الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العـــواف

العـــواف

الدقنجى، وقد تُكتب الدأنجى، هو الشخص الذى يتاجر باختياراته الدينية، ويريد دائمًا فرضَها على الآخرين، باعتبارها الصواب الذى ما بعده صواب، حتى- بل ربما بالأخص- فى أبسط الأمور، ومنها التحية. 



ولى صديق دأنجى، إن قلت له: صباح الخير، رد باشمئناط: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إن قلت: مساء الفل، إزّيك، سعيدة، هاى، سلامات.. دائمًا هو متحفز باشمئناطه وردّه الجلياط. ولأنه كدأنجى لديه شعور بالدعم الإلهى، فهو لا يشعر بالجليطة والبواخة أبدًا؛ بل بالرضا عن نفسه ضمن ما يوصف رجعيًا- قل دأنجيًا- باستعلاء الإيمان.

واستعلاء الإيمان تعبير سيد قطب، أحد أهم زعماء الإخوان، والأب الروحى للإرهاب والإرهابيين، فى كتابه «معالم فى الطريق». ذلك الاستعلاء يمنح الدأنجى البجاحة فى الحط على المختلفين ولو فى تحية مثل صباح الخير. هذا عكس ما نتمنى أن يسود بين الناس من المَودة، وقبول الاختلاف، وعكس المأمول أن يملأ الإيمان الدينى النفوس بالتواضع والرفق ولين الجانب.  

كانت العَوَاف، واقعدوا بالعافية، من ألفاظ التحية الأصيلة، تحية خاصة بنا نحن المصريين، لا تجدها بأى مكان حول العالم، كانت أكثر تداولاً فى الريف، ولكن يبدو أنها تقارب الانقراض تحت ضغط حمو الجوف الدينى المشتعل لدينا منذ عقود، والذى- كما استبدل العقيقة بالسبوع- استبدل السلام عليكم بجميع أشكال التحية وألفاظها، ضمن سعيه لفرض نمط موحد شمولى على الجميع. 

والعواف- فضلاً عن مصريتها- صالحة لكل أوان، ولا تُقصى ما عداها، فلم تكن الأجيال السابقة من المصريين تمتنع عن السلام عليكم، ولا غيرها من أشكال التحية،. وإنسانيًا قبل دينيًا عليك الرد بأحسن من التحية التى تقال لك أو ترد بمثلها، والأحسن هنا لا يتعلق باللفظ المنطوق، ولكن بالدلالة، والتى تتضمن نبرة الصوت، ولغة الجسد، والابتسامة الودود فى موضعها، وربما الجادة حيث يستوجب الأمر ذلك. 

والسياق مهم؛ فى العقود الأخيرة مع طغيان الفكر الدينى الرجعى، لا يكتفى الدأنجية بإقحام الدين على كل شىء، وفرض اختياراتهم الرجعية على الجميع؛ بل يتعمدون القضاء على أى اختيار آخر. هذا يشمل جميع المَظاهر والظواهر الدينية الرجعية. لسنا- مثلاً- ضد ارتداء الحجاب، ولا البوركينى، المشكلة تأتى من الاستعلاء ضد مَن لا تخضع لهذا النمط من الملابس، ذلك الاستعلاء الذى ينعكس واقعًا فى ممارسات إقصائية ضد المختلفين، وهذا ما يجعل هناك مشكلة فى أمور كان ينبغى ألا تشغلنا مثل التحية، ويفترض أن تتأسس- كغيرها من الاختيارات- على المَوَدّة، وقبول الاختلاف، لكن الاحتقان الدينى الرجعى المتربص بنا يجعل من شىء بسيط كالتحية إشكالاً ومصدر توتر اجتماعى.

الطبيعة الرجعية الإقصائية هى ما نرفضه. ولو افترضنا- مثلاً- بقاء الإخوان فى السُّلطة حتى الآن؛ لفرضوا على الجميع النمط الدينى الرجعى المفضل لديهم، حتى اسم مجلة «صباح الخير» كان سيتغير إلى السلام عليكم. 

اقعدوا بالعافية.