الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«الحنان» هيفضل فى القلب

لم تعط لنفسها الفرصة لتنهار أو تتألم.. أغرقت نفسها فى عملها، أصبحت تجرى كحصان فى سباق.. مرت السنوات وهى تتعلم وتجتهد وتعافر وتقع وتقوم دون أن تشكو، كانت تضحك وتسخر من الحياة، بالوقت وجدت حولها أصدقاء اصطفتهم لها الدنيا، دون أن تبذل هى مجهودًا فى اختيارهم, فالسيئ كان يتضح لها ويسقط ولا تحمل نفسها عناء النظر لما سقط منها، عوضها القدر بهؤلاء الأصدقاء وأخذت الدنيا تلعب معها لعبة الظهور والاختفاء، سافر من سافر وظل من ظل، وفى وسط ذلك الزحام ظهرت «حنان» التى كتبت اسمها على الهاتف «الحنان» صديقة تكبرها بعدة سنوات منذ أن رأتها وهى تنظر لها بحب من أول يوم، وكعادتها كانت تخاف ممّن يحاول الاقتراب منها فكانت تهرب منها، وتتساءل ماذا تريد هذه السيدة منى، لكن القدر وحده شاء وقرر أن تقترب منها لتقف بجانب هذه السيدة فى مواقف حياتها الصعبة، زوج خاين وقاسى القلب يصر على إذلالها وإهانتها وإعطائها إحساسًا بالدونية كلما سنحت له الفرصة، وأهل لايرون إلا أن تتحمل من أجل أبنائها وتقول لها أمها «كلنا عايشين كده».



حتى عندما غضبت وتركت البيت وقال لها «غورى فى ستين داهية» ولم تكن هذه المرة الأولى التى يقولها ولم تكن المرة الأولى لها لترك المنزل، لكن هذه المرة هربت حنان عندها، فتحت لها الباب، كان باب الحرية لحنان وكان باب عودة الحياة بالنسبة لها هى.

دخلت حياتها بكل زحامها وصخبها، فى البداية كانت مستغربة لا تتحمل فكرة وجود هذا الكم من الصخب فى حياتها ولكن بالتدريج تعودت، ثم أحبت الصخب!

حتى الحرب التى خاضتها مع حنان لتحصل على الحرية لم تؤرقها يومًا فكلما رأت ابتسامتها وسعادتها زالت آثار الحرب الدنيئة سريعًا.

رأت سيدة حرة تسترجع ما تبقى لها من كرامة وسط أولادها وأيضًا بمساعدتهم. ومن ذلك الوقت أصبحت حنان هى العوض عن الأم التى فُقدت والأخت التى شغلتها حياتها والصديقة المخلصة والست الجدعة السند فى كل وقت ومكان.

نسيت وسط هذا الصخب أنها وحيدة، مرت السنوات وكأنها عادت طفلة، هناك من يسأل عنها كل يوم، ماذا أكلت، تحكى عن يومها تراجعه كله كالعادة ولكن ليس بينها وبين نفسها بل مع أمها التى أرسلها لها الله، حمدت الله وشكرته.

فجأة وجدت نفسها داخل حياة.. تعيش أحداثًا كثيرة تملأ حياتها، بها كل ما فقدته، وجدت الحب والحنان والإزعاج والاستياء والحب مرة أخرى.. وجدت السعادة والغضب، الفرح والحزن الذى لا يطول فحنان تصلح دائمًا ما يفسده الدهر والأيام.

أصبحت كأى فتاة تفكر فى مشاكل أخرى تافهة، لاتحمل همًا للدنيا والأيام، فطالما أن حنان موجودة فلا داعى للقلق!

تبكى فتذهب لترمى نفسها فى أحضانها، تنجح فتجرى لتجهزها لترى الفرحة التى كانت تتمنى أن تراها فى عيون أمها.. تراها فى عيون حنان.

مرت السنوات وتملك من قلبها الأمان والحب، وكانت تعى جيدًا أنها عوض الله لها حتى إذا حدث ما يعكر صفو هذه العلاقة كانت تعرف أن حنان هى الأهم لم يكن أى شىء ليبعد بينهما، مهما حاول البعض بقصد أو بدون قصد التفريق بينهما، أحست أنها استعادت سنوات عمرها الذى ضاع ومر بلا طعم أو لون أو حتى رائحة.

فجأة وبدون مقدمات، قرر القدر حرمانها من «الحنان» ذهبت حنان للقاء ربها بسرعة لم تستوعبها.

