الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«رأس العش».. 30 بطلاً فى مواجهة 10 دبابــــــات إسرائيلية

ثلاثون رجلاً هزموا عشر دبابات، لا تندهش أيها القارئ وأنت فى حضرة أبطال مدرسة الصاعقة المصرية، فتلك ملحمة رأس العش أهم معارك حرب الاستنزاف التى سطرها مقاتلون ترجّلوا على أقدامهم مع أسلحتهم الشخصية فقط ضد قوة إسرائيلية مدرعة مكونة من 10 دبابات ومشاة ميكانيكية ودعم جوى؛ كانت فى طريقها لاحتلال مدينة بورفؤاد فى يوليو 67، فدمرهم الأبطال المصريون تدميرًا ولم يفكروا بعدها مرة أخرى فى الاقتراب من هذه المدينة حتى أكتوبر 73.. حكى لنا العريف حامد عبدالحميد العراقى- بطل استطلاع معركة رأس العش- عن أحداث المَلحمة، وقص علينا كشاهد عيان لحظة استشهاد البطل الشهيد عبدالمنعم رياض، فكان العريف آخر من تحدّث إليه الجنرال الذهبى وأول من حمل جثمانه الطاهر فى 9 مارس 1969.



بعد ثلاثة أسابيع من النكسة، وتحديدًا فى اليوم الأول لتولى المشير أحمد إسماعيل- اللواء حينئذٍ- قيادة الجبهة، تقدمت قوة مدرعة إسرائيلية على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس من القنطرة شرق فى اتجاه الشمال بغرض الوصول إلى ضاحية بور فؤاد المواجهة لمدينة بورسعيد على الجانب الآخر للقناة، وكان الهدف احتلال المدينة، وكانت المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو 1967، وتهديد بورسعيد ووضعها تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلى، وعندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى منطقة رأس العش جنوب بورفؤاد وجدت قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلاً مزودين بالأسلحة الخفيفة.

 

المشير أحمد اسماعيل و الشهيد عبدالمنعم رياض
المشير أحمد اسماعيل و الشهيد عبدالمنعم رياض

 

فى حين كانت القوة الإسرائيلية تتكون من عشر دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية فى عربات نصف مجنزرة، وحين هاجمت قوات الاحتلال قوة الصاعقة المصرية تصدت لها الأخيرة وتشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية.

استمرت المعركة من الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 1/7/1967 حتى 4/7/1967 وقد جرت أحداثها فى رأس العش، وهى قرية صغيرة تقع جنوب بورسعيد بنحو 14كم ويحدها من الشرق والغرب قناة السويس، وتعتبر معركة رأس العش بداية انحسار نكسة المؤامرة عن قواتنا المسلحة.

وفوجئت القوة الإسرائيلية بالمقاومة العنيفة للقوات المصرية التى أنزلت بها خسائر كبيرة فى المعدات والأفراد أجبرتها على التراجع جنوبًا.

 

حامد العراقي وعبده الحجري ومحمد سرحان
حامد العراقي وعبده الحجري ومحمد سرحان

 

(أحداث الملحمة)

يحكى العريف حامد عبدالحميد العراقى- أحد أبطال حرب أكتوبر والاستنزاف، والذى شارك فى مهمة الاستطلاع لعملية رأس العش: أكرمنى الله وشرفنى بتجنيدى فى 5 يونيو 67، وكنت استطلاع مدفعية ميدان الكتيبة 838 الفرقة 18 مشاة أول فرقة تشكلت بعد النكسة، فكان علينا عبء تجهيز الأرض من فايد حتى بورفؤاد، وعبرت بمجموعة كوماندوز لتنفيذ عملية رأس العش.

