الأربعاء 3 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الطــــلاق بعد الستين!

الطــــلاق بعد الستين!
الطــــلاق بعد الستين!


 
موضة جديدة ربما فيروس من نوع خاص أصبح يطارد البيوت المصرية.. فالست المصرية شابة كانت أم متقدمة فى السن عليها أن تحافظ على زوجها و«تتبت» فيه لأنها معرضة فى أى لحظة أن تخسره، فبعد أن كان علماء النفس والاجتماع ينذرون بوجود ظاهرة جديدة عصفت بالفعل بالعديد من بيوت المتزوجين حديثا مما حدا بأساتذة الاجتماع إلى أن يطلقوا عليها «ظاهرة الطلاق المبكر».. أما الآن فنحن أمام ظاهرة جديدة تهدد استقرار ملايين من الأسر.. فقد تلاحظ خلال الفترة الماضية وتحديدا خلال الخمس سنوات المنصرمة تنامى حالات الطلاق فى سن متقدمة وعلى وجه أخص بعد سن الستين.. وفى السطور القليلة القادمة سيدات عشن هذه التجربة الأليمة.
 
∎ أعيش لنفسى شوية
 
«لا أعرف كيف حدث ولماذا؟!»، هكذا فتحت لى قلبها السيدة فاتن صلاح (55 عاما) وتعمل بأحد البنوك الحكومية وأردفت: أنا وزوجى تزوجنا عن قصة حب خيالية كان يتحاكى عنها الناس.. تعرفنا فى الجامعة ودقت قلوبنا منذ الوهلة الأولى للقائنا كللت بالزواج ونتج عنه أجمل ثمرتين هما هدير (32 عاما) رئيس قسم المشتريات بإحدى الشركات الخاصة ويوسف (30 عاما) طبيب أسنان.. عشنا حياتنا بالطول والعرض مثل أى زوجين.. أيام ذقنا فيها طعم العسل لدرجة «الجزع» وأيام عصفت بنا المشاكل وكنا نتجاوزها سويا فكان سلاحنا هو الحب وأولادنا هما الأمل.. كنا نسعد فى كل لحظة يحقق فيها أبناؤنا أى نجاح، فلم يكن نجاحهما وإنما نجاحنا أنا وزوجى فقد كنا لهما السند والظهر والحصن المنيع من أى عدوان.. وفى نفس الوقت غرسنا فيهما تحمل المسئولية والإرادة الحديدية التى تعين على تحمل صعاب الحياة.
 
صارت حياتنا على خير ما يرام إلا من عام واحد فقط وتبدلت الأمور رأسا على عقب.. تحول زوجى من شخص هادئ مسالم إلى وحش كاسر «يشخط وينطر» فى كل لحظة وحين وعلى أتفه الأسباب.. بدأ ينعزل على حاله وخصص غرفة المكتب لتحظى بتوصيف جديد «حجرة البانسيون» التى لا يدخل إليها إلا للنوم فقط بعد أن ابتاع لنفسه «كنبة سرير» ليقضى فيها سواد الليل فقط ومع أول شعاع شمس ينزل إلى المستشفى التى يعمل بها ليقضى بها طوال نهاره حتى يجن الليل ليذهب إلى عيادته يقضى بها ما يقضيه من الوقت ثم يعود إلى المنزل.. ظل زوجى على هذه الحال قرابة الثلاثة أشهر وكنت عندما أسأله عن سبب تغير مزاجه العام وهل أنا سبب فى ذلك.. كان يقابلنى بوابل من الشتائم والعصبية المبالغ فيها.. وهذا لم يكن طبع زوجى فقد كان حسن الخلق عفيف اللسان.. سوقت عليه كل الوسطاء وحتى الأولاد ولكن بلا جدوى لم يتغير فى الأمر شىء إلى أن فاجأنى زوجى بقيامه بجمع أغراضه وتركه للمنزل.. وفى نفس اليوم ليلا وصلتنى ورقة طلاقى! ظللت فترة ليست بالقصيرة حتى بدأت أن أتفهم طبيعة الوضع الجديد.. حتى جاءنى ابنى فى يوم وقال لى أنه جلس مع والده وتحدثا فى موضوع الطلاق فما كان من زوجى إلا أن أجاب قائلا: أنا اتخنقت من الجواز وعايز أعيش لنفسى شوية..! وأنا فى الحقيقة «نزل عليا سهم الله»، فلم أعد أصدق ما الذى يدفع رجلاً قد تجاوز الستين لأن يغير مجرى حياته وهو فى الأساس «رجل بره ورجل جوه»!
 
