الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
قصة الحب الخالدة

قصة الحب الخالدة

كنا شلة صحاب مراهقين تعصف بنا هرمونات الخشونة، عدا رفعت، كان غاية فى العذوبة والرومانسية، أكثرنا وسامة وشياكة وتهذيبًا وتفوقًا فى الدراسة، ودايمًا مستحمى، وريحته مفحفحة بالبارفانات الغالية، وكان يحب بنت اسمها مشمشة؛ يكتب فيها قصائد الغزل العفيف اللطيف، يردد لأجلها أغانى الحب، ويقرأ على حسها روايات الغرام. وكانت مشمشة نموذجًا للدمامة، مناخيرها زى البطاطساية، وشها وراسها على بعض زى القلقاسة، شفايفها مقشفة، عيونها ضيقة غائرة مردومة بالعماص، شعرها منحول مقصف هايش، مبهدلة فى نفسها، ودائمًا شعثاء غبراء، كثيرة التهرش، فغالبًا كانت أيضًا جرباء. رغم ذلك كانت شديدة الألاطة، ولديها ثقة بالنفس فشَر مارلين مونرو.



وكنا نكثر من لوم رفعت، والألش على حبيبته، نسميها مشمشة العمشة. وهو لا يتزحزح عن حبها، رغم تنمُّرنا. كان متواضعًا، طيبًا وذكيًا، عميقًا وبسيطًا فى الوقت نفسه، لسان حاله ينطق مثل المطرب لطفى بوشناق: خدوا عينى شوفوا بيها.

لم يفعل رفعت مثل دوكنيشوت، ويقال دون كيشوت، بطل رواية سرفانتيس الشهيرة الذى كان يعيش فى زمنه بعقل ينتمى للماضى، ويتوهم أنه فارس جَوّال وحبيبته دالسينيا هى أجمل الجميلات، وكلما التقى بناس لا يعرفهم صاح قائلاً: إنه كأحد الفرسان يضحى بحياته لأجل دالسينيا، وعليهم أن يعترفوا بأنها أجمل نساء الأرض، ومن يرفض فلا حل لحسم الخلاف معه إلا بالمبارزة.

لم يقل رفعت أبدًا إن مشمشة أجمل النساء مع أنه يراها كذلك فعلاً، كان يدرك الفارق بين الذاتى والموضوعى. الذاتى مسألة ميل قلبى كتفضيل أحد الألوان على غيره، بينما الموضوعى يمكن قياسه. وصف شخص لامرأة بأنها أجمل النساء هو حكم ذاتى. لكن القول إن طولها 170 سم هو وصف موضوعى يمكن أن نحتكم فيه للمازورة.

كنا مخطئين. رفعت لم يحاول قَط أن يفرض علينا تفضيله الخاص، ولم يدخل فى نقاش حول جمال مشمشة. وكنا عُصبة أشرار لا يحق لنا أن نعيب عليه حب مشمشة مَهما رأيناها دميمة، ما دام لم يفعل مثل دون كيشوت، ولا يقال دونكى شوت.

لو افترضنا أن رفعت فعل مثل دون كيشوت وقال لنا: إما أن تعترفوا أن مشمشة أجمل النساء أو هَيّا للمبارزة، هَيّا للجدال، للمشاحنات، الكراهية، الغضب، الشقاق؛ إذن لكان هناك مبرر لتنمُّرنا عليه؛ بل ربما وجب علينا فراقه.

فى مقال سابق حدثتك عن صديقى الذى يفرض السكر على الآخرين فكرهوه، أما رفعت فقد دامت معه الصداقة والمودة.

الإيمانيات الدينية مثل الحب، ذاتية خاصة، ميول قلبية، لا تحاول فرضها على غيرك. ليس فقط لأنها موروثة إلا نادرًا جدًا، وليس فقط لأن هناك ديانات أخرى يراها أصحابها أجمل من مشمشة، لكن أيضًا داخل الدين نفسه، هناك تفضيلات عديدة، طوائف ومذاهب واختيارات، وكلها لا يمكن قياسها بمازورة مثلاً ولا معايرتها فى الواقع.

كن رفعت ولا تكن دون كيشوت.

اقعدوا بالعافية.