الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أسرار البيوت والأحلام الضائعة

200 جنيه حواديت المجتمع وطبقاته

أن تجد أفيش فيلم « 200جنيه» يحمل اسم محمد أمين مُخرجًا، معه أحمد عبدالله مؤلفًا لأهم الأفلام الكوميدية والدرامية منذ نهاية التسعينيات للآن، لابُد أن يستوقفك هذا، خاصةً أن كل اسم منهما له رصيد من الأفلام ذات مستوى فنى جيد.



وأن يكون معهما على الأفيش 9 مُمثلين كُل منهم يستطيع تحمل فيلم بمفرده، أعتقد أن هذا عنصر جذب جيد لدخول الفيلم، ولكن ماذا بعد؟

هل هذا الكم من المُمثلين أفاد الفيلم؟

 

هل جميع الشخصيات بالفيلم أخذت حقها فى الكتابة من المؤلف أم أن صُناع الفيلم اهتموا بمشاركة أسماء لها بريقها على الأفيش لجذب الجمهور على حساب تثقيل الفيلم بما لا يحتمل؟ أم أنهم اعتمدوا على كل مُمثل وشطارته فى العمل على الدور الذى يلعبه.

«أفلام قصيرة»

كثيرة هى الأعمال الفنية التى قدمت العُملة أو «الفئة النقدية» سواء كانت أجنبية أو مصرية، لكن مؤلف الفيلم أحمد عبدالله والمُخرج محمد أمين ومعهما مدير التصوير إيهاب محمد على يقدمون «200جنيه» بمُعالجة متوائمة مع العصر الحالى.

ونرى كيف يدور فى فلكها جميع شخصيات الفيلم بتفاصيل حواديتهم واختلاف طبقاتهم الاجتماعية, لذلك ستشعر أنه فيلم اجتماعى من الدرجة الأولى يكشف أسرار البيوت بالرؤية الفنية الخاصة بمُخرجه.

المؤلف أحمد عبدالله كعادته يجعل المُتفرج يشاهد «الدُنيا» من خلال شخصيات مُتعددة بأفلامه مثلما شاهدنا فى فيلميه «ساعة ونصف» و«الليلة الكبيرة»، وكانت شخصيات فيلميه من الطبقة الدنيا.

لكننا نشاهد فى فيلمه «200جنيه» صراع الشخصيات بتنوع طبقاتها الاجتماعية من أجل توفير متطلبات الحياة اليومية والإيفاء بمسئوليتهم، ونرى بطل الفيلم وهو «الفئة الورقية» وهى تتنقل بين الأبطال سواء الشرفاء أو الخارجين على القانون، من خلال المؤلف أحمد عبدالله نعرف شخصيات فيلمه التى تعتبر أفلاما قصيرة لعدد من الشخصيات كُل على حدة، يربط بينهم «الفئة الورقية».

ونرى بطل الفيلم مدى تأثيرها عليهم من خلال التغييرات التى طرأت على المجتمع، إنهاحكايات قصيرة قد تجد نفسك فى حكاية منها أو قابلت أبطالها بأسماء أخرى.

ضحك وبكاء

يحسب لمحمد أمين اختياره لممثلين لهم ثقلهم للكشف عن تفاصيل وأسرار البيوت وما حدث فى المجتمع من تغييرات.

ليس هذا فحسب بل أسند أدوار ا غير متوقعة لممثلين، أولهم طبعًا إسعاد يونس فى دور الست «عزيزة السيد» التى أعادها للشاشة فى دور بعيد عن شخصيتها تمامًا ومختلف عن كل ما قدمته على مدار مشوارها الفنى.

هى إحدى الشخصيات المكتوبة بشكل جيد بالفيلم. لم تهتم إسعاد يونس إلا بإعطاء الشخصية حقها سواء فى الشكل الخارجى أو الداخلى فأبدعت فى أدائها التمثيلى «عود أحمد».

وكذلك أحمد صلاح السعدنى فى أحد أهم أدواره الفنية، فهو الابن اللاهى العابث النصاب اللص الخائن للصداقة والذى تتحقق دعوة والدته فى نهاية الفيلم.

هاتان الشخصيتان يمثلان العمود الفقرى لرسالة الفيلم، وبداية رحلة الـ«200 جنيه» لأبطال الفيلم الآخرين.

أضحكنى كثيرًا أحمد آدم وإجادته لدور البخيل صاحب الأملاك الذى يهوى طبقة معينة من فتيات الليل.

طبعًا لا ننكر أن المواقف التى كتبها أحمد عبدالله كانت سببًا فى تفجير الضحكات دون لى ذراع المتفرج لإضحاكه ولا ننكر فى ذات الوقت الخبرة الفنية لأحمد آدم وطريقة آدائه لتظهر الشخصية بشكل مختلف يستحق الإشادة.

