السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

88 ألف طن فى مصر

تسونامى «النفايات الإلكترونية»

المخلفات الإلكترونية أو النفايات الإلكترونية  هى نتاج استهلاك المعدات والأجهزة الإلكترونية التى أصبحت تشكل قضية بيئية عالمية، حيث يبلغ حجم النفايات الإلكترونية فى كل عام ما بين 20 إلى 50 مليون طن فى جميع أنحاء العالم، تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان والبيئة، نصيب مصر منها سنويا 88 ألف طن، يتم التخلص من أغلبها بطريقة عشوائية وغير آمنة، ما دفع وزارة البيئة للبحث عن حلول من أجل التخلص منها بطريقة آمنة وصحية.



تأتى خطورة النفايات الإلكترونية من المواد المستخدمة فى تصنيعها مثل الرصاص، والزئبق، والزرنيخ، ومركبات عضوية سامة يتم استخدامها كمثبتات للمعادن الثمينة بها من ذهب وفضة ونحاس، إضافة إلى أن تخزين تلك النفايات دون استخدام، لا يستبعد ضررها من آثار سلبية، لما تبعثه من غازات سامة وضارة بالصحة العامة والبيئة.

تطبيق إلكتروني

قال طارق العربي، مدير مشروع المخلفات الإلكترونية بوزارة البيئة، إن النفايات الإلكترونية الناتجة عن الأسر، يتم تجميعها ومعالجتها بطرق غير نظامية، من قبل القطاع غير الرسمي، ويتم إدارتها بشكل خاطئ، وقد يتم التخلص منها مع مخلفات البلدية، وفى مقالب القمامة العادية. 

ولفت إلى أن الوزارة تكثف جهودها لمنع مخاطر إعادة تدوير النفايات بطرق غير رسمية، يتسبب فى الإضرار بالبيئة، ولذلك تحصر تلك المخلفات بالقطاع الرسمى للدولة من خلال إعداد إحصائيات دورية للقطاعات الحكومية والمنزلية، والقطاع الخاص الذى يمثل أكبر نسبة إنتاج حيث تتخطى الـ 60 %.

وأضاف العربي، إن وزارة البيئة صممت تطبيقًا يُساعد الأسر فى وضع أجهزتهم عليه فى مقابل قسائم تخفيض «حوافز» من بعض شركات بيع الأجهزة الإلكترونية، لتحديد نوع وكمية النفايات التى يتم توريدها، مما يساعد فى رفع الوعى لمختلف فئات المجتمع حول ضرورة التخلص الآمن، واستدامة آلية لجمع الإلكترونيات المتولدة من الأفراد، لتحديد مسار نقل وتخزين وتدوير والتخلص الأمن منها.

وذكر أن الوزارة تستهدف إعادة توجيه النفايات الواردة بشكل غير رسمى إلى مصانع تدوير رسمية، لافتا إلى أن عدد مصانع تدوير النفايات الإلكترونية فى مصر وتعمل بشكل رسمى هى7 مصانع، بعد أن كان مصنعًا واحدًا فقط، وجارى ضم 5 مصانع أخرى لهذا المجال.

وأضاف الدكتور حازم شعبان، استشارى الطب الوقائى والدراسات البيئية، إن النفايات الإلكترونية تكمن خطورتها فى استدامة أو طول فترة التعرض لما ينبعث منها من موجات كهرومغناطيسية وإشعاعات لها آثار جانبية شديدة وتراكمية، ولهذا ينصح بترشيد استخدامها وخاصة الهواتف المحمولة مع الأطفال فهم أكثر الفئات عرضة للضرر.

وأكد على أهمية إلقاء الضوء على الأثار الجانبية  المترتبة على استخدام الإلكترونيات، التى أصبحت من ضروريات الحياة، سواء كانت أجهزة مستخدمة أو يتم العمل بها، مثل الكمبيوتر، أو الهواتف المحمولة، أو شاشات التليفزيون، والأجهزة المنزلية، والماسح الضوئي وغيرها.  ونوه استشارى الطب الوقائي إلى أهمية تجميع النفايات الإلكترونية فى حاويات خاصة للتخلص منها، أو تجميعها ليتم إرسالها لمختصين ومصانع معنية، لإعادة تدويرها مرة ثانية بطرق آمنة، وعدم التخلص منها فى النفايات العادية، حتى لا تستخدم عشوائيًا.

