الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ملوخية بالسكر

ملوخية بالسكر

صديقى الذى أحب السكر كان يضع خمس ملاعق فى كوباية الشاى، ولا يشرب أى شىء بدون سكر، حتى فى المياتم كان يطلب قهوته سكر إكسترا زيادة، وازداد تطرفه فى عشق السكر، لدرجة أنه انصرف من مأتم صديقنا المشترك حين تعذّر على البوفيه عمل القهوة إكسترا زيادة، وتطورت الأمور، صار يضع السكر فى الأكل، ولو شوربة الفراخ، والسَّلطة الخضرا، الملّاحة نفسها أصبح يضع بها سكر، وأصبح لا يستغنى عن السكر حتى فى شرب الميّة.



وتبحَّر صديقى فى معرفة أنواع السكر، والتمييز بينها فى اللون والشكل والطعم، والأصل؛ هذا سكر قصب، وهذا سكر بنجر، بل ادّعى وجود سكر عجوة وسكر يُستخرج من التين البرشومى. ورغم الغرابة والاستغراب كنت أقول: هذه أمزجة، حرية شخصية. ثم علمت أنه يفرض السكر على أهل بيته، وهكذا بدأت المشاكل، كان على أولاده-  وبعضهم فى المرحلة الجامعية-  أكل السَّمَك مثلًا بالسكر، قلت لعلهم اعتادوا تطرف أبيهم السكرى، هو حُر  معهم، وهم أحرار فى اختياراتهم ومدى خضوعهم لهذه الحياة المحلاة بالسكر الزيادة.  وكنت أتجنب الحديث فى شئونه الخاصة، إلا إن تكلم معى هو فيها وطلب رأيى، ولما تكلمنا فى حبه الشديد للسكر، نصحته أن يكتفى بالحياة السكرية لنفسه فقط، وتعجب هو ألا أضع أنا السكر مثله فى كل شىء، اتهمنى بعدم إدراك حلاوة السكر، وقال: حب السكر هو الفطرة؛ لهذا يحبه الأطفال، يفقد الإنسان الدهشة كلما كبر، كذلك يفقد حبه للسكر، فيصير مثلك هكذا.

لم أرد عليه قائلًا مثل الممثل مظهر أبو النجا: ياااا حلاوة. تجاوزت عن لهجته شبه المهينة، على أساس إن العِشْرة ما تهونش، وانتهت صداقتنا عندما وضعها فى كفّة ليس فقط مقابل أن أتناول معه الغداء ملوخية بالسكر؛ بل أيضًا مقابل أن أفعل مثله فى حياتى، ومع كل الناس وأولهم أهل منزلى.

 بعد ذلك انفضّ الجميع عن صديقى حتى زوجته وأولاده، نتيجة تزمّته فى فرض السكر عليهم، بحجة أنه حلو، وأنهم ينبغى أن يذوقوا حلاوة الحياة بالسكر. وفيما بعد أصيب صديقى بمرض السكر، لكنه لم يفقد إصراره على تناوُل السكر رغم نُصح الأطباء، وتطرفه فى فرض الحلاوة على الجميع رغم نصح الأصدقاء.

هذه القصة ليست خيالية، هذه قصة حقيقية نعيشها كل يوم، الدين فى مصر سكر، السكر حلو، السكر جميل، كثيرون يعشقون الحلوَى، لكن المسألة تصير فوق الاحتمال، تصير غرائبية، وربما مؤذية، عند إقحام الدين فى كل شىء، السياسة، العلم، الطب، الاقتصاد، التعليم، الفن، برامج الطبخ فى التليفزيون، مقاطع الرياضة فى يوتيوب، التحية، طريقة شرب الماء، طريقة النوم، طريقة دخول الحمَّام، ويقال الخلاء.. إلى ما لا آخر له.

الدين علاقة خاصة جدًا بين الفرد والإله، وهى حلوة مثل السكر كلما كانت ذاتية، ولم تتجاوز الاختيارات الشخصية.