بدأت أحداث الملحمة يوم السبت 1/7/1967، حيث عبر رجال الصاعقة لقناة السويس لمنع تقدم العدو تجاه بورفؤاد ولمنع ارتداده تجاه القنطرة شرق، فقامت المجموعة الأولى بقيادة م. أ.الشهيد جابر الجزار فى التعامل مع العدو المتقدم ناحية بورفؤاد واستمرت المعركة 3 ساعات وتم تدمير 3 دبابات + 3 عربات 5 وقتل معظم أفراد العدو واستشهد الملازم أول الجزار ومعظم أفراد مجموعته ودفع العدو بعربة 5 جنزير محملة بالذخيرة وتصدت لها المجموعة الثانية بقيادة الملازم عبدالوهاب الزهيرى وتم قتل أفرادها والاستيلاء على المركبة والذخيرة وترحيلها غرب القناة.

وفى يوم الأحد 2/7/1967 حاول العدو التقدم لضرب بورفؤاد وتصدى له الملازم أول الزهيرى وتم تدمير 3 دبابات، و6 عربات، وتم إيقاف تقدمه تمامًا وتم التعامل مع عربة للعدو الإسرائيلى تعطلت فى حقل الألغام وتم تدميرها والحصول على المعدات والوثائق المهمة الموجودة بها.

وفى الخامسة من صباح الثلاثاء 4/7/1967 تم الاشتباك مع قوات العدو ناحية بورفؤاد وتم تدمير عربة 5 جنزير وانسحب العدو ناحية القنطرة شرق ولم يستطع العدو دخول بورفؤاد.

عاود جيش الاحتلال الهجوم مرة أخرى، إلا أنه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجانب الآخر، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف المجنزرة وزيادة خسائر الأفراد، اضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب.

بعد الهزيمة التى تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلى لم تحاول إسرائيل بعد ذلك محاولة احتلال بور فؤاد مرة أخرى وظلت فى أيدى القوات المصرية حتى قيام حرب أكتوبر، 1973، وظلت مدينة بورسعيد وميناؤها بعيدين عن التهديد المباشر لإسرائيل.

يحكى العريف حامد العراقى موقفًا إنسانيًا مخلدًا فى قلبه وعقله، فهو آخر من تحدث إليه الشهيد عبدالمنعم رياض، وأول من حمل جسده الطاهر بعد استشهاده: فى يوم 9 من مارس وكنت قد طلبت من قائد الكتيبة 838 مدفعية عمل مركز ملاحظة متقدم يشرف على النقطة القوية المقابلة لمستشفى نمرة 6 وقد وافق على طلبى وإذا بشخص يدخل علىّ، ويرتدى الزى العسكرى الكامل الأنيق، وسأل أين المسئول؟ فرد عليه أحد زملائى بالإشارة إلىّ، فأعطانى 8 إحداثيات للتعامل معها فورًا واستغرقت مقابلته 4دقائق ونزل، وبعد دقيقتين حدث إطلاق الدبابات بالنقطة القوية التى تفصلها عنا القناة فقط فتعاملت على الفور مع مصادر النيران وإذا بمن يرافقنى يقول: من كان هنا أصيبت سيارته. وبعد توقف النيران من جانبنا؛ نزلت ومن معى وهو الجندى حسن عبدالشافى حمدان من دير مواس وإذا بالشهيد وفرد معه نزلا دشمة مدفع ماكينة بين مستشفى نمرة 6 الجديد والقديم وكان قد أطلق عليه طلقة «ش ف» تحدث خلخلة فى الضغط مما ينتج عنها تهتك فى الأذن والعينين وتهتك الجمجمة وما إلى ذلك، فأخليته ومن معه بجوار سور المستشفى، وعرفنا أنه الشهيد عبدالمنعم رياض، ونلت شرف أننى آخر من تحدّث إليه وأول من حمل جسمه الطاهر وازداد الشرف إننى والنقيب رضا (بوند) أطلقنا النيران على طائرة تقل قائد الجهة الشرقية الإسرائيلية والذى يعادل فى الرتبة الشهيد عبدالمنعم رياض، فثأرت له.