًا شديدة لاكتشافات المسلمين فى عصورهم الحديثة، وتقدمهم فى علوم الفلك؛ حيث تغرب الشمس لشرق فى ناحية أخرى من العالم. 

وآخرج البخارى فى صحيحه حديث الذبابة، أنه إذا وقع فى إناء أحدكم ذبابة فليغمسها.. وهو ما استشكل على المسلمين فى عصور تالية، لمخالفة الحديث علومًا عصرية، ومبادئ طبية. 

ورد حديث الذبابة فى البخارى، مرويًا عن أبى هريرة. 

فى عصره الكريم، رفض عمر بن الخطاب (رض) كثيرًا من أحاديث أبى هريرة، ولم تأخذ السيدة عائشة (رض) بأحاديث أبى هريرة هى الأخرى.. كما لم يأخذ عمر (رض) بحديث فاطمة بنت قيس. 

أمّا حديث «الأئمة من قريش» فرواه أيضًا البخارى فى صحيحه، ويميل كثير من دارسى الحديث إن لم يكن معروفًا ولا متداولًا قبل اشتداد النزاع الدموى بين الأمويين والعباسيين. لكنه تسبب فى إراقة الدماء صراعًا على السُّلطة. فقد أشهره الأمويون سلاحًا فى وجه العباسيين، وفعل العباسيون الأمْرَ نفسَه باعتبارهم الأقرب للنبى وأولاد عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى بحُكم المسلمين.

ويرى كثير من الدارسين، أن «الأئمة من قريش» ظهر فى عصور ما بعد النبى وعصور ما بعد الخلفاء الراشدين؛ لأنه لو كان موجودًا فى عصور الصحابة؛ لاحتج به أبو بكر وعمر فى التفاوض مع أهل المدينة على خلافة الرسول بعد ساعات من وفاته صلى الله عليه وسلم. شهر عن النبى صلى الله عليه وسلم أكثر من 596 ألف حديث، رفضها الإمام الشافعى كلها، وعدها من غير المتواتر، واعتد بحديث وحيد هو «من كذب علىّ متعمدًا». 

ورفض الشافعى ما أخرجه «البخارى» عن السيدة عائشة «بجواز إرضاع الكبير»، لمخالفته الآية الكريمة «والْحافظين فُرُوجهُمْ والْحافظات...»، كما رفض الحنابلة حكم البخارى بعدم جواز «صلاة تحية المسجد فى خطبة الإمام».. ورفضوا أيضًا حديث «كراهة ركعتَىْ سُنة قبل صلاة المغرب».

(2) 

وُلد الإمام البخارى فى العام 194 هـ، ووُلد الإمام مسلم ما بين 204 و206 هـ، بينما وُلد الترمذى وأبو داود وابن ماجة والدارمى بعد عام 209 هـ، وكلهم من الجيل الأول لأرقى ما وصلنا من كتب الحديث، لكن لا شاهد أحدهم النبى، ولا سمع منه مباشرة، ولا سمعوا ممن سمع منه مباشرة. 

نقل البخارى الحديث النبوى بعد جيلين من جيل النبى (ص)، ويقال إن الإمام البخارى خالف بجمع حديث النبى وتدوينه، ما نهى عنه النبى نفسه فى حياته. 

يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تدوين أحاديثه خوفًا من تقديس المسلمين كتابًا آخر غير كتاب الله. تكلم عن نهى الرسول كتابة أحاديثه أبو هريرة، وعبدالله بن عمر، وزيد بن ثابت وعبدالله ابن مسعود وأبوسعيد الخدرى. 

وروى أبو هريرة خروج رسول الله عليهم وهم يكتبون أحاديثه؛ فسألهم عن الذى يفعلون، ثم انفعل وقال: أكتاب غير كتاب الله؟ قال أبو هريرة: «فجمعنا ما كتبناه وأحرقناه بالنار». 

وروت عائشة بنت أبى بكر «جمع أبى الحديث عن رسول الله وكانوا خمسمائة حديث؛ فبات يتقلب كثيرًا؛ فلما أصبح قال أىُّ بنيَّة هلمّى بالأحاديث التى عندك، فدعا بنار فأحرقها».  وعن أبى سعيد الخدرى قال: استأذنت رسول الله (ص) أن أكتب حديثه فأبَى أن يأذن لى». 

إذا كان (ص) نفسُه نهَى عن تدوين سُنته؛ أفلا تعتبر المطالبات الحالية بإعادة فحص المنقول عن النبى (ص) فى إطار التجديد مقبولة ومشروعة.

ظهرت فجأة الأحاديث النبوية فى فضل على بن أبى طالب، وأحاديث أخرى ضد على وآل على بن أبى طالب. لعبت السياسة دورًا لم يكن معروفًا من قبل؛ فاستغلت سُنة النبى فى تأييد رءوس المسلمين فى حروبهم ضد بعضهم، بداية من العصر الأموى. 