 وقال الدكتور عادل عبدالعظيم، أستاذ الوبائيات والأمراض المتوطنة بجامعة القاهرة: إن  بطاريات الأجهزة الإلكترونية تحتوى على مواد سامة مثل الزئبق والرصاص وغيرهما من معادن، تكمن خطورتها فيما تسببه من أضرار على البيئة بصورة غير مباشرة، حيث يؤدى عدم الدفن الآمن لها إلى امتصاص التربة لتلك السموم، والتى تصل إلى المياه الجوفية، والنباتات، وعند تناول الإنسان لها تتسرب إليه السموم ومنها معدن الرصاص، وبذلك تصبح دائرة واحدة تعمل على الخلل البيئى فى حال التعامل الخاطئ.

واستطرد: يجب أن يكون هناك اشتراطات خاصة وملزمة يتم اتباعها عند دفن النفايات الإلكترونية، ومنها تحديد العمق لمسافات الدفن، ووضع طبقة معادلة ثم الردم، وتخزين النفايات ذاتها فى حاويات خاصة لا تتفاعل معها.

وأشار إلى أن تلك النفايات لها أضرار على الحيوانات وخاصة المنزلية التى تتأثر بالإلكترونيات، وتصاب بأمراض مثل التوحد، وبالتالى تؤثر على الأطفال والمراهقين، لذلك لابد من ترشيد الاستخدام والتخلص من المخلفات، وتخصيص أماكن لتجميعها لإعادة معالجتها بطريقة نظامية، لتفادى ما ينتج عنها من تفاعل إشعاعى داخل الأماكن المغلقة عند تخزينها.

تغيرات مناخية

جميع النفايات إن لم يكن لها معاملات خاصة، تصبح ضارة بالبيئة، ويظهر أثر ذلك فى التغيرات المناخية.. هكذا أكد الدكتور سيد صبرى رئيس وحدة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة، وأضاف: نظرًا لتزايد حجم إنتاج النفايات الرقمية فى الآونة الأخيرة، حدث توسع كبير فى الاهتمام بهذا القطاع، الذى أصبح يمثل ضررًا بيئيًا من ناحية انبعاث غازات ينتج عنها تغير فى المناخ.

وأشار صبري، إلى أن النفايات الإلكترونية سلاح ذو حدين أحدهما ضار والآخر نافع، ولذلك يجب عند القيام بعمليات الفصل والتصنيف والاستخلاص توخى الحذر الشديد حيث ينتج عنها غازات سامة ملوثة للبيئة و ضارة بصحة الإنسان فى حال التعامل بطريقة عشوائية،  وأشار إلى أهمية سن تشريع ينظم  الإجراءات المتبعة لإدارة النفايات وطرق المعالجة والتخلص منها وتجميعها سواء من المنازل أو القطاع الحكومى أو الخاص، لتفادى عواقبها على الصحة والبيئة، نظرًا لأنها من الأمور المستحدثة فى مصر، منوها إلى أهمية وجود حوافز تشجيعية مثل الحوافز المادية، حيث تمنع كثيرين من التعامل مع بائعى الروبابيكيا بشكل غير نظامي، والتى تمثل قنبلة موقوتة، فمن خلالهم يتم تجميع النفايات الرقمية فى أماكن مخصصة لذلك، ويصعب السيطرة عليها، مما تمثل خطورة على البيئة والإنسان، ولذلك فلابد من وجود عملية تنظيمية لإنجاح هذه الحركة.

وأوضح الدكتور على عبدالرؤوف الإدريسي، الخبير الاقتصادى، أن  حجم النفايات الإلكترونية عام 2014 حوالى 41.8 مليون طن، ووفقًا لتقرير الشراكة العالمية لإحصاءات النفايات الإلكترونية، نمت أحجامها بنسبة 21 % فى السنوات الخمس حتى عام 2019 حيث وصلت إلى 53.6 مليون طن.

مضيفًا أن إعادة التدوير هى توجه عالمي، وتمثل قيمة مضافة باعتبارها أحد أهم الصناعات فى كل اقتصاديات العالم، لما تحققه من انخفاض فى تكاليف الإنتاج، وتوفر فرص عمل، وتحمى البيئة، وتفتح أفاق جديدة لخلق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، يعود بالنفع على المجتمع.

