الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شــرف الرجل فيـن؟!

ريشة: كريم عبد الملاك
ريشة: كريم عبد الملاك

زمان.. كانت نصيحة الأم لأى بنت عندما تقع فى الحب.. «اوعى يمسك إيدك»، «اوعى يقرب منك.. لو لمس شعرة منك هيسيبك». وكانت نصيحة أى أم لابنها.. «اوعى تتجوز بنت غلطت معها»، وحديث عن أم أولاده وكيف يجب أن يكون شكلها وأخلاقها .



الحقيقة نتج عن هذا الفكر منطق غريب وهو أن الحب شيء والزواج شيء آخر! وأصبح التلاعب بعواطف البنات حق بل طريق يسلكه الشباب ويسميه إما «كنت بختبرها» أو «إنها سهلة» لأنها استسلمت لحبها ومشاعرها تجاهه. 

يذهب هذا الشاب الذى ترك حبيبته السهلة ليتزوج بنتًا كاملة،  صعبة، لم يمسسها بشر قبله ولا جان! ثم ظهرت الجملة المعتادة أن زوجتك كانت حبيبة غيرك، وحبيبتك أصبحت زوجة غيرك!

تلت هذه الحقبة الزمنية أو لو صح القول الموضة.. موضة أخرى اتخذها الشباب شكلًا من أشكال المزاح ثم أصبحت واقعًا صدقه الجميع ، أن الشاب يقول جملة: «نفسى أتجوز واحدة اتمسك إيدها بس!أو تم تقبيلها بس!» 

طوال هذه الفترة السابقة لم يتحدث أحد لا أم ولا أب عن الشاب الذى أخطأ وتم تقبيله ليس من فتاة واحدة ولا اثنتين!!

 لم يهتم أحد بعذرية هذا الشاب.. بل أطلق عليه الكثير من الألقاب «الواد المخلّص.. مقطع السمكة وديلها! وأتمنى لو أعلم سبب هذا اللقب تحديدًا.. فكلنا نقطع السمكة وذيلها عادى»!

المهم.. ظهرت بعد ذلك مجموعة ممن ينتصرون لحقوق الإنسان أو حقوق المرأة تحديدًا وأطلقوا حملة أين شرف الرجل؟.. فشرف المرأة كما نعلم مختصر فى غشاء البكارة..  طرحوا هذا السؤال الجرىء ولم يجب عليه أحد حتى الآن بالمناسبة .

كل هذا الجدال.. أو الاختلاف.. نسميه عادات.. نسميه أخلاقيات.. مهما كان المسمى..

وأسميه أنا تخلفًا، ليس اعتراضًا على المبادئ والمثل.. ولا أنا الشخص الذى يشجع على الرذيلة.. ليست تلك فكرتى ولكن أتحدث عن أصل الحكاية.

 أصل الحكاية هى التفرقة بين الولد والبنت.. حتى دون أن نشعر أحيانًا! فمثلًا عندما يخون الرجل زوجته.. خيانة كاملة ويعود ليعتذر.. هذا طبعًا لو «اتقفش»، فهو لا يعترف بخطئه من نفسه.. تكون الأعذار والمبررات جاهزة ومحضرة ومقنعة.. تصل أحيانًا أن سبب خيانته هى زوجته نفسها! 

لا إنه خائن بطبعه ولا أنه ناقص تربية، ولا أنه مريض نفسي.. نعم مريضٌ نفسي..  فهناك دراسة أمريكية تقول إن الرجل صاحب العلاقات المتعددة أقل ذكاء وحكمًا على الأمور من الرجل القادر على المضى فى علاقة واحدة ثابتة.

ثم نأتى لو خانت المرأة.. يصبح هذا جرمًا لا يُغتفر حتى لو أعلنت توبتها وندمها.. تصبح عارًا على أهلها وزوجها والدنيا بكاملها ! لا مبرر لها ولا أعذار.. الزوج لا يمكن أن يكون مقصرًا وحتى لو قصر.. فلا مبرر للخيانة! 

فرق البشر فى مجتمعنا الشرقى بين الرجل والمرأة وغض البصر عن أن جميع الأديان لم تفرق بين رجل خاطئ وامرأة مذنبة، لم يفرق بين الزانى والزانية فى حكمه. أعطينا للرجل حق الخيانة وصك الغفران وكأننا نعامله حقًا على أنه فاقد للأهلية أو مجنون «يا حرام»، وأطلقنا عليه الطفل الكبير.

ويقول الدكتور عمرو سليمان استشارى الطب النفسى: إن شرف الرجل يكمن فى صفاته، فمثلا يكون قائمًا على كرمه، فبُخله على زوجته يجعله بلا شرف.

نحن نعيش فى حالة من التخلف، فيصر الرجل على تركيع المرأة! وهذا غريب!

