الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التجارة سيطرت على الفن.. والإخـــــــــــــــراج أصبح فهلوة

على بدرخان: أنا أشطر من خـيرى بشارة وداود عبــــدالسيد..ومحمد رمضان محتـاج مخـرج «يلجمــه»

تصوير: شريف الليثى
تصوير: شريف الليثى

على مدار أكثر من نصف قرن فى العمل السينمائى، حقق المخرج الكبير على بدرخان مسيرة مهنية ومتميزة فى محراب الفن، فضلًا عن كونه أستاذا لأجيال عديدة من خريجى المعهد العالى للسينما، ورمزًا كبيرًا من رموز العمل السينمائى فى مصر والوطن العربى، لذلك لا تزال أعماله خالدة فى ذاكرة السينما، مثل «الكرنك» و«شفيقة ومتولى» و«أهل القمة» و«الجوع» وغيرها الكثير.



عن نشأته وبداياته وحبه للفن، وكواليس أبرز أعماله السينمائية، وموقفه من الصناعة الفنية حاليًا، وتقييمه للمخرجين المتصدرين للساحة الآن، كان لـ«صباح الخير» هذا الحوار مع المخرج الكبير على بدرخان.

• بداية.. لماذا أسست أكاديمية «بدرخان» وأنت بالفعل تدرّس الإخراج فى معهد السينما وجامعات دولية خارج مصر؟ وما الإضافة التى قدمتها؟

ــ بدأت فى مهنة التدريس لسببين، أولاً أنا خريج هذا المعهد «معهد السينما»، وهناك إحساس بالعرفان لهذا المكان ولأساتذتى الذين علمونى، وأريد أن أقدم شيئا ولكننى مقيد بنظام معين، أنا عملت منهج لنفسى كى أوصل ما أريد، أدرس مادة الإخراج لكن لا يجوز أن أعطى إخراجًا بمفرده، عندما تشاهد فيلما يجب أن تتعلم كيف تقرأه، الممثل والإضاءة والديكور والتصوير وكل شىء حتى لو كان دقيقا، إذن المخرج هو كل هذه العناصر، وكيف يوظفها ويستخدم الإبداعات المختلفة ليعبر عن وجهة نظره ورؤيته وإحساسه، إذن بالضرورة يجب أن يعرف سيناريو ومونتاج وتصوير وديكور لا بد أن يعرف العناصر التى يستخدمها ليستطيع توصيل ما يريد.

• هل تقصد أن معهد السينما يعمل بشكل قديم أو عشوائى دون منهج محدد؟

كان هناك لوائح، الأساتذة الكبار أحضروا المناهج الخاصة بمعهد برلين وغيره وقدموا لنا منهجا التزمنا به، لكن بمرور الوقت أو الاستسهال البعض صار يدرس فقط ما يعرفه، واعتبروا التدريس مجرد محاضرات يتقاضون عليها مقابلا ماديا فقط، دون أن يهتموا بإخراج طلاب مبدعين. لهذا كنت أطالب بتطوير المناهج والابتعاد عن النمطية والروتين، وهذا ما حدث معى فى معهد السينما ومعاهد أخرى، حيث طلبوا منى أن أضع منهجا لجميع الأقسام، وبالفعل قدمته، وأعطوها للأقسام إما أن يضيفوا عليها أو يعتمدوها، لكن لم يكن هناك أى رد.

• لماذا لم يردوا؟

-لأنهم يفضلون الاستسهال، يدرسون ما يعرفونه بدلاً من أن يطلعوا ويقرأوا. لهذا أنشأت أكاديمية لأدرس جميع العناصر ولا أرتبط بمنهج معين، دون لوائح، لأخرج جيلا يعرف الإخراج جيدا.. باختصار أسست الأكاديمية لأكون حراً.