فجأة تصعد درجات سلم الرعاية المركزة لتسمع ابنها يصرخ «لا يا ماما أرجوكى لا».. تدب الصرخة فى قلبها يرتجف، وتظل تجبر نفسها على الصعود، تزيد الصرخة بالرفض «لا.. أرجوكى لا».

تستمر فى الصعود وقد فقدت قلبها فى أول درجة من درجات السلم.

وصلت.. وقد وجدت حنان على التروللى مغطاة بالكامل وابنها منهار.. لم تصرخ ولم تبك.. ظلت تنظر لها تنتظر أن تزيح الغطاء وتطمئنها كعادتها.

تقول لها.. «لايا حبيبتى ما تخافيش.. مفيش حاجة أنا كويسة»، لكن لم يحدث ذلك.. ظلت تحت الغطاء لاتتحرك، نظر لها الطبيب قائلاً: «البقاء لله» أخذت ابنها فى أحضانها وربتت عليه ودخلت مع حنان لإيصالها احتضنتها وأزالت الغطاء وقبلتها وقالت لها «كده يا حنان.. ده أنت عمرك ما وجعتى قلبى».

تذكرت حنان عندما كانت فى الرعاية وكانت هى موقنة أنها ستخرج وهى تقول لها «ولادى أمانة فى رقبتك» وهى ترد عليها «فى عينى بس أنت هتقومى وتاخدى بالك مننا كلنا» تذكرت أنها أبلغتها بالرحيل لكن عقلها وقلبها رفضا التصديق، فلم تكن من عادة حنان أن تفاجئها مفاجآت غير سارة.

تذكرت أنها قبل شهور تتحدث معها وتصفى أجواء مشكلة كبيرة، حدثت بسبب إحدى بناتها وقالت لها «عشان خاطرى ماتزعليش أنت أختهم.. عايزاكى تفضلى أختهم سواء أنا موجودة أو لا».

نزلت لتجد بناتها وصل لهن الخبر احتضنتهن وهن منهارات من البكاء، مرت الأحداث سريعة وهى تحدث حنان تحكى لها على الواتساب كل ما يحدث كما تعودت دائمًا.. تنتظر الرد! تنظر للمعزين مستغربة، لماذا يتجمع كل هؤلاء الناس ويكسو الحزن والأسى وجههم! فيمن يعزون؟! تبحث بينهم عن حنان لترتمى بين أحضانها وتبكى كالعادة! فلا تجدها. عادت مرة أخرى لمنزلها تبكى أمام المرآة وتقول لنفسها كله هيعدى!

لكن.. هذه المرة لم ينجح الأمر..

قررت أن تتكلم مع القدر وصاحبه.. مع الله.. «كده يارب.. ليه عملت فيا كده تانى، تدينى العوض وتاخده منى؟! فى رب يعطى هدية ويستردها؟!

هو ده عقاب؟! أنا مش معترضة.. أنا بس مش فاهمة.. والحقيقة زعلانة أوى.. لا يارب أنا زعلانة وغضبانة.. سامحنى، بس ليه تاخد أحلى ما فى حياتى؟! ليه؟! ليه؟!، عمرى ما قلت لك، ليه؟! فقد ووحدة وعذاب وحياة مافيهاش روح وعمرى ما سألتك ليه؟! بس بعدما تعوضنى تقهر قلبى وتكسرنى كده لازم أفهم ليه؟!

كنت راضية رغم صعوبة الإحساس.. كنت عايشة وبحاول.. كنت سيبنى كده.. دخلتها فى حياتى ليه طيب؟!

ظلت تحدث الله بعتاب وضعف حتى ذابت فى أحلامها..

واستيقظت تنتظر الإجابة عن أسئلتها، لكنها لم تأت بعد..

عادت إلى عملها، كل يوم ترسل لحنان رسائل على الواتساب كالعادة ولاتنتظر إجابة، تتحدث إلى أولادها لتسأل عنهم كما أوصتها حنان.

وبدأت ترى كل من حولها.. من يحاول أن يكون بجانبها من يساعدها ولو من بعيد على استعادة نفسها.

فقررت أن تحاول هى الأخرى ولا تخذلهم.

وقفت أمام المرآة وربتت على كتفها وقالت «كله هيعدى» وشكرت الله على الفترة التى أعطى لها فيها هدية عمرها «الحنان» وقررت أن تصبح هى امتدادًا لهذه المرأة المعطاءة التى لم تخذل أحدًا أبدًا.

ولم تكسر خاطر أى إنسان لجأ لها أبدًا.. شكرًا يا حنان.. ستظل ذكراك فى القلب ما حييت. وكله هيعدى.