الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحب لوحده.. مش كفاية

بعد ضغط كبير ممن حولها، بدأ قلبها يشعر بالخوف وهى بجانبه، بدأ الخوف من الزمن، والعمر الذى يتسلل هاربا منها يشعرأنها بقلق كبير لم تكن تشعر به أبدا وهى بجانبه، ولأول مرة منذ أن عرفته تخبره بأنها ستذهب لمقابلة عريس ! ظل صامتا، صمتا يقتلها، حتى استجمع قواه وقال لها، قابليه.. وسقطت من عينه دمعة باغتته وآلمتها، شعرت لحظتها بالعجز، هل تربت على كتفه وتخبره أنها لن توافق عليه كالعادة وأنها أحبت فقط أن ترى رد فعله؟! هل تبكى فى أحضانه وتعترف له أنها خائفة كى يطمئنها ويهون عليها.. هل تطلب منه أن يأتى ويتقدم لها رغم علمها أنه لا يملك ما يقدمه لها الآن؟ 



قررت أن تغض بصرها عن دموعه وتتركه حزينا موجوعا مثلها تماما، ذهبت لمقابلة العريس بعد إلحاح من خالتها، وكل نصف ساعة يتصل بها، فتغلق الخط، وبعد أن أنهت المقابلة طلبها وصوته يملأه القلق والحزن، أصر على مقابلتها، الآن وليس غدا.. ظنت أنه سيخبرها ألا توافق، وألا تتركه، فذهبت إليه، فوجئت أنه يقول لها «هل ستتركينى لو ارتبطى به؟! فضحكت بهدوء وقالت له مستغربة: «ماذا تنتظر، ماذا تريدنى أن أفعل؟» 

نظر لها وقال: «أنا شخص معدم، لا أستطيع أتقدم لأسرة مثل أسرتك».. صمتت وقالت «انس الموضوع، فقد قابلت الكثير ولا أدرى لماذا أخبرتك هذه المرة، اغلق الموضوع، وأصرت على غلق الموضوع لا تعلم لماذا؟ هل أشفقت عليه من الإحساس بعجزه، أو بأنه أقل منها ويسهب فى الاعتراف بذلك أمامها وهى لم تره يوما أو تشعر بذلك، لطالما رأته كبيرًا.

ومرت الأيام وعاد كل من حولها للتساؤل والتشكيك، وفى يوم كانت تطلب صديقتها فى التليفون فوجدت خطها مشغولًا، حاولت مرارا دون جدوى، وفجأة خطر ببالها أنها تتحدث مع حبيبها، لأنها كانت مصرة أن تجعلها تواجهه لتعرف نهاية فاصلة لعلاقتهما! 

كانت تتهمها بالسلبية وتضييع الوقت والعمر بلا هدف فربما قررت صديقتها أخذ الخطوة بدلا منها فجربت الاتصال به فإذا بتلفونه هو الآخر مشغولا، ظلا يتحدثا أكثر من ساعة. ثم طلبت صديقتها فقالت لها أنها بالفعل كانت تتحدث معه لتشكو له من خطيبها ولم تتحدث فى أى شىء يخصها، وعندما تحدثت معه.. وجدت صوته هادئا كالثلج، خاليًا من أى إحساس أو هكذا ظنت، سألته عما كانا يتحدثان، قال لها فى لا مبالاة، لا شىء مهم.

ومنذ تلك اللحظة، أصبح شخصا آخر، رجلا بملامح باردة، لا يبتسم إلا للمجاملة، يتهرب من لقائها دائما، عصبى، كان يبتعد ويعود فجأة ثم يبتعد مرة أخرى، أفقدها توازنها، حتى سألته.. هل تقابل أخرى؟ فرد «لا» فسألته مرة أخرى «تقابل أخرى ؟» فأجاب «نعم»، شعرت بسكين حاد يخترق صدرها ويكسر ضلوعها دون رحمة حتى وصل لقلبها واخترقه بعنف، فشعرت بغصة تماما مثلما شعرت يوم وفاة أمها.. هكذا أحست وهكذا بكت، لكن بعد أن أغلقت معه الهاتف بهدوء، قالت له «طيب.. اسمحلى أقفل دلوقتى»  فشعرت فى صوته برفق استغربته، كيف تقتلنى بيد وتترفق بى بالأخرى؟! 

قال «لا.. استنى» فقالت بصوت خافت فقد كادت تفقد وعيها «أرجوك.. كلمنى بكرة.. لكن لازم أقفل دلوقتى» وأغلقت الهاتف وذهبت لغرفتها ودخلت تحت غطائها ونامت كأنها جنين فى بطن أمه وبكت، بكت بحرقة بكت على نفسها وعمرها وقلبها، بكت على عقلها الذى آمن به وصدقه، بكت حتى غطت فى نوم عميق زهى تتكلم مع الله، تشكو له ضعفها وقلة حيلتها، ظلت تسأله ماذا تفعل وتنادى على أمها وتناجيها وتطلبها لنجدتها صارخة «محتاجاكى يا أمى تعالى.. سبتينى ليه أنا تعبت» ثم تعود لتتكلم مع الله وتتساءل «أنت فين يا رب؟ أنت فين؟» 

لم تكن تعرف أن صديقتها خوفا عليها عرضته لإهانة لم يكن ليتحملها، قالت له إنه فقير، ولن يستطيع أبدا الاقتراب من عائلتى وأنه يضيع حياتها بلا أمل، ونصحته لو حقا يحبها، يجب أن يبتعد عنها.. وقد كان، وكانت هذه طريقته.. وهذه الحقيقة التى عرفتها بعد سنوات طويلة! 

حاول التحدث معها فى اليوم التالى فعلا وردت عليه وكأن شيئا لم يحدث، كانت فى منتهى القوة، كانت تضحك كعادتها، طلب رؤيتها فرفضت بحجة ضغط العمل، فشعرت بصدمته، لم تعطه فرصة لا للتبرير ولا للتراجع، أخذ يحاول أن يتحدث معها مرة تلو الأخرى وكانت دائما ترسم على وجهها، ابتسامة مصطنعة، كرهها ورأت ذلك فى عينيه، ولكن هل له حق الكره أو الحب الآن ؟!

تركته بالتدريج، على قدر ما استطاع قلبها، ها هى قطعة أخرى من روحها تموت، جزء أصيل من ذكرياتها ومشاعرها سيفنى، ولكن.. هل تتوقف الحياة ؟ لا, أبدا.. ها هى تربت على كتفها وتقول لنفسها فى المرآة، كله هيعدى، كله هيعدى.