• ما أهم سمات المخرج الناجح؟

- أن يكون مثقفا، ولا أقصد بها المعنى الحرفى للثقافة وهى القراءة، بل أقصد أن يعرف مجتمعه جيداً، ويعرف كيف يتعامل مع الحياة ويعرف الناس بطبقاتهم ويجيد التعامل معهم، ولديه قوة ملاحظة فيرى تفاصيل ومميزات الأشياء فى البيئات المختلفة.

• كيف ترى الإخراج حالياً؟

- للأسف أصبح «فهلوة» مثلما يحدث فى أغلب المجالات، عرفت كلمتين ودرست فى الكلية وسريعاً أريد أن أحصل على المال وأستمتع به وأنا كده زى الفل.

• تتفق معى إذن أن «التجارة» سيطرت على الفن؟

- ليس فى الفن فقط، التجارة غلبت على كل شىء. هذا الجيل «خايب» لأن كل الأشياء أصبحت تجارة، والكارثة إن أغلب الناس يعتقدون أن الفن شىء سهل فيلتحقون به، أيضا تفكير الشباب الذى يحصل على مجموع مرتفع فى الثانوية العامة ولديه ميول فنية كبيرة، لكنه يختار أن يدخل الطب مثلاً، لأنه نشأ على أن الطب كلية قمة، ولم يترب على أنه بالفن يمكن أن يصبح مؤثراً ربما أكثر من آلاف الأطباء.

• دخلت الإخراج برغبة من والدك.. هل هذا صحيح؟

- كنت أحب التصوير بالكاميرا كثيرا، فلاحظ والدى أن لدىَّ ميولًا فنية. لذلك فى الثانوية العامة عندما نجحت بمجموع 58 %، قلت له أريد أن أصبح ضابطا بحريا، وبالفعل نجحت فى الاختبارات، لكنه رفض أن يوقع على استمارة إمضاء ولى الأمر، وقال لى «اذهب وقدم فى معهد السينما»، فقلت له بالفعل قدمت وسأقدم أيضاً فى البحرية، فإن لم أنجح فى اختبارات معهد السينما أجد شيئا آخر والعكس، لكنه قال إذا لم تنجح فلن تكون ابنى، فدخلت الاختبارات وأنا أشعر برعب شديد، لكننى نجحت فى النهاية.

• لك مواقف مع المخرج محمد كريم عميد معهد السينما وقتها؟

- كان المخرج الكبير محمد كريم عميد المعهد وقتها، وكنت أعرفه لأنه صديق والدى، إلا أننى عندما قدمت فى المعهد لم يكن يعرف بالأمر ولم يحدثه أبى بشأنه. وبالفعل دخلت الاختبارات وأثناء الامتحان علم أننى فى اللجنة، لكنه لم يدخل القاعة، لكنه دخل كابينة العرض ونظر ليّ فى صمت، خرجت فوجدته أمامى وقال «تعال هنا عملت إيه؟» قلت له «الحمد لله»، فقال فى عصبية شديدة «يعنى كويس ولا زفت؟»، فأجبته: «أعتقد كويس»، وبالفعل نجحت.

الأستاذ محمد كريم كان يهتم بكل شىء فى المعهد، بدءا من مظهر الطلاب حتى إنه كان لا يسمح بدخول طالب لم يحلق شعره، بل كان يدخل يفتش على دورات المياه، وعندما يجدها ليست بالنظافة الكافية كان يطلب العامل، ثم يرفع ملابسه وينظف بنفسه ويقول للعامل «شوف هذه تنظف هكذا»، كان دقيقا فى كل شىء حتى فى النظافة. وذات مرة وهو يمر كان يوسف شاهين يدخن وكان يرتجف منه فوضع السيجارة فى جيبه، فلاحظ ذلك محمد كريم وانتظر كى تحرقه السيجارة قليلاً ثم ذهب.

• حدثنا عن الدفعة الذهبية «دفعة 67».