(3)

الحديث الصحيح فى التعريف هو: «المنقول من العدل الضابط عن العدل الضابط من أول الإسناد إلى منتهاه.. بلا علة ولا شذوذ». 

 والإسناد هم الرجال الذين انتقل على ألسنتهم الحديث حتى وصل إلينا، والمتن هو منطوق الحديث.

السُّنة فى اللغة هى عادات الأولين. وفى الاصطلاح هى «صحيح المنقول عن النبى (ص) من قول أو فعل أو تقرير تبيانًا لمقصود الشارع». 

أو أن السُّنة هى اعتماد ما شهر عن النبى (ص) قولًا أو فعلًا فى أمور الدين بعد التيقن من صحته.

المقصود بالعدل الضابط فى التعريف، هو الراوى الثقة، الذى لم يظهر من سيرته سلوك يخالف شرعًا.. ولا يطعن فى عُرف. 

والمقصود بالعلة فى تعريف الحديث الصحيح، عدم مخالفة متن الحديث للعقل، ومعقولية التقاء رجال السَّند بعضهم بعضًا بحيث يروى المروى عنه ويسمع منه الراوى مباشرة، أو يسمع ممن سمع من الراوى.. بشروط. 

وانفرد البخارى فى صحيحه بإخراج أحاديث عن ما يزيد على 400 رجل لم يخرجها تلميذه مسلم فى كتابه، ومن هؤلاء الـ 400 ضعف حُفّاظ الحديث 80 رجلاً بعد موت البخارى. 

وانفرد الإمام مسلم بإخراج الحديث فى كتابه عن أكثر من 600 رجل، كان الضعيف منهم 160.

وكثير من أحاديث البخارى ومسلم أحاد، رفض منها الإمام الشافعى الكثير، وصحح منها سفيان الثورى، وابن الصلاح، وآخرون بعد موت البخارى ومسلم الكثير. 

إذن؛ فالموجود فى كتب الحديث النبوى، ليس هو ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو ما قيل أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قاله. والفرق كبير.

لذلك تبقى كتب الحديث، وأولها البخارى ومسلم، مجرد محاولات بشرية لنقل ما قيل أن النبى قد قاله. فلا البخارى ولا مسلم سمعا مباشرة من النبى، ولا سمعا مباشرة ممن سمع من النبى.

ومحاولات البَشَر واجتهاداتهم فى الدين تراث.. والتراث ليس مقدسًا. لا قداسة إلا لكتاب الله. وإذا كان الاجتهاد فى تأويل كتاب الله جائزًا حفظا لمصالح المسلمين مع تغير الأزمان؛ فكيف لا يجوز للمسلمين إعادة النظر فيما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حفظا لمصالح المسلمين أيضًا؟! 

وُلد البخارى، وهو أكبر من مسلم، بعد أكثر من 190 عامًا من وفاة النبى صلى الله عليه وسلم. 

ليس هذا طعنًا فى الإمام البخارى؛ إنما هى ملاحظات على تحليل مُسَلّمات دينية تمسَّك بها بعضُنا حتى وصل بها إلى مراتب القداسة، دون قدرة ولا رغبة على إعادة النظر بلا سبب ولا مقتضى. 

لاحظ أن الإمام البخارى نفسُه، لما شك فى المنقول من السُّنة النبوية فى عصره، ورفض أحاديث، ووافق على أخرى، ثم غربلها ودققها وأعاد إخراجها لم يتهمه أحد بالإنكار.. ولا وصمه أحد بالخروج عن الدين.

هل يغضب تعالى لو أعدنا النظر فى السُّنة النبوية، وفى البخارى ومسلم تنقية لسيرة النبى العطرة، تماشيًا مع مرونة الدين بصلاحية لكل زمان ومكان؟ 

لماذا يقف بعضهم حائلاً ضد إعادة النظر وإعادة الفحص؟ لماذا يقف بعضهم فى وجه محاولات تنقية التراث حفظا للدين، وصلاحًا للمجتمعات؟ 

بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، لعبت السياسة بالحديث النبوى كما لعبت بالدين. قال الحافظ فى «اختصار علوم الحديث»:  «أقر ميسرة بن عبد ربه أنه وضع أحاديث فى فضائل القرآن، وأنه وضع فى على بن أبى طالب سبعين حديثًا».

وأقر عصمة بن نوح الجامع أنه أضاف إلى أسانيد ابن عباس أحاديث فى فضائل سور القرآن لم يقلها ابن عباس! 

وقال حماد بن زيد: «وضعت الزنادقة على رسول الله 14 ألف حديث». أمّا ابن سمعان الهندى فقتله خالد بن عبدالله القسرى لاكتشافه وضع الأحاديث على الرسول.

وقال حماد بن سلمة «أخبرنى شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع أحاديث لم يقلها الرسول (ص)».