نأتى للمجتمع المتدين بطبعه! يُقمع المرأة ويريد أن يضعها تحت قدمه!

الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأنس برأى السيدة عائشة زوجته وحكايات ابنته.. كان سيدنا إبراهيم يأنس بحديث زوجته سارة.. ألم يكونا من الرجال؟!

هل إهانة المرأة جزءٌ من رجولتك وشرفك؟! هل استعلاؤك عليها شرف؟! استضعافك لها شرف؟! كل هذا يجعلك فاقدًا للشرف.

عندى قصة عن طبيب متدين إخوانى.. كان يصطاد السيدات من عيادته ويصلى الوقت بوقته!!.

هل عدم إيفاء الأمانة شرف؟! هل كذبك على زوجتك وخيانتك لها شرف؟! لِمَ لا تكون شجاعًا وتصارحها بأنك تحب أخرى.. الشجاعة هى الشرف.

للأسف أخلاقيات الرجولة غير موجودة، نحن نملك ذكورًا بلا رجولة.

الشاب الذى ينوى الزواج يجب أن يتعلم كيف يصبح شريفًا.. أى كيف لا يكون عشماوى، يجب أن يكون موجودًا لمساندة زوجته، يجب أن تتحامَى فيه ولا تخاف منه.

وقتها فقط يكون رجلًا شريفًا.

تقول د.سهير عبدالسلام - أستاذ علم الفلسفة وعضو مجلس الشورى- قد ساوى القرآن بين الرجل والمرأة فى العبادات والحقوق والواجبات ويُسأل الرجل مثلما تُسأل المرأة فى كل أفعالها.

وإن كان مقصودًا بالشرف هنا هو القضايا الأخلاقية، فالأخلاق لا تتجزأ. وإذا برر المجتمع الذلات الأخلاقية للرجل؛ فإن الله سبحانه لا يعطيه تلك المبررات.

والرجل فى علاقته بالشرف، لا يقتصر فقط على أخطائه الأخلاقية، لا يضر المرأة التى هى شريكة حياته فقط وإنما يضر امرأة أخرى يخطئ معها وتخطئ معه ويضر ابنته التى تحمل اسمه وتاريخه وسمعته ويضر ابنه وأسرته بأكملها والمجتمع بشكل أوسع.

وهناك مفهوم أوسع للشرف، وهو الشرف بمعنى النبل، وهو ما أكد عليه الفيلسوف الفرنسى «مونتسكيو» حينما جعل شرف الإنسان فى نبله والنبل لا يخطئ ويحفظ شرفه وشرف المحيطين به.

تجد دائمًا فى جلسات الصلح سيدة ستينية وأرملة.. غالبًا تكون قتلت زوجها بالسم ولم تكتشف الجريمة، وتربت على كتف الفتاة وتبتسم ابتسامة مستفزة وتقول لها: «حبيبتى صدقينى.. الراجل ده طفل كبير.. عامليه زى الأطفال خديه على أد عقله.. فيها إيه لما يخون؟! هيلف ويرجع بيته!!».

عن أى منطق وبأى منطق تتحدث هذه المرأة؟ لعلمكم هذا ما يؤمن به 75 % من مجتمعنا الشرقى، النساء قبل الرجال.

الألطف من ذلك.. أن هذا لا يقتصر على الخيانة فقط.. إذا كان الزوج يضرب زوجته أو يسبها أو.. أو.. يقال لها نفس الكلام وبنفس الطريقة.. لماذا؟ «عشان الأولاد، عشان عيشة والسلام وكلنا كدة»، مليون علشان.. دون التفكير فى تلك المرأة.. رغم أن هناك الكثير من الدراسات تثبت أن الرجل الذى يضرب زوجته هو رجل مريض ويمتلك شخصية ضعيفة.

تعالوا فى موقف يشكوا فيه الرجل من أن زوجته تضربه.. هل سيتم «الطبطبة على كتفة» ويقال له «عديها يا ابنى هى عصبية بس طيبة وحنينة»، «ما تردش عليها وهى هتحس بغلطها وتصالحك.. اوعى بس ترد عليها عشان ماتمدش إيدها تانى وانت اللى هتبقى غلطان»!!

بالطبع لا يحدث.. سيكون حدث تتناوله الأخبار والسوشيال ميديا.. مثل خبر الولد الذى عض الكلب بالضبط.

لا أطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة.. هذا ليس طلبًا.. أطالب بمعاملة البشر كما يعاملهم الله.. بآدمية.. بإنسانية.. المخطئ سواء كان رجلًا أو امرأة.. يُحاسب.

الغفران من حق الجميع.. العدل يا سادة.. العدل يا أمهات.. لا تربى ابنك على أنه الأفضل فقط لأن الله خلقه ذكرًا! ولا ترهبى ابنتك من الحياة فقط لأنها بنت!

بالعدل ثبات الأشياء.. وبالجور زوالها.