كانوا يطلقون علينا لقب «دفعة النكسة»، رغم أن بها مجموعة متميزة، منهم فى الديكور أنسى أبو سيف ومحمود محسن ومجدى ناشد ومرزوق حمدى وكاميليا زكى. وفى السيناريو حسين عبد الجواد وفريال صالح، وفى التصوير ماهر راضى وأحمد عسر، وكان معنا محمود الجندى، وكذلك عبد العزيز مخيون لكنه حوّل فنون مسرحية فى السنة الثانية، وفى الإخراج كريم ضياء الدين وخيرى بشارة وداود عبد السيد وحسام على.

• (خيرى بشارة، داود عبد السيد، على بدرخان) من أشطرهم؟

أنا أشطر طبعاً.

• تخرجتم أيام النكسة فهل أثر ذلك على الأعمال الفنية وقتها؟ 

- تخرجنا أيام النكسة والتحقنا بالخدمة العسكرية منذ ذلك الحين وحتى عام 1973، صحيح إن الحس الوطنى وقتها كان مرتفعا، لكن الفن به جزء «صناعة» أى إنتاج وتكاليف، وبالتالى لم يكن الأمر سهلا، خاصة إذا كان العمل عن النكسة أو الحرب فأنت تحتاج لدعم الجيش، لذلك السينما لم تقدم وقتها سوى أعمال قليلة كـ«الرصاصة لا تزال فى جيبي» و«حتى آخر العمر» و«العمر لحظة» و«أبناء الصمت» التى نفذها شباب السينما الجديدة، لكنهم لم يستطيعوا أن ينتجوا أفلاما أخرى من هذه النوعية، وهذا يقودنا لدور وزارة الثقافة ووزارة الإعلام، اللتين تمثلان عقبة أمام صناعة السينما حتى الآن، فمثلا عندما يتم اتخاذ قرار برفع رسوم التصوير فى الشارع بهذا الشكل المبالغ فيه، إذن أنت تقتل الصناعة وتدمر الفن والإبداع، لذلك وضع السينمائيين سيئ، نتيجة ضعف النقابات وهشاشتها.

• كيف أثرت النكسة على موضوعات الأفلام بعد ذلك؟

- الفساد القائم فى ذلك الحين وأسباب النكسة ككل خلقت حالة إبداعية ترجمتها السينما، وهذا كان تحديداً فترة منتصف السبعينيات وحتى أوائل التسعينيات وبعد ذلك «باى باى».

• ما الأخطاء التى يقع فيها المخرجون الحاليون من وجهة نظرك؟

- المخرجون أنواع؛ حرفى شاطر يعرف الحرفة وينفذها، وآخر حرفى شاطر ولديه رؤية ويوصلها للناس هذا هو المخرج المبدع، ونوع ثالث مخرج ذاتى يريد أن يقدم أعمالا فنية لكن الأهم أن ينبهر به الناس فلا يفكر سوى فى ذاته، لا يفكر فى الجمهور ولا فى الرسالة التى يقدمها. الإخراج فى الوقت الحالى عبارة عن «شوفنا فيلم عجبنا ناجح نقلبه مصرى، ننقله وننقل التكنيك أيضاً، هؤلاء يجوز يكونوا أشطر منى لأنهم على دراية بالتقنيات الحديثة أكثر منى ولكن ما الذى يقدموه؟».

• كيف ترى تدخل الفنانين فى اختيار المخرج؟

- المنتج أصبح لا يفكر فى المخرج إطلاقاً، بل يفكر فى الممثل فقط، بل أحيانا قد يتعاقد مع مخرج لكن لأن النجم أو النجمة لا تحبه «فيغيروه». هذا انحدار بالقيم الفنية وبالصناعة، هذا كان من المستحيل أن يحدث مع رمسيس نجيب أو حسن رمزى أو جمال الليثى لأنهم كانوا فاهمين «الشغلانة».

• هل قدمت أفلاما من أجل «أكل العيش»؟

- بالطبع لا، وإلا لم أكن ما أنا عليه الآن، ولما اضطررت لبيع بيتى وأرضى. لا أقول إن هذا بطولة منى، لكن كان وضعى المادى أفضل من غيرى، فالبعض تضطرهم الظروف أحيانا لتقديم «أى شغل»، ولا يجب أن نحاسبهم على ذلك.