ولأنها كانت أطول قصص الفيلم وقد جمعت بين ليلى علوى وأحمد آدم فقد ظهرت بشكل أقرب للتماسك والتشبع.

ورغم المباشرة الواضحة فى قصة هانى رمزى إلا أنه كشف عن مناطق أداء جديدة لم يضعه فيها المخرجون من قبل، هذا يحسب للمخرج الذى أسند له دورا تراجيديا إنسانيا يمس القلب يرى فيه ملايين الأباء أنفسهم.

المفروض أنه أب يعمل فى بنزينة ولايستطيع شراء بلوزة لابنته المراهقة من أحد أرقى المناطق بالقاهرة.

ولعب أحمد رزق شخصية واقعية تجمع ما بين خفة الظل والتراجيديا وبأداء تمثيلى مميز يضحكك ويبكيك فى آن واحد على حاله.

فى قصته شعرت ببصمة محمد أمين كمخرج له أسلوبه الساخر فى المعالجة السينمائية وهو الأسلوب الذى اشتهر به فى معظم أفلامه السابقة.

المفروض أن أحمد رزق مدرس ملتزم يعطى دروسا خصوصية بلا توقف لسد احتياجات أسرته دون تقدير من زوجته.

تعتبر شخصية خالد الصاوى أحد أجمل الشخصيات التى صاغها المؤلف رغم المباشرة الواضحة التى ظهرت فى مشهد الحوار الداخلى بينه وبين العاملة التى تساعد زوجته وأظهر بقوة حسد كل منهما للآخر رغم اختلاف الطبقات بينهما.

هو يرى أنها تعيش حياة بسيطة بلا أقساط ولا ضغوط مادية مثله، وهى ترى أن ثمن قطعة أثاث فى منزله يجعلها تعيش ملكة مدى الحياة.

أيضا كان الأداء التمثيلى جيدا لغادة عادل فى دور راقصة الأفراح صاحبة المبدأ رغم ظروفها القاسية.

وليلى علوى لعبت دورا  لم تقدمه من قبل مليئا بالإنسانيات سواء فى مواجهتها «للتنمر» كبائعة متجولة من أصحاب محلات وسط البلد عقب وفاة النجمة الشهيرة التى كانت تعمل لديها مساعدة، أو فى علاقتها بزوجها المريض «محمود البزاوي» الذى كان له حضور طاغ كعادته رغم ظهوره بمشهدين طريح الفراش.

وبجانب القصص الرئيسية بالفيلم كان هناك أداء جيد لشخصيات أخرى دعمت رسالة الفيلم مثل شخصية طارق عبدالعزيز أستاذ التنمية البشرية المدعى، ومى سليم التي استقرت على فراشها ورقة «200» لتكون دليل خيانتها.

محمود حافظ الزوج الذى تحققت دعوة الأم عزيزة السيد «إسعاد يونس» من خلاله. الزوجة دينا فؤاد التى لا تقدر ما يبذله زوجها من مجهود لتعيش حياة ميسورة، وملك قورة الطالبة التى ذهبت للعمل فى برامج «التوك شو» لتستطيع تصوير مذكرات الجامعة.

من أضعف شخصيات الفيلم التى صاغها أحمد عبدالله كانت من نصيب أحمد السقا الذى لعب دور ابن البلد الشهم، وبالتأكيد ستشعر أنه قدم هذه الشخصية من قبل عشرات المرات ويبدو أنه وافق كنوع من المُجاملة لصُناع الفيلم ورغبتهم فى جذب الجمهور باسمه، أو رغبةً منه فى تواجده بهذه التجربة التى جمعت عددا من ضيوف الشرف يجمعهم خط درامى واحد مرتبط بعلاقتهم بـ «ورقة 200».

فى تصورى أن وجود اسم بحجم نجومية أحمد السقا على الأفيش يعتبر إضافة جيدة لتسويق الفيلم فقط دون استفادة السقا فنيا من هذه التجربة. خاصةً أن موقف تنازله عن قسط سيارته لعلاج السباك تبدو غير منطقية، وإذا تم حذف دوره بالكامل لن يتأثر الخط الدرامى.

فيلم «200» لمحمد أمين وأحمد عبدالله ليس سيئا وإيرادات الفيلم لا تعبر عن مدى جودته، كم من أفلام حصلت على إشادات نقدية دون تحقيق أرقام فى شباك التذاكر.

وأخيرًا:

على مُنتجى الأفلام التأكد أن الجمهور بدأ يشعر بالملل من لعبة كثرة ضيوف الشرف بلا مبرر منطقى والدليل أن الفيلم فى مُجمله بكل الأسماء البراقة على الأفيش لم يكن على قدر توقعات الجمهور.. والزج بهذا الكم من ضيوف الشرف بلا داع خصم من رصيد الفيلم فنيا.