الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
النيل والخطوط الحمراء

النيل والخطوط الحمراء

ذات ليلة منذ أكثر من نيف ونصف قرن من الزمان، تساءل «شوقي» مخاطبًا النيل فى مجراه: مِنْ أَيَّ عهدٍ فى القُرى تَتَدفَّقُ... وبأَى كَفٍّ فى المدائن تُغْدِقُ... ومِنْ السماءِ نزلْتَ أم فُجِّرت من علْيا الجِنان جداوِلًا تترقرق...؟! وبأَيَّ عَيْنٍ، أم بأَيَّة مُزْنةٍ... أم أيَّ طوفانٍ تفيض وتَفْهَق؟!.



هذه التساؤلات التى أطلقها «شوقي»  تمجيدًا للنيل.. كانت صدى للتساؤلات المماثلة التى طالما ترددت فى شمال الوادى عبر آلاف السنين، فقد عُنى المصريون فى جميع العصور منذ بدء التاريخ بنهر النيل، ووصفه، وتتبع منابعه، وحوضه، ومصبه، وكثُرت المحاولات لتفسير أحواله وظواهره المختلفة، وهذه الأمور جميعها هى ما يطلق عليها «جغرافية النيل». وكانت تلك نقطة البداية فى تفكير مصر قيادةً وشعبًا وجيشًا حين اتخذوا من النيل مؤشرًا للحياة وخطًا أحمر وركيزة أساسية، قامت عليها حضارتهم المبكرة، تلك الحضارة النبيلة الراقيةالتى كان لها الفضل على العالم كله، حيث نهل أبناؤه من وادى النيل مبادئ هذه الحضارة والعمران، يوم لم يكن حضارة ولا عمران إلا ما نشأ ونما فى أحضان هذا الوادى الخصيب. 

 واليوم يستمر هذا الاهتمام والشغف فى وقت شديد الحساسية تحتل فيه قضايا مياه النيل اهتمامات السياسة الخارجية المصرية وشواغل واهتمامات الصفوة المصرية بعامة والحاكمة بخاصة وصانع القرار لكونه من أهم قضايا الأمن القومى والإقليمى المصرى خاصة مع تزايد الأصوات المطالبة بتعديل الاتفاقيات التاريخية المتعلقة بحصة مصر فى مياه نهر النيل. ولرغبة بعض المتربصين تغيير الوضع القائم، واحتواء الدور الإقليمى لمصر فى منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقى من جانب آخر.

ولكن هناك مواقف فى تــاريخ الأمم لا تحتمل سوى الجد لا سيما حينما ترتبط بقضايا مصيرية مثل قضية مياه النيل؛  ذلك الشريــان الحيوى الذى سكن فى وجدان المصريين منذ آلاف السنين، إنه تلك الحقيقة الخالدة التى لا يمكن لأي حسابات سياسية أن تغيرها مهما كانت الدوافع. 

ولسنا هنا فى مقام شرح أهمية النيل للمصريين بقدر ما نحاول التأكيد على أن هذه الثوابت ليست محلا للتساؤل أو موضعًا للتشكيك فى عدالتها. 

النيل يجرى فى أرض مصر المحروسة منذ فجر الضمير وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه القضايا الحيوية تحتاج دائمًا وقوف الشعب كله خلف قيادته السياسية صفًا واحدًا وستظل المؤسسات المصرية حاميةً لمقدرات الوطن. لقد أعلنت القيادة السياسية أن مصر مع حق دول القارة فى التنمية وتجلى هذا فى تولى شركة المقاولون العرب تشييد سد «جوليوس نيريري».. لتوليد الكهرباء فى تنزانيا بأيادٍ مصرية وهو ما يؤكد على أن مصر التى ساندت حق دول القارة فى التحرر السياسى وكانت قبلة زعماء حركات التحرير الوطنى تساند أيضًا حق هذه الدول فى التنمية وتوليد الكهرباء.

 إن المياه مورد لا ينبغى أبدًا أن يستخدم كسلاح للمساومة أو التهديد فهى مورد طبيعى عابر للحدود ولا يمكن حبسه أو تغيير مجراه؛ بل يمكن فقط تنظيم استخدامه والتعاون من أجل تنميته، أما عدا ذلك من محاولات للانتقاص من حق مصر فى مياه النيل فهى محاولات مآلها الفشل الذريع، فكما أن لهذا الوطن درعا وسيفا، فالنيل له شعب يحميه.