∎ بره الذكريات
 
الرجالة مستعدة تبيع عشرة العمر والعيال قدام «مياصة واحدة ست» هكذا قالت السيدة ولاء محفوظ (53 عاما) ربة منزل وأم لهند (32 عاما) مهندسة اتصالات ومروة (21 عاما) خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة وتستطرد قائلة: قلبى يعتصر حزنا لا لشىء سوى لأننى عشت سنين مغفلة منحت كل ما أملكه و لم أنل شيئا واحدا.. كان هدفى هو تكوين أسرة سعيدة ناجحة.. وقفت مع زوجى فى أحلك ظروفه.. تجاوزنا سويا مشاكله العائلية وضغوطات عمله.. كنت دائما يد العون التى تسانده وقتما شاء ودون طلب.. كانوا ومازالوا يقولون الجزاء من جنس العمل.. أى جزاء أستحقه أنا بعد سنوات وسنوات من العطاء .. أى جزاء أستحقه أنا بعد سهر الليالى وأيام العناء فى تربية البنتين حتى صارتا نماذج مشرفة فى المجتمع.. أيكون رده على إحسانى إليه طيلة هذه الأعوام الماضية أن يخوننى ويتزوج على؟! وأى إحسان؟!.. منذ عام واحد اكتشفت خيانته لى: تعرف على عميلة لديه بالبنك لعبت عليه حتى أوقعته فى شباكها وتزوجها.. قطعا تزوجته لمنصبه ومركزه فزوجى ليس به أى ميزة.. ومن الذى ساعده ليصل إلى ما هو عليه أليس جهدى معه وصبرى عليه ومساندتى له؟! لم أكن لأتخيل أن يكون هذا جزائى.. صعبت على نفسى كثيرا.. شعرت أن تعب السنين ذهب هباء ومحى بجرة قلم.. زوجى الذى كان يحبنى ويعشق ابنتيه جرى وراء نزوته ونسى ابنتيه «اللى على وش جواز».. لم يفكر ولو للحظة ماذا سيقول الناس عنى أنا وابنتىَّ.. كيف سيطفش العرسان منهما!! لهذه الأسباب طلبت الطلاق منه وطالبته أيضا بتحويشة العمر التى اقتسمتها من قوت البنتين لنؤمن مستقبلهما بعد وفاتنا.. لم يعد له الحق فى المدخرات ولا البنتين.. فكلها ملك لى أنا من شقيت عليهما وأنا وحدى التى دبرت القرش فوق القرش.. فليذهب مع زوجته الجديدة إلى الجحيم لم يعد له مكان بقلبى أو حتى بذكرياتى!
 
∎ 3 ورقات
 
أنا بقى جوزى كان مسحور له، وكان بيتعامل معى كأنه شايف شبح قدامه..!! هكذا بدأت السيدة كاميليا نيروز (85 عاما) لتروى حكايتها قائلة: أنا لا أبالغ عندما قلت أن زوجى كان مسحور له.. هكذا كان يراه الناس الأقرباء والأغراب.. فالجميع كان يتعجب من تبدل حال زوجى ما بين ليلة وضحاها.. فقد تحول 081 درجة من شخص هادئ ورقيق إلى ثور هائج... ومن شخص من المعروف عنه أن سلوكه مسالم إلى شخص معاد لكل الناس وتحديدا أنا.. فكنت كلما يظهر طيفى أمامه كانت تتحول تقاسيم وجهه لدرجة أننى كنت أتخيل زوجى ذئبا وليس بشرا من لحم ودم مثلنا.. ويبدأ بعدها فى نوبات «الزعيق» المطولة وكأنه يرى عفريتا، وكانت لا تهدأ هذه النوبات إلا بمجرد اختفائى من أمام عينيه.. ولا أخفى عليك سرا أن تصرفات زوجى الأخيرة أصبحت تنذر لى بشىء خطير قد طرأ عليه إما أن يكون «شايف له شوفة» أو أنه مريض بتصلب الشرايين أو أننا بصدد طريق آخر والخوض فيه أمر عضال وهو السحر والدجالين..!! بدأت أعمل على هذه المحاور الثلاثة وتبين لى أن زوجى ليس مريضا وأنه سليم عقليا ونفسيا والصدفة البحتة وحدها هى التى كشفت المستور: فذات يوم دعتنا أرملة شقيق زوجى على العشاء مع مجموعة كبيرة من أقاربنا وأخواتها وعائلة أمها.. وفور الانتهاء من الغذاء ذهبت لأؤدى صلاة العصر فى إحدى الغرف.. وأثناء وجودى فى الغرفة المتاخمة للمطبخ سمعت صوت همس آلاء أخت أرملة شقيق زوجى و تدعى دعاء وهى تحدثها قائلة: أنا ملاحظة يا دعاء إن هشام أخو المرحوم مهتم بك وبالعيال ومش مقصر معاكم فى المصاريف.. «فردت دعاء ضاحكة»: البركة فى «العمل» ده عامل شغل ماقولكيش.. وقتئذ عرفت أن زوجى وقع فريسة فى براثن أرملة أخيه وأنها تشتهيه زوجا لها وتستكثر عيشته معنا.. وأننى ضحية سحر وأعمال وأن بيتى قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.. ولا أنكر أننى ذهبت للمشايخ والدجالين لعلنى أستطيع أن أفك هذه الأعمال وكنت كثيرة قراءة القرآن والرقية الشرعية وكان بعدها ينصلح حال زوجى ويرجع يعاملنى برفق وحنان، ولكن سرعان ما كانت دعاء تسرقه منى لأنها بارعة فى شغل الـ 3 ورقات والسحر.. ولأننى تعودت طيلة عمرى ألا أدخل معركة خسرانة فيها القوى غير متكافئة قررت أن أرفع الراية البيضاء وأن أتنازل عن زوجى لها و بالفعل تم الطلاق وتزوجها وهما الآن يعيشان أسعد أيام حياتهما.
 
