الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حروب الجيل الرابع .. وصفحات الستات الإلكترونية

حروب الجيل الرابع .. وصفحات الستات الإلكترونية

فى مرحلة سابقة كانت الزوايا أسفل العقارات سبباً رئيسيًا وراء تطرف الشباب، وكنا كجهاز أمنى نعانى من هذه الظاهرة، لوجود قانون يعفى مالك العقار من «العوايد» إذا بنى زاوية أسفل العقار، وكانت مديرية الأوقاف لها قوانينها التى تمنع ضم الزوايا لإشرافها لعدم توافر شروط المسجد فيها، والنتيجة ضغط وأعباء على كاهل الأجهزة الأمنية فى مواجهة جماعات التطرف وأفكارهم، والذين كانوا يتخذون من الزوايا مراكز لنشاطهم.



بعد ثورة 30 يونيو وسقوط حكم المرشد، تغير الموقف مرحليًا، حيث اكتشف المواطن العادى خطورة الجماعات التى يطلق عليها لفظ «الإسلام السياسى»، بعد مشاركتهم جميعًا فى بؤرة الإرهاب المعروفة «باعتصام رابعة»، حيث شارك فيها الإخوان والسلفية والجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامى وحازمون، حتى الجماعات الصغيرة الوليدة بحكم الأحداث. سقط «الإسلام السياسى» مرحلياً، وفقد قدرته فى حشد الجماهير والتأثير عليهم، وأصبح فى حالة كمون  وترقب لاختيار  التوقيت المناسب للتحرك من جديد.

نتيجة لذلك بدأت تتغير استراتيجية الدول التى تكن العداء لمصر وتسعى لهدم الدولة وليس إسقاط النظام، فى عدم الاعتماد على دعم الأفكار المتطرفة الوهابية والقطبية مرحليا، والبدء فى هدم الأسرة المصرية عن طريق  مؤسسات ممولة تحت مسمى «المجتمع المدنى»، من خلال ضرب ثوابت واستقرار الأسرة المصرية وتخريبها، بتسويق أفكار  تحمل مسميات «براقة» كلها للأسف موجهة ضد الرجل ودوره وهيبته داخل الأسرة، مع منح المرأة حقوقًا تحتاج إلى ضوابط عند تطبيقها (كالتهديد بالخلع).

كنت فى لقاء مع عدد من الشباب والشابات تتراوح أعمارهم ما بين 24و32، وكان عددهم 10 أفراد، وطلبت منهم أن يقدم كل واحد نفسه للتعارف، وبالفعل قام كل شاب بتقديم نفسه الاسم والسن والمؤهل والوظيفة، وبعد الانتهاء طلبت منهم معتذرًا وبدون إحراج الحالة الاجتماعية، فكانت النتيجة صادمة لى، حيث كان تسعة من الشباب الحاضر ما بين مطلق ومطلقة، والعاشر  عاقد قرانه، وكانت جلسة ساخنة وحوارًا  ممتعًا بعيدًا عن معرفة الأسباب الخاصة بكل واحد من الحاضرين، فقد كان محور الحديث الرد على سؤال لماذا أصبح الطلاق سهلاً؟

كان الكلام كثيرًا  وموضوعيًا، لكن وقفت عند نقطة فى الحوار تمثل البديل للزوايا التى سبق وطرحتها فى أول البوست لهدم شبابنا، وهو تحرك الجيل الرابع فى هدم الأسرة المصرية عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى، فأصبح الفيسبوك هو البديل عن الزوايا، يسوق لصفحات ممولة تنشر أفكارها السامة، وتدعمها كتائب إلكترونية تخدم عليها وعلى ما تسوقه من أفكار  غريبة على مجتمعنا (حب نفسك، شجاعة الاستغناء، فضيلة الأنانية ……) وكلها مصطلحات «فلسفية» تدعو فى النهاية بالأسلوب المطروح إلى هدم المستهدف وهى الأسرة المصرية.

استعنت بصديقة كتبت على صفحتها مقالا شد انتباهى عن محتوى صفحات خاصة بالسيدات فقط، ووجدت أنه يخدم الفكرة التى أتحدث عنها، فطلبت منها الاستعانة بالمقال فيما أكتبه دون تحريف أو تدخل فى المقال نفسه، فوافقت وكان مقالها: 

لما دخلت على الصفحات الخاصة بنون النسوة أثار  انتباهى شكل التعبير عن الموضوعات المطروحة بلغة وألفاظ جريئة جدًا تصل لاستخدام عبارات نابية ونكات أبيحة تثير الخجل وأفكار تدل على أن تركيبة المرأة قد تغيرت ولم يعد الحياء إلا مجرد كلمة فى حديث شريف. ووجدت أن عددًا كبيرًا من السيدات يستعرضن مشاكلهن الخاصة على جمهور النسوة من أعضاء الجروب مع طلب الاستشارة مثل: زوجى ضعيف جنسيًا، زوجى غير مهتم بى، أنا مهمشة فى حياتى وغيره.. بدون أن تسأل إحداهن نفسها: من هؤلاء الافتراضيين بالفراغ الافتراضى الذين أطلب مشورتهم فى أهم تفاصيل حياتى.. وكانت أغلب التعليقات تميل لاتخاذ الطلاق حلاً نهائيًا وجذريًا.. 