• من أشطر المخرجين الحاليين؟

- شريف عرفة، مروان حامد، شادى الفخرانى، أحمد الجندى، أكرم فريد، أيمن مكرم وأكثرهم حظاً «شريف عرفة».

• من خلال قربك من الراحل أحمد زكى ما رأيك فى تجسيد «محمد رمضان» لشخصيته؟ 

- محمد رمضان يصلح لتقديم شخصية أحمد زكى، لكنه لا بد أن «يلجم» من مخرج له شخصية قوية. فأنا أرى أن المنتجين يستغلون محمد رمضان إلى أن «يمصمصوه ويرموه عظم»، أنا لست ضده، فهو ممثل جيد ولديه إمكانات عالية حينما يكون فى المكان الصحيح، لكنهم يستغلونه، وهجوم الناس له عليه أساس الموضوعات، وأنا ضد ذلك، لأنه ليس وحده المسئول، فليس هو من يكتب السيناريو ولا الذى ينتج ولا هو المخرج.. «ما تكلموا الناس دى! إنما محمد رمضان شخص بسيط وبار بأهله ربنا فتحها عليه واحنا حاطين عيننا فيما أعطاه الله»، بل من كثرة الهجوم عليه تحوّل الأمر معه إلى عِند.. «لو قلت لك أنت بتعمل غلط أنت بتعمل غلط أنت سيئ أنت سيئ، هاجى فى النهاية أقول أيوة أنا كده. العيب الأكثر على الإعلام لأنه استغل مثل هذه الأشياء ونشرها وروج لها بشكل مبالغ فيه واستفز محمد رمضان».

• نعود إلى أفلامك، وتحديدا فيلم «الكرنك»، حدثنا عن كواليس الكتابة.

 - كتبه فى البداية ممدوح الليثى مع لينين الرملى، وكنت عندما أريد أن أتناقش أو أغير شيئا فيه أقول للينين الرملى، لكن لم أكن راضيا عن الكتابة وقتها فقلنا نعطيه لصلاح جاهين ليعيد ضبط بعض الأشياء، لكنه عندما وافق كتبه من الأول، الذى كتب الفيلم كاملا هو صلاح جاهين.

• إذن لماذا وضع اسم ممدوح الليثى على أفيش الفيلم وليس صلاح جاهين؟ هل لأن الأخير كتب كثيرا عن عبد الناصر والفيلم يدين الحقبة الناصرية؟

- ليس لهذه الدرجة، الفيلم ليس ضد جمال عبد الناصر، بل ضد تلك الفترة، فما دخل عبدالناصر بقرارات الاعتقال؟ هل هو من أعطاها أو بالجلد للمعتقلين؟ من هم ضد عبدالناصر هم من استغلوا الفيلم وروجوا لهذا وأن هذا هو عبد الناصر، بينما فى الحقيقة هو رجل وطنى قاد ثورة وفعّل قوانين مهمة مثل الإصلاح الزراعى ومجانية التعليم، ودعم حركات تحررية فى المنطقة العربية فى الجزائر واليمن، هو مستهدف من الغرب لأنه كان يريد أن يصنع مكانة لمصر وهم لا يريدون ذلك، مثلما حدث فى العراق، فأنا أصولى كردية وضد صدام حسين، لكن ذلك لا يمنعنى من الاعتراف بأنه كان ينهض بالعراق ليجعلها دولة متقدمة ولديها جيش قوى، «فكان لازم يضربوه».

• كيف كانت سعاد حسنى خلف الكاميرا؟

- كانت جميلة جداً، لكنها امرأة عادية وبسيطة للغاية وخجولة، «ست بيت عادية تطبخ وتنظف مثل خالتى وخالتك»، بينما كونها ممثلة فهذا شىء آخر، وكنت أتعامل معها فى الشغل كأى ممثلة وأقول لها «يا مدام سعاد».