∎ ضغوط الحياة
 
وتعقب دكتورة منال زكريا حسين أستاذ علم النفس الاجتماعى بكلية آداب جامعة القاهرة قائلة: نحن نعانى من ضغوط نفسية كبيرة وتحديدا خلال الخمس سنوات الماضية، فكنا نتحدث عن ظاهرة الطلاق المبكر لم نكن لنتحدث عن الطلاق المتأخر لأننا بحكم الطبيعة الشرقية الخاصة بنا نتآلف بعد مرور العديد من السنوات وندعم استقرار الزواج من أجل الأولاد ولكن خلال السنوات القليلة الماضية زادت معدلات الطلاق فى السن المتقدمة وهى السن التى من المفترض أن الإنسان يتوق فيها إلى الاستقرار بدلا من التباعد أو عدم الاستقرار.. فى هذه السن يحتاج الإنسان إلى شريك الحياة ليعيش الفترة المتبقية من العمر التى قد تتراوح ما بين خمس لعشر سنوات، ولكن قدرتنا على تحمل الضغوط لم تعد مثل الأول أصبح لدينا مدركات مرتفعة جدا للإحساس بالألم والتوتر والضيق وهذا نابع من أشياء كثيرة أولها التغيرات الجذرية التى وقعت فى المجتمع المصرى فى الفترة القليلة السابقة.. لدينا انحراف كامل وتدهور فى منظومة القيم الخاصة لدى المصريين والمجتمعات العربية بشكل عام.
 
وما الذى يدفع رجلاً عند سن الستين معاشه لم يعد يكفيه فضلا عما يعانيه من أمراض تقدم السن سوى لوجود انحراف فى الفكر؟! كذلك زادت لدينا معدلات عدم البر بالوالدين.. فلم يعد هناك التراحم والتكاتف بين الآباء والأبناء كما كنا نرى أيام زمان، وبالتالى كبار السن أصبحوا يعانون من الوحدة مما زاد إحساس قدرتهم على عدم تحمل الضغط.. إذن فإن تدهور منظومة القيم وزيادة حالات الانفصال فى الأسرة وعدم وجود حيز للتواد والتراحم والحب، بالإضافة إلى ضيق ذات اليد ونقص الحالة المادية.. هذا الثالوث، إضافة إلى رغبة الزوج فى تعليق عدم رغبته فى استمرار الزواج على الطرف الآخر الضعيف.. لكن فكرة ترك شريك الحياة تعد من القضايا الفارقة والتى نعتبرها من ضغوط الحياة الشاقة، فليس من السهل أن يترك زوج زوجته بعد عشرة دامت لعشرين أو 25 عاما.. ولكن إذا كنا نتكلم عن إحداث تغيير ملحوظ فى نمط الحياة فيكون من خلال الذهاب إلى الساحل الشمالى أو قضاء وقت كبير فى البلد أو الانفصال حتى والعيش فى شقة بمفرده وليس ترك شريك الحياة من خلال الطلاق.. فرغبة الإنسان فى التغيير لإحساسه بالملل ورتابة العيش، فهذا لا يكون فى الزواج الذى يستمر إلى 20 عاما ويتحول بعدها إلى عادة أو أسلوب من أساليب الحياة.