لكن هناك نوعية معينة من «البوستات» هى التى جعلتنى أقلق منها بوست لسيدة تحكى عن يومياتها فتقول: (أصحو صباحًا أعد الإفطار لأولادى ثم أصحيهم للذهاب للمدرسة وأنزلهم الباص وبعدها أصحى جوزى وأعمله كوباية شاى وأجهز أكل الغداء وبعدين ألبس أروح شغلى وأرجع أكمل الغداء ويكون الأولاد رجعوا فأقعد أذاكر معاهم وبالليل أشوف إذا كنت هانزل ولا هاعمل إيه تانى وفى أيام التدريبات يتم سحلى مع العيال).

وبعد أن أنهت يومياتها والتى تنطبق على بيوت أغلب السيدات سألت: أين (أنا) من تلك الحياة الجافة..؟

وهنا تأكدت أن تركيبة المرأة تغيرت التغير الذى يخشى منه المجتمع، ففكر المرأة القائم على العطاء تحول من مفهوم أين الأسرة إلى أين أنا من الأسرة مع أنها موجودة بالفعل؟

فهى موجودة كأم وكزوجة وكامرأة عاملة واجتمعت فيها كل النماذج الناجحة، لكن أصبح «الأنا كفرد» منفصلاً عن مفهوم الجماعة.. واستكملت: (أريد يومًا خاصًا بى وحدى، أريد أن أستلقى بدون فعل أى شىء، عاوزة آخد إجازة من البيت لمدة أسبوع).

كانت السيدة جادة جدًا، وحصلت على تعليقات تصف الزوج بالأنانية وعرضت بعضهن نماذج للشقاء التى تبذله فى حياته ورغبتها فى التمرد على ذلك وحرضتها أخريات على أن تفكر فى حالها فلا زوج ولا عيل بينفع، ووضع البعض لها خطة فى كيفية إعادة تدوير حياتها بشكل يتناسب مع حاجتها لنفسها وفى حين كتبن قليلات ببساطة: «إذا كنت غير مرتاحة فى حياتك فالطلاق هو الحل والإنسان لن يعيش مرتين».

ودائمًا ما كنت أرى أن الرجل هو المسئول الأول عن التغيير الحادث للمرأة، فرمى المسئوليات كاملة عليها مع امتلاكها راتبا يجعلها قادرة  على تحمل أعباء الحياة وحدها، جعل من فكرة تواجد الرجل بحياة المرأة هى فكرة ضعيفة أو وسيلة للإنجاب فقط. ربما تغيرت تركيبة الرجل الأول، لكن ظلت المرأة كزوجة وكأم هى الوتد الذى يحافظ على عماد الأسرة، ولكن أن تتغير المرأة وتطرأ على شخصها تغيرات مسايرة لتغيرات الرجل فهذا هو الخطر الأكبر.. فالأسرة لا تعرف الأنا والفرد، بل الأسرة هى مجموعة أفراد متحدين ومتضامنين، وكانت الأم هى من تجمع العيلة، ولا مانع من أن يسرّى أحدهم عن نفسه ويعطى لنفسه فسحة من الوقت، ولكنه فى النهاية يستقدم أسرته على نفسه ولا يستقدم نفسه على أسرته لأن ذلك خطر كبير وهو التضحية بالجماعة من أجل الفرد.

كان ذلك جزءًا مما رصدت، وهذا لا يعنى نصرة الرجل على المرأة، ولكنه رصد كيف تغيرت آخر وأهم ركائز بناء المجتمع وهو «المرأة» كزوجة وكأم.

ربطت ما قرأته فى مقال الصديقة من معلومات، بالموضوعات التى تقدمها المذيعة رضوى الشربينى أو المذيعة منى العراقى فى الإعلام المصرى على برامج التوك شو، هو نفس كلام الجيل الرابع الموجود فى صفحات «نون النسوة».

فى النهاية نحن أمام ملف فى غاية الأهمية والخطورة، ويحتاج إلى تدخل الدولة بمؤسساتها المعنية لرأب الصدع الذى أصاب الأسرة المصرية.. فهذا جرس إنذار.