 وتابع: إن ملف إعادة التدوير بوجه عام والنفايات الإلكترونية خصوصًا، يحتاج إلى استثمارات لتوجيه هذا القطاع، منوها إلى ضرورة الدخول فى استثمارات مشتركة فى عمليات التدوير، حيث إنه بنقل الخبرة والتكنولوجيا سوف يصبح لمصر الريادة فى الاستثمار فى هذا المجال بأفريقيا.

 تسونامى المخلفات  

 وأكدت الدكتورة منى الجمل، الأستاذ بكلية العلوم، مدير مكتب البراءات والملكية الفكرية التابع لأكاديمية البحث العلمى بجامعة طنطا، أن النفايات الإلكترونية هى الأسرع نموًا فى العالم، ذلك لتحسن مستوى دخل الأفراد ورغبتهم فى اقتناء الأجهزة ذات التقنيات العالية، ما أدى إلى تكوين كميات هائلة من النفايات تطرح يوميًا فى المكبات، مما يتسبب فى كوارث بيئية وصحية ضخمة.

وأضافت: أطلق الاتحاد الأوروبى على عصر النفايات «تسونامى المخلفات الإلكترونية»، لما تنتجه من سموم تمثل نسبة 70 % من الناتجة عن النفايات عمومًا،  بالرغم من أن إجمالى النسبة الإلكترونية مقارنة بباقى النفايات تمثل 2 %، مشيرة إلى إحصائية صدرت عن منظمة الأمم المتحدة عام 2019، نقلت تقاريرها وجود ما يقرب من  54.5 مليون طن من النفايات الإلكترونية، تقدر بـ 62.5 مليار دولار أمريكي، ويتم إعادة تدويرها بنسبة تصل إلى 9.5 % فقط من إجمالى تلك النفايات.

 واستكملت، أقرت منظمة الصحة العالمية أن النفايات الإلكترونية تحدث أضرارًا على الأطفال، تسبب عدم اكتمال نموهم، وبالتالى عدم قدرتهم على التخلص من المواد السامة، والتى تدمر الجهاز التنفسى مقارنة بالبالغين، وأقرت أيضًا أن صحة الأمهات الحوامل والأطفال والمراهقين معرضة للخطر، جراء المعالجة غير القانونية لتلك النفايات، وخاصة أن التعرض لهذه الأنشطة قبل الولادة يسبب خللا فى نمو الأعصاب، وتغيرات فى وظائف الرئة، والغدة الدرقية، وكثير من الأمراض المزمنة والتى قد لا تظهر على الفور، وتلف الحمض النووي، وما يسبب أمراضًا جينية تنبعث من الأبخرة والغازات السامة الناتجة عن الحرق غير الآمن للنفايات الإلكترونية.

 مشيرة إلى إحصائية رسمية تؤكد وجود 18 مليون طفل تتراوح أعمارهم من 5 و 17 عامًا، يعملون بالقطاع غير النظامى فى معالجة النفايات الإلكترونية، من تجميع وتفكيك، وتم تصنيفهم بـ «عمالة الأطفال الخطرة» وهو أمر محظور.

 وأكدت أهمية التخلص الآمن من النفايات غير القابلة للتدوير فى المدافن الصحية، حيث يوجد فى مصر 24 مدفنًا آمنًا ولكن هذا لا يتناسب مع الكم المنتج سنويا، مع أهمية إجراء التقنيات الخاصة بالتخصص الآمن من الغازات الناتجة عن ضغط النفايات، حتى لا تحدث انفجارًا متولد عن الاحتباس الحراري.

   أشارت إلى أن هناك جانبًا مضيئًا للنفايات الإلكترونية، يتمثل فى القيمة المادية المرتفعة التى تحققها من عمليات التدوير، حيث يتم استخراج ما يقرب من 37 كيلو جرام ذهب، و 17 طن نحاس، و380 كيلو جرام فضة، و16 كيلو جرام من البلاديوم، نتيجة تدوير مليون هاتف محمول فقط، ولذلك يطلق عليها «التعدين الحضري»، حيث أنه يُساهم فى توفير 10 أضعاف تكلفة استخراج تلك المعادن من منبعها.